المصدر الأول لاخبار اليمن

رمضان في عهد بن سلمان.. الاعتكاف والصلاة بموافقة “أمنية”

تحقيق/ وكالة الصحافة اليمنية//

 

لم يسلم زوار بيت الله الحرام من إجراءات وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، وسياسته “المثيرة” تجاه العلماء والمشايخ؛ إذ أقدمت السلطات السعودية على إقرار قوانين أثارت شكوكاً كبيرة وعلامات استفهام.

 

ومن بين ما صدر من قرارات نشرتها وسائل إعلام سعودية رسمية، توثيق وجمع معلومات عن المعتكفين أو المصلّين في مساجد المملكة خلال شهر رمضان، وذلك من أجل الحرص على عدم وجود ما ينافي الاعتكاف، ومعرفة المعتكفين في المساجد وتحديد العمر من 18 عاماً فما فوق، بحسب ما أوردته صحيفة “سبق” السعودية.

 

وضمن سياسة تقليص دور المساجد في إرشاد المجتمع، والتأثير على هوية الشعب السعودي المحافظ، اشترطت سلطات المملكة على المعتكفين في المساجد من الجاليات المسلمة والعربية وكذلك السعوديين، خلال شهر رمضان، تقديم نسخ من بطاقاتهم الشخصية، وموافقة الكفيل (لغير السعوديين).

 

وتضمنت الشروط أيضاً تسجيل السلطات الأمنية أسماء الأفراد والشركات والمؤسسات المتبرعة بالسُّفر والإفطارات الرمضانية والقائمين عليها، كما حذرت من الافتراش أو الجلوس في الممرات داخل المسجد الحرام وخارجه.

 

هذه الإجراءات سبقتها أخرى “مثيرة” دفع ثمنها المصلون والمساجد الصغيرة للأحياء، حيث منعت السلطات استخدام مكبّرات الصوت فيها أثناء صلاة التراويح العام الماضي، وتذرّعت في ذلك بأنه حتى لا يحدث تشويش على الجوامع الرئيسية المجاورة، والحفاظ على خشوع المصلين، والاكتفاء بالسماعات الداخلية للمساجد.

 

كما اعتبر مراقبون أيضاً أن هذه الإجراءات تأتي ضمن سياسة تقليص دور المساجد في المجتمع السعودي مقابل فتح المزيد من الملاهي ودور السينما، ودعم الحفلات الغنائية، وإحياء الليالي الصاخبة والاختلاط بين الشباب والشابات، ومشاهير نجوم الفن العربي والغربي.

 

هيكلة المؤسسات الدينية


 

 

وسط حراك رسمي جارٍ لإعادة هيكلة المؤسّسات الدينية في السعودية وتحميل ما يُسمّى بتيار “الصحوة” مسؤولية “التطرّف في البلاد”، اتجهت الحملة هذه المرة نحو مساجد المملكة كجبهة جديدة لمحاربة “فلول تيار الصحوة”، كما هو دارج الآن بين المسؤولين السعوديين.

 

ويقود هذه الحملة عدة جهات حكومية؛ على رأسها جهاز أمن الدولة، الذي نظّم ندوة بعنوان “واقع الأمن الفكري في المملكة”، كان تحت مجهرها أئمّة المساجد والموالون لما يعرف بـ”تيار الصحوة” في جزيرة العرب، رغم عدم وجود نشاط حالي لهذا التيار الذي نشط قبل نحو 3 عقود.

 

ووفق ما نشرته وسائل إعلام سعودية، فقد اتّفق عموم المشاركين في الندوة على أن المساجد هي إحدى أهم أدوات تعزيز “الأمن الفكري”؛ لدورها في توجيه وصياغة الفكر والرأي العام المجتمعي.

 

ويبلغ إجمالي عدد المساجد والجوامع بجميع فئاتها الثلاث المصنّفة في السعودية (أ، ب، ج) 85 ألف مسجد، نصف العدد، أي 42.5 ألف مسجد وجامع، بناها محسنون على نفقتهم الخاصة، أما النصف الآخر فتولّت وزارة الشؤون الإسلامية تشييدها.

 

وُلدا معاً


 

ومع تولّي محمد بن سلمان ولاية العهد، في يونيو 2017، شنّت السلطات السعودية حملة قمعية ضد رموز التيار الديني، الذين يحظون بشعبية واسعة وقبول كبير في أوساط المجتمع السعودي والإسلامي؛ كسلمان العودة، وعوض القرني، وعلي العمري، وسفر الحوالي وغيرهم من الدعاة الذين كان لهم دور كبير في توعية وتحصين الشباب من التطرف الفكري والاهتمام بهم دينياً، وذلك ضمن سلسلة برامج منوعة تؤهلهم ليصبحوا مؤثرين في المجتمعات الإسلامية.

 

وبينما كان انتقاد التيار الديني خجولاً ومحصوراً في الشخصيات “الليبرالية”، وكانت الدولة حائط الصدّ المنيع في وجه منتقديه، بات اليوم منتقدوه مسؤولين بارزين، وهم من يوجهونالسياسة السعودية تجاه طمس عادات وتقاليد وقيم المجتمع السعودي المحافظ وبمباركة من المؤسسة الدينية في المملكة.

 

ولأن الدولة السعودية دولةٌ تغيب فيها بعض معالم الدولة المدنية الحديثة، فقد كان التحالف مع المؤسّسة الدينية هو الصيغة التاريخية الوحيدة لحفظ الاستقرار السياسي.

 

وكانت المؤسّسة الدينية بالمملكة تعتبر طرفاً في الحكم، لها قوّتها وهيبتها داخل الدولة السعودية، حيث إن أفراد الأسرة الحاكمة كثيراً ما ينأون عن مواجهتها وعن الدخول في صراعات معها.

 

ويواجه رموز الدعوة اليوم حركة مضادّة في السعودية يحمل لواءها الليبراليون، وتشهد الساحة الإعلامية والثقافية والاجتماعية في المملكة جدلاً ونقاشاً مستمرّين من أتباع التيارات الليبرالية المنادية بتقليل سلطة رجال الدين ونفوذهم الاجتماعي، في ظل دعم واضح من وليّ العهد محمد بن سلمان.

 

اللافت أنه تزامن مع تولّي بن سلمان ولاية العهد الإعلان عن إنشاء جهاز أمن الدولة في البلاد، ويرتبط بالملك مباشرة، ويُعنى بكل ما يتعلّق بأمن الدولة، ويتبع له كلّ من المديرية العامة للمباحث، وقوات الأمن الخاصة، وقوات الطوارئ الخاصة، وطيران الأمن، والإدارة العامة للشؤون الفنية، ومركز المعلومات الوطني، وكان أبرز نشاطاتها اعتقال سلمان العودة وسفر الحوالي وغيره من الدعاة والمفكّرين، في حملة اعتقالات بدات في سبتمبر 2017 ولا تزال مستمرة إلى يومنا هذا.

 

“بقايا التطرّف”


 

 

ومن يتابع المشهد السعودي اليوم يجد كيف تحاول الحكومة تقليص وجود المتديّنين في الحياة العامة، خاصة مع تعهّد بن سلمان بالقضاء على ما سمّاه “بقايا التطرّف”.

 

وسبق أن أعلن وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير، في هذا السياق، أن سلطات بلاده فصلت عدة آلاف من الأئمّة من العمل في المساجد بعد ثبوت نشرهم التطرّف.

 

وذكرت صحيفة “عكاظ” أن الجبير قال، في مقابلة مع قناة “روسيا 24” التلفزيونية، نشرت في أكتوبر عام 2017: “لن نسمح بنشر أيديولوجية الكراهية، ولا بتمويل ذلك النوع من الفكر”.

 

ولطالما كانت المساجد خلال حكم السلطات الماضية تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية السعودية، وهي التي تعمل على توجيه خطابها الذي يراه كثيرون اليوم متطرّفاً، لكن يبدو أن الخطوات تجري نحو وضعها تحت جناح جهاز أمن الدولة بهدف “ضبط خطابها”.

 

توفيق السديري، نائب وزير الشؤون الإسلامية السعودي، كشف في تصريحات صحفية أن الوزارة تنفّذ ملتقيات وبرامج تدريبية “لتعزيز الأمن الفكري ومحاربة الأفكار المتطرّفة، من بينها فكر جماعة الإخوان، بالتعاون مع كلية نايف الأمنية ووزارة الداخلية وجهاز أمن الدولة”.

 

وأوضح، في تصريحات نقلتها صحيفة “الحياة” السعودية (مارس 2018)، أن الوزارة استبعدت في وقت سابق أئمّة وخطباء ثبت تبنّيهم أفكاراً متطرّفة، مضيفاً أنه خلال عامي (2016 – 2017) انعدمت نسبة التجاوزات من الأئمّة والخطباء على منابر الجمعة والمجالس الدعوية، وهو ما يشير إلى حالة السيطرة الأمنية على الخطاب الديني.

 

وبيَّن أن “مساندة وحزم قيادة المملكة في القضاء على التنظيمات الإرهابية والأفكار المتطرّفة وما يوازيها، بما في ذلك تنظيم الإخوان المسلمين، زادا عزم الوزارة على اجتثاث الفكر المتطرّف، خصوصاً فكر هذه الجماعة المتغلغل داخل المؤسسات التعليمية والدعوية في المملكة، وذلك عن طريق استحداث برامج لإعادة تأهيل منسوبي الوزارة، ومراقبة المحتوى في منابر الجمعة والمناشط الدعوية”.

 

ومن خلال تصنيف التيارات المذكورة (صحوة، إخوان، بقايا تطرّف، المتجاوزين في المساجد) وإلصاق تهم الإرهاب بهم، يبدو واضحاً أن التعامل مع تلك الفئات بات بطريقة استخبارية وأمنية، متمثّلة بأمن الدولة، الذي تبرز أهم مهامه في مكافحة “الإرهاب”.

 

ولارتباط المجتمع السعودي بالأجهزة الشرعية في البلاد، تستعين المملكة برجال دين ومؤسسات دينية بارزة للترويج وشرعنة خطواتها الجديدة.

 

وكان لجهاز أمن الدولة نصيب من ذلك؛ من خلال الاستعانة بالرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، الشيخ عبد الرحمن السديس، الذي استغلّ مهرجان الجنادرية، في فبراير 2018، للإشادة بجهود رئاسة أمن الدولة والأدوار التي يحقّقها، مؤكّداً أنها “تحتضن قطاعات أمنية ذات أهمية بالغة ودور أساسي في عملية حفظ الأمن لهذه البلاد المباركة”.

 

ويبدو أن المساجد لن تكون آخر محطّة من محطات بن سلمان لتحجيم التيار الإسلامي في البلاد من خلال ذراع “أمن الدولة”، وهو ما يطرح تساؤلات عن انعكاس هذه الخطوة على حياة الشعب السعودي.

 

الخليج أون لاين

قد يعجبك ايضا