المصدر الأول لاخبار اليمن

“الماضي النووي” بصحراء الجزائر.. دعوات فرنسية لكشف المستور

عربي (وكالة الصحافة اليمنية)

عاد ملف التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية ليطغى على ملف الذاكرة بين البلدين، بعد دعوة مدير “مرصد التسلح” بفرنسا لضرورة كشف مكان دفن النفايات النووية، التي خلفتها هذه التجارب خلال ستينات القرن الماضي في الصحراء الجزائرية.

وليست هذه الدعوة الأولى من نوعها، فقد سبقتها مطالب 570 منظمة دولية لإنهاء مخلفات هذه القضية “المستمرة” إلى اليوم، والتي سببت كوارث بيئية وتبعات صحية خطيرة على الإنسان.

وحسب باحثين في الفيزياء النووية فإنه توجد صلة بين حالات الإجهاض والتشوهات والسرطانات وغيرها من الأمراض النادرة، التي لوحظت في المنطقة والتجارب النووية التي قامت بها السلطات الإستعمارية الفرنسية في صحراء الجزائر.

وتعود التجارب النووية الفرنسية في الجزائر إلى الفترة الممتدة بين عامي 1960 و 1966 أجرت خلالها 57 تجربة، فيما تشير دراسات فرنسية أخرى إلى نحو 210 تجارب نووية فاق عدد ضحاياها 42 ألف جزائري.

وجرت أول تجربة نووية فرنسية بالجنوب الجزائري في 13 فبراير سنة 1960 بمنطقة “رقان” والذي سمي بـ”اليربوع الأزرق” وبلغت قوة التفجير النووي “4 أضعاف قنبلة هيروشيما” التي أطلقتها الولايات المتحدة على اليابان سنة 1945، لتدخل معها فرنسا “نادي الدول النووية”.

وتقول روايات تاريخية، إن الاستعمار الفرنسي وقتئذ قام بتثيبت 150 سجيناً جزائرياً في أوتاد خشبية كفئران تجارب، لتحليل تأثير الإشعاعات النووية على أجسادهم.

ويقول عارفون بالملف أن فرنسا لم تكتف بترك نفاياتها فحسب، بل أضفت طابع “الأسرار العسكرية” على كافة الوثائق التي قد تكون لها صلة بهذه البرامج. وبالتالي فإن كمية النفايات تظل “مجهولة”، لاسيما الناتجة عن الحوادث النووية.

وتأتي تصريحات مدير مرصد التسلح بفرنسا، باتريس بوفري، لتكشف أن كمية مجهولة من النفايات النووية الفرنسية بالجزائر “ما تزال موجودة، بعد أزيد من نصف قرن”، مبرزا ضرورة القيام “بتحاليل دقيقة” لقياس نسبة النشاط الإشعاعي الذي يظل قائما إلى حد الآن بمواقع التجارب.حسب الباحث في الحركة الوطنية وعضو المجلس الدستوري سابقا، عامر رخلية، فإن تصريح مدير “مرصد التسلح” في فرنسا “إيجابي”، داعيا في حديث مع “سكاي نيوز عربية” السلطات الجزائية لدعم هذا الموقف والبناء عليه من أجل طرح ملف التفجيرات النووية الفرنسية على الطاولة مجددا”.

ووصف عامر رخيلة، ما اقترفته السلطات الإستعمارية بـ”الجريمة المستمرة”، مشددا على أن ضحايا هذه التفجيرات لا بد لهم من “رعاية خاصة”، وبالتالي فإن التعويض الفرنسي” لابد أن يطرح من جديد”.

وأوضح رخيلة أنه لا توجد أرقام حقيقية حول ضحايا هذه الحوادث، في حين يرى متابعون للملف أن استعادة أرشيف الفترة الاستعمارية “ضروري” لأنه يشكل “أداة قانونية تسمح بتحديد العدد الحقيقي لضحايا لتلك التفجيرات”.

في أغسطس الماضي، رأت الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية، أنه يتعين على باريس أن تسهل بشكل عاجل تنظيف المواقع التي أجرت فيها تجاربها النووية في الجزائر، والتي ما تزال تحتفظ بأنواع مختلفة من النفايات السامة.

وذكرت المنظمة في تقرير مكتوب من 60 صفحة حول هذا الموضوع “على فرنسا أن تقدم للسلطات الجزائرية قائمة كاملة بالمواقع التي دفنت فيها نفايات ملوثة”.

وأضافت “خلافا لما حدث في بولينيزيا حيث أجرت فرنسا 193 تجربة نووية، من اللافت أن نلاحظ إلى أي درجة لم تثر العواقب البيئية والصحية للتجارب النووية في الجزائر اهتمامًا كبيرا لعقود وما زالت اليوم موضوع معقدا في معالجته”.

ويرى المنتقدون أن مكمن المفارقة هو أن باريس التي لم تقم بخطوات معتبرة في سبيل إبداء حسن نيتها بالنسبة للتعويض أو حتى تزويد السلطات الجزائرية بقائمة تضم مناطق دفن النفايات النووية قصد إيجاد المواد الإشعاعية، قامت في المقابل بتنظيف وإصلاح ما أفسدته تجاربها النووية في بولينيزيا الفرنسية الواقعة في المحيط الهادئ.

وفي هذا السياق، يعتقد المؤرخ رابح لونيسي في تصريح لـ”سكاي نيوز عربية” أن الأمر يعود لسبيين؛ وهما “تخوفها من كشف أسرار كبيرة جدا تدينها في هذا الملف، ويمكن أن يكون له انعكاسات وخيمة عليها، “فلا يجب أن ننسى أنها كانت تقوم بتجارب على جزائريين”.

والسبب الثاني كي تبقيه ورقة ضغط وتفاوض في إطار ملف الذاكرة مع الجزائر”، مضيفا في الوقت ذاته “نحن نلاحظ تنازلات فرنسية تتم بالتقتير في ملف الذاكرة، وهذا يعد أحد أساليب المفاوضات المعروف بدبلوماسية الربط فكل تنازل في ملف الذاكرة يجب أن يقابله تنازل أو ثمن من الطرف الآخر المتفاوض معه في مجال آخر كالمجال الإقتصادي مثلا”.

ومن المعروف أن ملف التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية مازال “عالقا” بين الجزائر وفرنسا، بحسب تصريح في فبراير الماضي، لوزير المجاهدين، الطيب زيتوني، مع أن ملف الذاكرة  يعرف نوعا من “التقدم” في الفترة الأخيرة، خاصة بعد استرجاع الجزائر لرفات قادة المقاومة الشعبية الذين كانوا محجوزين في متحف الإنسان في باريس.

وفي هذا السياق، يرى البروفسور في التاريخ من جامعة وهران، رابح لونيسي، أن “مسألة التجارب النووية  ملف من ضمن ملف شامل حول الذاكرة”، مبرزا أن هذه الدعوة التي أطلقها مدير “مرصد التسلح” في فرنسا “لا تحمل أي حسابات سياسية مثلا مع ماكرون لأنها قامت بأعمال مشابهة مع كل رؤساء فرنسا تقريبا منذ تأسيسها، بل تدخل في إطار مهام هذا المرصد منذ أكثر من ثلاثة عقود، وهي الدعوة للمراقبة الديمقراطية للسياسة العسكرية الفرنسية وتسلحها وضرورة الكشف عنها، وأن لا تبقى في إطار السرية.

وشدد على أن هذه الخطوة تدخل في إطار دعم السلام، ومادامت هذه النفايات النووية أبقتها فرنسا سرية، ورفضت الكشف عنها، فهي ترى أنه يجب أن تقوم السلطات الفرنسية بذلك، وهذا طبعا وهو الأهم في هذه الدعوة هي معالجة ما سببته وتسببه هذه النفايات من تأثيرات على الإنسان والبيئة في الصحراء الجزائرية”.

قد يعجبك ايضا