المصدر الأول لاخبار اليمن

البحرين تتحول من بوابة تاريخية لليهود إلى مرتع آمن للتطبيع مع إسرائيل

تقرير: وكالة الصحافة اليمنية//

فتحت حالة التقارب الملحوظة بين مملكة البحرين وسلطات الاحتلال الإسرائيلي الحديث عن الجالية اليهودية الموجودة بالمملكة، والتي تحول الحديث عنها مؤخراً إلى ما يشبه بوابة جديدة تسعى من خلالها المنامة لتمرير التطبيع.

ويعود الأمر إلى القرن التاسع عشر، عندما استوطنت عائلات تعود أصولها إلى العراق وإيران والهند وبلدان أخرى البحرين التي جاؤوها بحثاً عن فرص أفضل، ومنذ ذلك الوقت يعيش عدد من اليهود في البحرين.

ورغم التوتر الذي أحدثته القضية الفلسطينية وما استتبعه من هجرة عدد كبير منهم، فإن آخرين ظلوا يعيشون كمواطنين لهم دور في التجارة وفي الشأن العام. ويقول باحثون إن عائلة “خضوري” العراقية الأصل هي أقدم العائلات اليهودية التي استوطنت البحرين، وهي العائلة التي تنتمي لها النائبة وسيدة الأعمال البحرينية نانسي إيلي خضوري.

وحالياً تعيش في البحرين سبع عائلات يهودية، لكن بعض العائلات التي هاجرت أبقت على تجارتها قائمة في البلاد، بحسب ما ذكر الكاتب البحريني علاء الجلاوي في كتابه “دراسة لتاريخ اليهود في البحرين”.

ويلفت الجلاوي إلى عدم وجود إحصاء رسمي لتعداد الجالية اليهودية، كما لا يقدم أبناء الجالية رقماً محدداً، ويمكن حصر العدد بالعشرات.

وقد بني المعبد اليهودي في البحرين في ثلاثينيات القرن الماضي، وكانت تقام فيه الشعائر حتى عام 1948 عندما أغلقه يهود البحرين؛ بعد الاعتداء عليه وعلى ممتلكات اليهود من جرّاء احتلال فلسطين. وقد تم ترميمه خلال السنوات الأخيرة وبدأ باستقبال اليهود من الداخل والخارج، وأصبحت تقام فيه الاحتفالات الخاصة باليهود.

كنيس 1

محفّزات للبقاء

ونقلت تقارير صحفية عن عدد من أفراد الجالية اليهودية في البحرين أن ثمة أسباباً كثيرة تدفعهم إلى البقاء فيها؛ منها أن الحكومة لا تفرض الضرائب عليهم، وأنهم يتمتعون بالأمان ويحظون بتجارة ناجحة وآمنة.

كما أفادت تلك التقارير، نقلاً عن يهود البحرين، بأن “إسرائيل ليست مكاناً آمناً”، وأن الدول الأوروبية وأمريكا ترهقهم بالضرائب والقيود التجارية.

في حين نقلت قناة “العربية” السعودية” عن عضوة مجلس الشورى البحريني، نانسي خضوري، أن “رجال اليهود يعملون في التجارة؛ كتجارة الأقمشة، والصرافة وبيع سبائك الذهب، والسجاد، والأسطوانات والتبغ”.

وأضافت خضوري في وقت سابق: “في السابق عملوا (رجال اليهود) معلمين في مدارس البحرين وفي شركة البحرين للبترول (بابكو)، وشركة الاتصالات (بتلكو)، والبنك الشرقي (ستاندرد تشارترد)”.

أما النساء اليهوديات، تتابع خضوري، فقد امتهنّ التدريس، وعملت بعضهن ممرضات، وكانت من بينهن قابلة شهيرة تدعى (أم جان).

وعن مشاركتهم في الحياة السياسية في البحرين تقول خضوري: “شغلت ابنة خالتي (هدى نونو) منصب سفيرة البحرين في واشنطن فترة من الزمن، كما عيّنني الملك عضوة في مجلس الشورى منذ العام 2010”.

ملك البحرين

وتقدّم المدونات والوثائق التاريخية نظرة قريبة لعلاقة الدولة في البحرين بالجالية اليهودية، منها الوثائق البريطانية، كما يقول الجلاوي في كتابه، فـ”تفاوتت علاقة هذه الجالية بالنظام في البحرين؛ بين استخدامها في الوظائف والتجارة، وإعطائها مكانة في عضوية المجلس البلدي خلال بدايات القرن الماضي، إلى إبرازها في عهد ما أطلق عليه إصلاحات العهد الجديد، حيث تم إدخال عضوين من اليهود في المشهد الحكومي”.

وقد سبق مرحلة تعيين سفيرة بحرينية يهودية في واشنطن تعيين سفيرة مسيحية في بريطانيا، إذ تقدم الدولة مشروعها من خلال توظيف عنصر الدين كواحد من أكثر العناصر الإعلامية الفاعلة في المجتمعات الغربية، في حين عملت على تغييب شريحة الشيعة؛ بسبب مواقفها المعارضة، بحسب الجلاوي.

ولا يبدو الاهتمام الحالي بيهود البحرين محض صدفة أو بحثاً عن حقوق لجالية تعيش في بلد ما بقدر ما هو محاولة واضحة لاتخاذ هذه الجالية كجسر تعبر فوقه العلاقات مع سلطات الاحتلال إلى مزيد من التقارب، خاصة أن العلاقات البحرينية الإسرائيلية ليست جديدة وإنما هي قديمة قدم أزمة فلسطين.

فمع قيام “إسرائيل” كانت البحرين أحد الخطوط لتزويد “تل أبيب” بالحديد المستعمل لتصنيع الأسلحة، وذلك عن طريق الطيران (خط كلومبو-بحرين-إسرائيل)، كما تم تسويق البضائع المصنعة بإسرائيل في دول الخليج عبر البحرين، لدرجة إعلان بنك “لاندوشين” في السعودية منع فتح اعتمادات لتوريد بضائع إسرائيل عن طريق مؤسسات وشركات في البحرين.

وخلال فترة عمل هدى نونو سفيرة للمنامة في واشنطن (2008-2013)، عملت على جمع مسؤولين إسرائيليين مع ولي عهد البحرين، سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة، ووزير خارجيتها، خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، كما تواصلت عبر سفارة البحرين في الولايات المتحدة لربط صلات باللوبي اليهودي، وفق ما أورده الجلاوي.

وثائق

خدمة للتطبيع

ويقول الكاتب البحريني إن الجالية اليهودية في المنامة لم تعمل على استغلال علاقاتها بدوائر الحكم لخدمة التطبيع بقدر ما حاولت السلطات ذلك، مستشهداً بمقال ولي عهد البحرين الذي كتبه في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، عام 2009، وقال فيه: “نحن العرب لم نفعل ما فيه الكفاية للتواصل مباشرة مع الشعب الإسرائيلي”.

وسبق أن كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية عن علاقات سرية على مستوى عالٍ بين “إسرائيل” والبحرين في السنوات الأخيرة، وقالت إن مسؤولين من الدولتين التقوا مرات عدة في أوروبا، وعلى هامش الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة.

وبدأ الدفء يعود للعلاقات بين المنامة وتل أبيب منذ العام 1994، عندما زار وفد دبلوماسي إسرائيلي برئاسة وزير البيئة آنذاك، يوسي ساريد، المنامة؛ للمشاركة في مؤتمر حول قضايا البيئة، ثم تواصلت اللقاءات بعد ذلك وإن بشكل غير معلن، قبل أن يصبح العمل على تعزيز التطبيع بين الجانبين يتم في وضح النهار وأمام عدسات الكاميرات، كما أن الزيارات المتبادلة لوفود من الجانبين لم تعد تتم سراً.

وبعيد زيارة ساريد ساد جمودٌ في العلاقة بين الجانبين، وذلك حتى 29 يناير 2000؛ عندما التقى ولي عهد البحرين، سلمان بن حمد آل خليفة، في دافوس الرئيس الإسرائيلي الأسبق، شمعون بيريز، وبحث معه كيفية تعزيز التعاون بين الطرفين، خاصة في مجال التربية والتعليم.

وكشفت تقارير مختلفة حينها أن ولي عهد البحرين أكد خلال اللقاء أن بلاده تقف بقوة خلف تطبيع العلاقات مع إسرائيل من أجل تعزيز التعاون الإقليمي، مشيرة إلى أن هذا الاجتماع جزء من اجتماعات مختلفة عقدت بين الجانبين.

وفي أكتوبر 2007، التقى وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، تسيبي ليفني، حيث بحث معها سبل تطوير العلاقات بين الجانبين.

وقبل عدوان “الرصاص المصبوب” الإسرائيلي ضد قطاع غزة بعشرة أيام، وتحديداً في 18 ديسمبر 2008، كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية أن الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريز، ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني، التقيا ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة سراً في نيويورك.

وقالت الصحيفة إن اللقاء جاء على هامش “مؤتمر حوار الأديان” الذي عقد في الأمم المتحدة، بدعوة من الملك السعودي آنذاك، عبد الله بن عبد العزيز آل سعود. وبيّنت الصحيفة أن هذا اللقاء كان الأول بهذا المستوى الرفيع بين مسؤولين إسرائيليين وبحرينيين.

وأكدت الصحيفة آنذاك أن إسرائيل والبحرين “تجريان في السنوات الأخيرة اتصالات سرية”، لكنها أشارت إلى أن هذه العلاقات “لم تتطور إلى حد إقامة علاقات دبلوماسية أو فتح ممثليات دبلوماسية”. وقالت الصحيفة إن وزير خارجية البحرين دعا خلال اللقاء إلى إنشاء منظمة إقليمية تضم إسرائيل.

وكشفت الصحيفة أيضاً أن المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، رون بروساور، زار البحرين قبل 3 سنوات بصفته مبعوثاً خاصاً من ليفني لإجراء حوار سياسي حساس مع المنامة.

وفي فبراير 2014، كشف تقرير صادر عن جيش الاحتلال الإسرائيلي وجود تعاون استخباري وثيق بين “الموساد الإسرائيلي” والسلطات البحرينية، وأكد أن المنامة “زوّدت إسرائيل بمعلومات استخبارية عن إيران وفصائل المقاومة الفلسطينية”.

وتعززت العلاقات بين الجانبين في المجال الفني؛ ففي أبريل 2014، شاركت مجموعة من الفنانين البحرينيين في معرض فني إسرائيلي أقيم في المركز اليهودي العربي بالكيان الصهيوني. وفي 27 ديسمبر 2016 صدمت قنوات ومواقع إخبارية إسرائيلية العرب والمسلمين؛ عندما بثّت مقطعاً مصوراً يظهر فيه بحرينيون وهم يرقصون إلى جانب حاخامات صهاينة من حركة “أغاد”، على إيقاع أغنية تمسّ بشكل مباشر بالمسجد الأقصى وعروبة القدس المحتلة وإسلاميتها.

وفي فبراير 2018، قال وزير الاتصالات في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، أيوب قرا، إنه التقى أميراً بحرينياً يدعى مبارك آل خليفة، في مدينة “تل أبيب” مؤخراً، وذلك للمرة الأولى وبشكل عام .

وأوضح قرا، في تغريدة على موقع التواصل “تويتر” نشرها في حينه، أنه سيلتقي الأمير البحريني مرة أخرى داخل الكنيست الإسرائيلي، في حين لم تؤكد أو تنفِ مصادر بحرينية تلك الأنباء ولا صحة الصورة.

لكن العلاقات بلغت ذروتها بعد أن استضافت البحرين ورشة اقتصادية تطبيعية، يومي 25 و26 يونيو 2019، تمهيداً للشق السياسي من “صفقة القرن” الأمريكية، بمشاركة عربية ضعيفة ومقاطعة غالبية الدول.

وكان اللافت في هذه الورشة التطبيع الصريح من البحرين، والذي شكَّل صدمة مدوية في الأوساط السياسية، وكان منبع قوة لموقف “إسرائيل”، التي تسعى جاهدة بمساعدات عربية وغربية لسرقة حقوق الفلسطينيين، حيث فضحت المنامة تودُّدها إلى تل أبيب.

وهدف المؤتمر الاقتصادي إلى ضخ استثمارات على شكل منح وقروض في فلسطين والأردن ومصر ولبنان، بقيمة 50 مليار دولار.

وتقوم “الصفقة” على إجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لـ”إسرائيل”، في ملفات القدس واللاجئين وحدود عام 1967، مقابل تعويضات واستثمارات.

وكشفت وزيرة خارجية دولة الاحتلال الإسرائيلي السابقة، تسيبي ليفني، عن لقاء جمعها بوزير خارجية البحرين، خالد بن أحمد آل خليفة، قبل انعقاد مؤتمر المنامة الاقتصادي.

ونشرت ليفني صورة لها برفقة آل خليفة عبر حسابها في موقع “تويتر”، وكتبت فوقها: “في لقاء مسائي مع وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد آل خليفة، شاركت في تقديره لحديثه المباشر إلى الجمهور الإسرائيلي وأهمية مواقفه المتوازنة”.

View image on Twitter

وأرفقت ليفني، المتهمة بارتكاب جرائم حرب ضد قطاع غزة خلال الحرب الأولى في 2008، والتي أعلنت عنها بعد عودتها من مصر، صوراً لها وهي تتجول في شوارع العاصمة البحرينية، وتتحدث مع سكانها، في نقلة جديدة وغير مسبوقة للعلاقات.

View image on Twitter

وفي أكثر تصريحات لقيت استنكاراً عربياً قال وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد آل خليفة، إنّ “إسرائيل وُجدت لتبقى”، وإن لها الحق في أن تعيش داخل حدود آمنة، مؤكداً أن المنامة وعواصم عربية أخرى تريد التطبيع معها.

وأضاف آل خليفة في حوار مع صحيفة “تايم أوف إسرائيل” على هامش “ورشة البحرين للسلام من أجل الازدهار”: إن “مبادرة السلام العربية لم تُعرض على جزيرة أو دولة بعيدة، وإنما على إسرائيل”، وإن بلاده تريد علاقات أفضل معها.

وشدد الوزير البحريني على حق “إسرائيل” في الوجود كدولة وبحدود آمنة، وقال: إن “هذا الحق هو ما جعل دولاً عربية تعرض عليها مبادرة سلام”.

وأشار إلى أنه على دولة الاحتلال الإسرائيلي “التواصل مع القادة العرب”، داعياً الإسرائيليين إلى التوجه إليهم بخصوص أي مشاكل تحتاج حلاً.

(الخليج أون لاين)

قد يعجبك ايضا