المصدر الأول لاخبار اليمن

أربع سنوات بين منصة اللواء أحمد عسيري ومنصة بدر البالستي.. أين أصبح اليمنيون؟!!

تقرير خاص/ عبدالقادر عثمان/ وكالة الصحافة اليمنية//

 

بعد أربع سنوات من الحرب التي يشنها التحالف على اليمن، خرج الملايين من اليمنيين يوم أمس الثلاثاء في 11 ساحة، معبرين عن صمودهم ومحولين ذكرى ما يسمونه “العدوان” من مأساة إلى “يوم وطني للصمود”، في الوقت الذي يعجز فيه الرئيس المستقيل “عبدربه منصور هادي” عن حشد عشرة من أنصاره في عدن أو مأرب أو المهرة أو حتى محافظته (الضالع)، كما لا يستطيع مغادرة محل إقامته في أحد فنادق الرياض، “عاصمة العدوان” كما يسميها اليمنيون.

 

أربع سنوات من الحرب التي قتلت عشرات الآلاف من المدنيين وجرحت أضعاف أضعافهم، وشردت أكثر من ثلاثة ملايين يمني من منازلهم إلى مخيمات لجوء أو محافظات أخرى كصنعاء التي فتحت أبوابها للجميع عدا قوات التحالف، وعملت على تدمير البنية التحتية للبلد بكل أنواعها، التعليمية والصحية والخدماتية والإدارية، فأصبحت اليمن أشهر بلد في العالم يعيش مأساة الحرب في الوقت الحالي على المستوى المعيشي والصحي.

 

مقارنة


وبالعودة على الأيام الأولى للحرب التي تقودها السعودية وجارتها الإمارات منذ الـ 26 من مارس/ آذار 2015، فإنه لا يمكن المقارنة بين ما يملكه التحالف من إمكانيات اقتصادية ومادية وعسكرية وتقنية وإعلامية واستخباراتية هائلة وما يمتلكه اليمن من ذلك بعد عقود من الفساد الذي عانت منه البلد في ظل الأنظمة السابقة.

 

فعلى المستوى العسكري حشد التحالف قواته الضخمة من مختلف الدول العربية والعالمية مستعينا بالقوات الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية والفرنسية في الدعم العسكري الميداني واللوجستي الاستخباراتي، وعقد العشرات من صفقات الأسلحة وأعلن في وسائل إعلامه انطلاق ما أسماها بـ “عاصفة الحزم” التي تستمر نصف شهر فقط كحد أعلى.

 

في اليوم الثالث للحرب ظهر المتحدث الرسمي للتحالف اللواء أحمد عسيري معلناً القضاء على الدفاعات الجوية اليمنية ومتباهياً باستمرار تلك الضربات التي حصدت أرواح مئات الضحايا من المدنيين منذ اللحظات الأولى، كما ظهر بعد أسبوع معلنا القضاء على 80 في المئة من القدرات العسكرية والصواريخ الباليستية اليمنية التي يملكها من أسماهم بـ “الحوثيين”، غير أن نصف الشهر الموضوع في الحسبان امتد إلى أربعة أشهر في عملية جديدة أطلق عليها التحالف “إعادة الأمل”، ليعود العسيري بعد ذلك مصرحاً إن التحالف يواجه جيشاً مدرباً في اليمن وليست مليشيات كما كان يطلق عليها.

 

أربعة أو يزيدون


من جرائم قوات التحالف في اليمن

الأربعة الأشهر التي وضعها التحالف في حسبانه اضطراراً – بعد أسبوعين فشل خلالهما في حسم المعركة – باءت هي الأخرى بالفشل لتتخطى الأربعة أعوام تغيرت خلالها مجريات الأمور وتحولت المواقف بشكل عكسي واضعة السعودية والإمارات في موقف لا يحسدان عليه بعد تفكك التحالف وخروج بعض الدول التي أعلنت في وقت متأخر أنها أخطأت في مشاركتها تلك واعتذارها من الشعب اليمني الذي يتعرض لحرب ظالمة كما أسمتها تلك الدول التي آخرها المملكة المغربية.

 

وعلى الصعيد الاقتصادي، عمل التحالف الذي يضم أغنى بلد في العالم (السعودية) على محاصرة اليمن براً وبحراً وجواً، واستهدف منابع الثروات اليمنية المتواضعة، فارضاً قراراته على هادي بنقل البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن بعد سيطرة الإمارات عليها، وهو القرار الذي أعقبه حرمان اليمنيين من مصادر قوتهم المتمثلة بالرواتب في ظروف هم أحوج فيها إلى ما يسد رمقهم.

 

وإلى جانب ذلك، استهدف التحالف المزارع النباتية والحيوانية والموانئ والمصانع، مخلفاً أزمات خانقة تمثلت بانعدام المشتقات النفطية والأدوية الضرورية وانخفاض سعر الريال اليمني أمام العملات الأجنبة بعد طباعة ملياري ريال يمني دون غطاء تأميني، لينتهي كل ذلك إلى ارتفاع عدد من يعانون من المجاعة في اليمن إلى نحو 14 ألف مواطن.

 

هذا العدد الذي أخذ يتنامى بشكل تدريجي جراء استمرار الحرب والحصار وانقطاع المرتبات وتدمير البنية التحتية جعل من اليمن بيئة خصبة لعمل المنظمات الإغاثية والحقوقية التي تقاطرت من كل أنحاء العالم حاملة شعار الإنسانية بلباس ملائكي، وإن كان لبعضها أهداف مبطنة أشد وقعاً وتأثيراً من الحرب التي أتت على كل شيء، غير أنها كانت تحت الرصد والمتابعة من قبل الأجهزة المعنية بذلك في اليمن لينتهي الأمر بها إلى فضيحة الضلوع في الحرب بما تسهم به من دور في تفكيك الجبهة الداخلية وممارسة ما أطلق عليه لاحقا بـ “الحرب الناعمة”.

 

وعلى الجانب الآخر، ظل اليمنيون ينددون بالحرب، وظل العالم يتجاهل ما يجري لهم، وظل التحالف في ممارساته الإجرامية، وظل المقاتل اليمني صامداً في جبهات الدفاع عن الوطن يسطر ملاحم النصر من منطلق الحق الذي جاء لأجله في وجه الباطل المتمثل بالاعتداء على اليمن أرضاً وإنساناً.

 

نقلة قوة


واستطاع اليمنيون خلال سنوات الحرب صناعة أسلحة خفيفة متوسطة وثقيلة وذكية، وتطوير أسلحة أخرى، فظهرت الصواريخ الباليستية التي تحدث التحالف عن تدميرها والطائرات المسيرة ووصل الجيش واللجان إلى مشارف مدينة نجران على الحدود مع المملكة وتوغلوا في جيزان وعسير وأثبتت صحراء صرواح في مأرب والساحل الغربي في تعز والحديدة مدى التحول في القوة.

 

كما اتجهت اليمن نحو البناء والاكتفاء الذاتي الذي من شأنه أن يحد من الأزمات ويقلص نسبة الفقر والمجاعة إلى حد كبير، في الوقت الذي يطالب فيه أبناء المناطق التي يسيطر عليها التحالف برواتبهم أو يشكون من عمليات السطو على منازلهم وأراضيهم أو يتحدثون، على استحياء، عن احتلال جاء ليسيطر على منابع الثروات في اليمن.

 

التحالف الذي تمكن بطريقة أو بأخرى من احتلال المحافظات الجنوبية لليمن، بدت في الآونة الأخيرة نواياه في التكشف مع الصراع الذي يدور بين مليشياته من جان الإمارات وقواته من جانب السعدية في شبوة والمهرة وحضرموت، الأمر الذي زاد من تأزيم العلاقة السعودية الإماراتية على الصعيد الدبلوماسي والعسكري، وهو موقف يزيد حالة تفكك التحالف بعد خروج بعض الدول منه والضغوط الدولية المتكررة من قبل دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية بعد قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في تركيا، ومع المطالبات المتكررة لحظر تصدير الأسلحة إلى التحالف والذي بادرت ألمانيا إلى تفعيله مؤقتاً.

 

لم يخرج اليمنيون في ذكرى “يوم الصمود” كما يحبون تسميته، بتلك الأعداد المليونية والاحتشادات الهائلة ليخبروا العالم بأنهم يعانون من عدوان؛ فموقفهم اليوم أقرب إلى الحديث عن القوة منه عن الضعف، فأطلقوا مبادرة سلام مشروطة من منصة السبعين في العاصمة صنعاء على لسان عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي، وهو “السلام المشرف” وليس الاستسلام الذي هو “أبعد من تخيلات التحالف، وأبعد من المستحيل” كما يؤكد المحتشدون الذين رحبوا بعامهم الخامس متعهدين بالانتصار لوطنهم وقضيتهم “العادلة” وشعبهم “الصامد صمود جبال اليمن الشاهقة”.

 

صورة صمود


تعز ذكرى اليوم الوطني للصمود

وجدير بالذكر، أن هذا العدد المحتشد فاق أعوامه المنصرمة بأضعاف، وهو ما يؤكد وعي اليمنيين اليوم بعدالة قضيتهم وثباتهم على مبادئهم التي لم تتغير، فأربع سنوات من الحرب كانت كفيلة بظهور عشرات الأطراف الموالية للتحالف في المحافظات التي يسيطر عليها، ومنها السلفية والإخوان المسلمين وأنصار داعش وتنظيم القاعدة والمقاومة والمقاومة الجنوبية والنخبة الشبوانية والحضرمية والعدنية وعشرات الفصائل التي تتعدد انتماءاتها وولاءاتها وأهدافها التي تتحد فقط في مسألة خدمة التحالف وتختلف في ما سواه.

 

ومن الشواهد الفلسفية على صدق موقف من خرجوا في وجه التحالف وحربه هو “ثباتهم على الموقف نفسه والهدف عينه”، فمنذ أربع سنوات لم تتغير مطالبهم وشعاراتهم وأهدافهم، على العكس من الطرف الآخر الذي تجسدت في مدينة تعز خلال الأيام الأخيرة أبرز صوره، من خلال الصراع الدائر بين الإخوان من جهة والسلفيين من جهة أخرى وكلاهما جماعات تقف وتقاتل في صف التحالف منذ إعلان الحرب.

 

تعز أيضاً جسدت صورة غير تلك التي عنوانها الاقتتال من أجل مصالح التحالف، ففيها حشد المجلس السياسي الأعلى مئات الآلاف من المواطنين الذين عبروا عن صمودهم وتوحدهم من أجل وطنهم وقضيتهم، ليضعوا العالم أمام حتمية المقارنة بين الصورتين، وأخذ العبر.

 

أربعة أعوام من الحرب خسر التحالف خلالها القليل من المال والرجال والعتاد والأصوات الدولية المؤيدة والكثير من الكرامة، واكتسب اليمنيون فيها مهارات كثيرة في القتال وأساليب جديدة للتغلب على الصعاب ومنابر استطاعوا من خلالها أن يصلوا إلى كل أقطار العالم، وكتب لهم في عامهم الخامس “أنه لم يفت الأوان بعد لخلق ألف قصة بطولية، قصة عنوانها الصبر والثبات والصمود، حيث يكون لكل فرد فيه الحق في أن يفاخر بلحظة الانتصار”.

قد يعجبك ايضا