المصدر الأول لاخبار اليمن

بالوثائق والصور: تقرير يرصد العبث والتدمير المتعمد في جزيرة سقطرى..وكيف تسترت حكومة هادي على ذلك؟

متابعات/ وكالة الصحافة اليمنية//

نشر موقع “حلم أخضر” اليمني المتخصص بمتابعة ونشر أخبار البيئة، تقريراً عن الكثير من أعمال العبث التي تهدد بيئة التنوع الحيوي للأرخبيل سقطرى؛ جراء عمليات الانشاءات المتسارعة -غير الخاضعة للرقابة، والتي جرى تنفيذها -وما يزال- في مواقع تعد حساسة بيئياً في الجزيرة.

وتطرق التقرير الى تعرض سقطرى لمجموعة من الجرائم البيئية، ما بين الصيد الجائر، وعمليات الاتجار غير المشروع بالأنواع المتوطنة، وزيادة النفايات، والعبث بالنسيج الطبيعي والثقافي، مما يشكل تهديد للنظام البيئي للأرخبيل ، مستنداً على عدد من الوثائق الرسمية والتقارير الدولية، التي تكشف أجزاء من الحقائق والأحداث المتسلسلة لما حدث ويحدث في سقطرى.

كما يشير التقرير الى تستر حكومة هادي عن ما يحدث في الجزيرة، بل أنها أنكرت وجود بعضها طوال هذا الوقت، بالرغم من تحذير لجنة التراث العالمي بمنظمة اليونسكو عن خطورة الأنشطة التي تتعرض لها الأرخبيل، وأعمال العبث التي لحقت بالجزيرة خلال 4 سنوات.

ما الذي حدث في سقطرى؟

في العام 2008، أدرجت لجنة التراث العالمي بمنظمة اليونسكو، جزيرة “سقطرى” والتي تتكون من 4 جزر، كأحد مواقع التراث الطبيعي العالمي، بسبب تنوعها الأحيائي ذي القيمة العالمية الاستثنائية، وسلامة موائلها الطبيعية، كما تعد سقطرى، محمية من محميات المحيط الحيوي والإنساني التابعة لليونسكو منذ العام 2003. ومنذ ذلك الحين، أصبحت حماية وإدارة أرخبيل سقطرى، تقع ضمن مسئولية الهيئة العامة لحماية البيئة.

مع اندلاع العدوان على اليمن عام 2015، ظلت جزيرة سقطرى البالغة مساحتها 3,625 كم2، بعيدة عن القتال، بسبب عزلتها النسبية، وبُعدها الجغرافي. إذ تقع على بعُد 220 ميلاً من البر الرئيسي لليمن. لكنها ولأسباب غير مبررة، خرجت عن قبضة السلطات اليمنية، وأصبحت منذ 4 سنوات تحت سيطرة فعلية لقوات تابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة.

المحبط في الأمر، أن كل أعمال العبث التي تمت في جزيرة سقطرى، لم تكن تتم بمعزل عن حكومة هادي ، أو من دون علمها،و تؤكد عدد من الوثائق الرسمية في هذا التقرير أن أعمال الانشاءات التابعة لقوات التحالف المتواجدة في سقطرى، تمت بموافقة مباشرة من قبل حكومة هادي. ولم تصدر عنها مواقف أو مطالبات بوقف تلك الأعمال.

أول تحذير من لجنة التراث العالمي

شهدت سقطرى خلال السنوات (2015-2020) وجود تلازم بين أزمة طبيعية وأزمة إنسانية في آن، فلم يسبق أن تعرضت الجزيرة لكوارث طبيعية تمثلت في 3 اعاصير وعواصف مدارية قوية، في ظل تنامي اضطرابات وعمليات عسكرية على هذا النحو.

في العام 2016، بدأت أطماع الامارات ترتفع نحو الاستيلاء على جزيرة سقطرى، والتي باشرت الدخول للجزيرة من بوابة الأعمال غير الحكومية ومشاريع الإغاثة الإنسانية. وتباعاً لذلك، بدأت الانشاءات غير الخاضعة للرقابة.

استدعى الامر قيام لجنة التراث العالمي”WHC” بمنظمة اليونسكو، بمخاطبة الجهات المسؤولة عن جزيرة سقطرى في حكومة هادي، وحذرت من خطورة التهديدات التي تتعرض لها الارخبيل.

واقترحت لجنة التراث في مذكرتها المرسلة الى الهيئة العامة لحماية البيئة في العام 2016، إرسال بعثة خبراء إلى جزيرة سقطرى، لتقييم التهديدات التي يتعرض لها الموقع، ومن أجل اتخاذ خطوات لدعم الطرف اليمني من أجل تحديد أولويات أنشطة إعادة التأهيل والإدارة المستدامة.

وبحسب الاتحاد الدولي لصون الطبيعة، فإن اللوجستيات الأمنية في سقطرى حالت دون تنفيذ هذه المهمة لإرسال بعثة لتقييم الوضع في سقطرى، وظلت المخاوف تتسع بشأن التهديدات التي تتعرض لها الجزيرة.

جرافة تابعة لشركة اماراتية في جبل حواري بسقطرى/ الصورة من: FOS

جرافة تابعة لشركة اماراتية في موقع جبل حواري سقطرى 2017/الصورة من: FOS

بيان جمعية اصدقاء سقطرى يدين تدمير حصن جبل حواري بسقطرى 2017

تدمير قلعة حواري في سقطرى

في الثاني من ابريل 2017، أقدمت احدى شركات الاستثمار الإماراتية بالشروع في تنفيذ انشاءات عقارية، في الموقع الأثري للحصن التاريخي في جبل “حواري” في جزيرة سقطرى، والذي يمتد عمره إلى أكثر من 500 عام.

وتناقلت الأخبار، تعرض الموقع الاثري لعدد من الأضرار، جراء قيام الجرافات وأعمال البناء بتسوية أرض الموقع، مما تسبب في تجريف للتربة، وتدمير بعض الانواع من النباتات المتوطنة في الموقع. مما يؤثر على البيئة الطبيعية النادرة في الجزيرة.

في الخامس من ابريل 2017، أصدرت جمعية أصدقاء سقطرى FOS، وهي جمعية مسجلة في بريطانيا، تضم مجموعة من العلماء الأجانب المهتمين بصون طبيعة سقطرى. أصدرت بياناً رسمياً عن مكتبها في بلجيكا، طالبت فيه “بالوقف الفوري على وجه السرعة، للتدمير المتعمد الذي طال موقع التراث الثقافي في الساحل الشمالي لسقطرى وهو الحصن التاريخي لجبل حواري.

وعبّرت جمعية FOS في بيانها المذيل بتوقيع الدكتور كي. فان دام، والدكتور ج. رينسبرج، عن ادانتها الشديدة لهذا التدمير، وقالت: “إن التدمير المتعمد لقلعة جبل حواري في سقطرى، جراء اعمال الانشاءات التي حدثت على ارض الموقع الذي يعد موطناً لعدد كبير من الحيوانات والنباتات المتوطنة في الجزيرة ومنها الأنواع الهامة المدرجة في القائمة الحمراء من قبل الاتحاد الدولي لصون الطبيعة، وفقدان هذا التراث هو ضياع للأبد!”.

وثيقة 1-2 |تقرير الهيئة العامة لحماية البيئة الى لجنة التراث العالمي عن سقطرى لسنة 2018

هيئة البيئة تنفي وجود عبث اماراتي بسقطرى

في مطلع العام 2018، ومع تزايد الانشاءات الإماراتية داخل الجزيرة، استفسرت لجنة التراث العالمي WHC باليونسكو، عن حالة سقطرى وحقيقة الأعمال التي تضر بالتنوع البيولوجي للجزيرة، جراء عمليات البناء غير القانونية.

وبعثت لجنة التراث العالمي بمذكرة رسمية تتضمن عدد من الاستفسارات، حول ما يحدث في سقطرى، الى الجهات المختصة في حكومة هادي ، وهي رئاسة الهيئة العامة لحماية البيئة التابعة لحكومة هادي.

وفي ذلك الخطاب، طلبت لجنة التراث العالمي من رئيس الهيئة العامة لحماية البيئة في حكومة هادي، تقديم إجابات مفصلة رسمية، تتضمن المعلومات حول مشاريع التنمية في سقطرى والعمليات العسكرية بالجزيرة، وذلك من أجل مراجعة وتقييم حالة سقطرى من قبل اللجنة المشتركة من اليونسكو والاتحاد الدولي لصون الطبيعة IUCN.

وفي الـ 23 من يناير 2018، ردت الهيئة العامة لحماية البيئة بوثيقة رسمية بالإجابة على استفسارات لجنة التراث العالمي. واحتوى الرد الحكومي من قبل رئاسة هيئة البيئة، على نفي صلة دولة الامارات، بالعبث الذي تتعرض له سقطرى.

وقالت رئاسة هيئة حماية البيئة، في وثيقتها الموقعة بإمضاء الدكتور عبد القادر الخراز، رئيس هيئة حماية البيئة (آنذاك):لا توجد عملية عسكرية في جزيرة سقطرى، لقد طور التحالف العربي قدرات بعض المؤسسات في سقطرى بما في ذلك الشرطة والجيش، ولقد استخدموا المئات من سكان سقطرى داخل هذه المؤسسات، هذا مفيد للتنمية المحلية وكذلك للبيئة حيث أنه يقلل من الضغوط على البيئة البحرية والبرية.

وأضاف الرئيس السابق لهيئة البيئة عبد القادر الخراز، الذي عمل للفترة 2017-2019، في مذكرته لليونسكو: ليس هناك شك في أن عدد الصيادين في سقطرى قد انخفض، ويتجه الناس الان نحو العمل في القطاعين العام والخاص، وكل ذلك بفضل الدعم الإماراتي لسقطرى.

 

وثيقة 3-4 بقية تقرير رئاسة هيئة البيئة المقدم الى لجنة التراث العالمي عن سقطرى لسنة 2018

لجنة التراث: يجب وقف الأنشطة وإيفاد بعثة

بعد 6 أشهر من ذلك الرد والتبرير الذي ساقته هيئة البيئة، حثت لجنة التراث العالمي WHC باليونسكو، حكومة اليمن، على وقف الأنشطة المدمرة في أرخبيل سقطرى. كما نصح الاتحاد الدولي IUCN، الطرف اليمني على وقف أي نشاط قد يؤثر سلباً على الحياة البرية والطبيعة الفريدة في موقع التراث العالمي أرخبيل سقطرى.

وفي بيانها المنشور على موقع IUCN  في الثاني من يوليو 2018، طالبت لجنة التراث باليونسكو، والاتحاد الدولي للطبيعة، الطرف اليمني بالموافقة على تيسير إيفاد بعثة خبراء مشتركة للاتحاد الدولي لصون الطبيعة واليونيسكو إلى سقطرى، لتقييم الآثار الناجمة عن التطورات غير الحكومية، والتصدير غير المستدام للثروة السمكية، وإدخال الانواع غير الأصيلة إلى داخل الجزيرة .

رئاسة البيئة: لا يمكن دعوة خبراء

كانت مذكرة هيئة حماية البيئة اليمنية، قد استبقت الامر، ولم تؤيد فكرة وصول بعثة دولية من الخبراء، لتقييم الوضع في سقطرى، وطبقاً لمذكرتها المقدمة لليونسكو، رقم (03/2018) قالت رئاسة هيئة البيئة: في الوقت الحالي، فإن الظروف الراهنة لن تسمح لنا بدعوة خبراء دوليين لإجراء أي تقييم مطلوب، ولا يمكن للحكومة والسلطة المحلية رفض التنمية المتبرع بها، والتي تؤدي إلى تنمية المجتمع وتحسين سبل العيش خاصة خلال هذه الفترة الحرجة.

وأكدت رئاسة هيئة البيئة في مذكرتها التبريرية: في أسوأ الحالات قد تحدث تأثيرات محدودة للغاية على القيمة العالمية الاستثنائية لسقطرى، وسيتم قياس ذلك من قبل خبرائنا المحليين حيث أن هذا هو الخيار الوحيد المتاح لنا في الوقت الحالي.

يتفق كثير من خبراء البيئة المحليين، أنه كان من المهم وصول بعثة دولية من خبراء البيئة الى الجزيرة لتقييم حالة الموارد الطبيعية في ذلك التوقيت، لما من شأنه ان يكون أمر مفيد جداً لمعرفة الحالة الراهنة لسقطرى، فالتعتيم ما يزال قائماً على الكثير من الحقائق في الأرخبيل.

وبحسب تأكيد“IUCN”:  إذا وجدت هذه البعثة أن الموقع معرض لخطر فقدان قيمته الطبيعية الاستثنائية، بما فيها النباتات والحيوانات التي لا توجد في أي مكان آخر على هذا الكوكب (وتوجد فقط في سقطرى)، فيمكن حينها اعلان وادراج موقع سقطرى في قائمة التراث العالمي المعرض للخطر .

 

عمال يقومون بالبناء في مشروع تابع لشركة إنشاءات اماراتية في سقطرى/الصورة: FOS

شركة استثمارية ومنتجع اماراتي

في مطلع العام 2016، توالت الأخبار القادمة من جزيرة سقطرى، والتي كانت تتحدث عن شروع دولة الإمارات، ببناء منتجع سياحي ترفيهي على طراز منتجعات دبي في أحد سواحل الارخبيل التي تمتاز ببيئتها المعتدلة، وتعالت التكهنات بان هذا المنتجع الاماراتي تم وفق صفقة عقدت مع الحكومة اليمنية.

وفي 10 مارس/آذار 2016، قال وزير السياحة في حكومة هادي ،معمر الارياني، مؤكداً الأمر: أن وزارة السياحة اليمنية وبأوامر من هادي، ستقوم بتأسيس شركة لإدارة الاستثمارات السياحية في سقطرى، بالشراكة بين مستثمرين يمنيين وخليجيين وأوروبيين.

وفي تقرير نشره موقع”Verdict” البريطاني، قال عبد الجميل محمد، وكيل محافظة سقطرى لشؤون البيئة والتنمية في العام 2018: الاماراتيين بدأوا بالفعل في شراء الأراضي على شواطئ سقطرى وفي الجبال. [اشتروا] عشرة أميال في واحدة من أكثر الأماكن جاذبية في سقطرى، حيث لا ينبغي فيها عمل البنية التحتية الحديثة.

لسان بحري في حولاف يسقطرى الذي تم انشائه/ الصورة: سقطرى

هيئة البيئة تتستر على العبث

في 12 فبراير/شباط 2019، قدمت رئاسة هيئة البيئة تقريرها للعام 2019، إلى لجنة التراث العالمي، عن سقطرى،و كان ذلك التقرير رداً على الاستفسارات التي بعثتها لجنة التراث العالمي، والتي تستفسر فيها عن عمليات إنشاء عشوائية وغير قانونية في مناطق في الارخبيل، من بينها شاطئ ديليشا، وبحيرة سيرهن في سقطرى.

وفي ردها على الاستفسارات، قالت هيئة البيئة: نؤكد أن حماية بيئة سقطرى هي أولوية، ولقد قدمت لجنة خاصة من مؤسسات الحكومة المحلية توصيات لوقف الأنشطة على وجه السرعة بالقرب من بحيرة سيرهن، وأوصت بتنفيذ تدابير إنفاذ القانون والمقاضاة القانونية، وحظر البناء خارج مناطق التنمية وتنفيذ تقييمات الأثر البيئي للبناء”.

تلك التوصيات التي ذكرها تقرير هيئة البيئة، لم يتم تنفيذها، ولم يجري اتخاذ أية إجراءات على الأرض، وبحسب مصدر محلي في سقطرى فأن تلك الانشاءات الإماراتية في شاطئ ديلشيا وبحيرة سيرهن، لم يتم ازالتها.

وأورد تقرير هيئة البيئة لسنة 2019، المقدم لمركز التراث العالمي القول: تكرر الدولة التأكيد أن صيد الأسماك لا يزال موسميًا وتقليديًا، وأن أنشطة الصيد قد انخفضت بسبب العمالة في القطاع العام، مما أدى إلى انخفاض الضغط على البيئة البحرية، ولم يؤدي مصنع الأسماك الذي أعيد فتحه إلى زيادة صيد الأسماك، ولكنه يواصل تعزيز سبل العيش المحلية. وقد أوقفت السلطات المحلية الحصاد غير القانوني لخيار البحر من قبل المستثمرين غير السقطريين .

منشأة حديثة في دكسم قرب شجر دم الأخوين/الصورة: وكالة أوام

كان ذلك الوصف الذي أوردته هيئة حماية البيئة، وأشارت إليه بـ “المستثمرين غير السقطريين” هو ما يقصد بهم المستثمرين الاماراتيين في سقطرى.

اللافت في الأمر، أن المسؤولين اليمنيين المتعاقبين على رئاسة الهيئة العامة لحماية البيئة في حكومة هادي، كانت كل تقاريرهم المرفوعة الى لجنة التراث العالمي عن حالة سقطرى خلال الفترة 2016-2020، تتجنب ذكر اسم دولة الامارات أو الاشارة لوجود انشاءات عسكرية أو استثمارية تابعة لها في سقطرى.

يقول أحد المستشارين لـموقع “حلم أخضر” (فضل عدم ذكر اسمه): ربما قد يكون السبب المحتمل، أن كل أولئك المسؤولين عن رفع التقاريرعن سقطرى، تلقوا توجيهات عليا، بعدم اتهام الامارات، وقد تكون تلك التوجيهات صادرة من قبل حكومة هادي أو من هادي نفسه.

لجنة التراث: التقرير اليمني لا يقدم أي معلومات

عقب ذلك، نشرت لجنة التراث العالمي WHC والهيئة الاستشارية لها، تعليقات واستنتاجات على ذلك التقرير الحكومي اليمني المقدم من رئاسة هيئة البيئة عن حالة الحفظ في سقطرى، وبمجرد قراءة تلك الاستنتاجات، يشعر المرء بالإحباط من دور هيئة حماية البيئة، باعتبارها الجهة المعنية بالحفاظ على سقطرى وعلى البيئة اليمنية برمتها.

وقالت لجنة WHC على ذلك التقرير: تجدر الإشارة إلى أن التقرير لا يقدم أي معلومات للتأكد من الحالة العامة للموارد الطبيعية أو إدارتها، باستثناء أن مسوحات التنوع البيولوجي قد أجريت، ومراجعة خطة إدارة سقطرى، مع الاعتراف وفق المعلومات المقدمة بأن الصيد لا يزال موسميًا وتقليدياً، وأنه يتناقص بسبب فرص العمل البديلة، ولا تتوفر في التقرير معلومات عن التأثير الحالي لضغوط الصيد غير المستدام المحتملة على مصايد الأسماك المحلية، والتي أثيرت باعتبارها المخاوف منذ العام 2018 .

وأضافت لجنة التراث: مع الترحيب بتوصيات اللجنة الخاصة (وهي اللجنة التي شكلتها هيئة البيئة لوقف أنشطة البناء قرب بحيرة سيرهن) لمعالجة هذه القضية، لكن يظل تنفيذ هذه التوصيات غير مؤكد.

رصيف الميناء في حولاف بتمويل من دولة الإمارات/الصورة: مؤسسة الموانئ

إنشاء ميناء بدون تقييم الأثر البيئي

واضافت لجنة التراث العالمي في تعليقها: لم يتم تقديم أي معلومات حول المخاوف التي أثيرت في التقارير السابقة (من هيئة البيئة) عن مشاريع السياحة والترفيه الحالية في المناطق الحساسة بيئياً بسقطرى، ومدى تأثيراتها المحتملة على القيمة العالمية الاستثنائية للممتلكات، بما في ذلك على وجه التحديد توسيع ميناء حولاف البحري الذي تم تنفيذه بدون تقييم الأثر البيئي.

يعد توسيع ميناء حولاف في سقطرى، عبارة عن أعمال صيانة وتأهيل لـ اللسان البحري في منطقة حولاف، والذي تم تنفيذ انشائه من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، من دون معايير تراعي خصوصية البيئة الطبيعية، ومن دون اجراء عملية تقييم الأثر البيئي. وبحسب مؤسسة موانئ البحر العربي يبلغ طول الرصيف 100 متر، وطول الغاطس 6 – 8 متر.

أخد مشاريع البرنامج السعودي لاعمار اليمن في سقطرى/الصورة من: SDRPY

 

مشاريع سعودية منافسة للإمارات

ويشير مقال نشره مركز مالكوم كير–كارنيغي للشرق الأوسط، إلى وجود انشاءات سعودية منافسة للإمارات في سقطرى، ويقول الباحث أحمد ناجي، الذي زار سقطرى في مقاله المنشور مطلع العام 2020: دفع الوجود الإماراتي في سقطرى بالسعوديين إلى التفكير أيضاً في توسيع نفوذهم في الجزيرة الاستراتيجية، وباشرت السعودية، من خلال البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، تنفيذ مشاريع إنسانية من أجل ضمان ولاء سكان الجزيرة بهدف الحصول على موطئ قدم هناك .

ويضيف ناجي: المنافسة بين السعوديين والإماراتيين باتت واضحة للعيان، وهو الأمر الذي أدى إلى حالة من الاستقطاب داخل الجزيرة، ومن نتائج هذه المنافسة أن وصل الأمر بكلا البلدَين إلى تمويل مشاريع في مناطق نائية، ونشر لوحات المشاريع مع أعلام البلدين في معظم مناطق الجزيرة، مع العلم أن بعض هذه المشاريع متناهية الصغر أو تتعلق بمشاريع لم تُنفذ بعد .

سلحفاة تم صيدها وذبحها في سقطرى مايو 2021/حلم أخضر

الصيد الجائر يفتك بسلاحف سقطرى

برغم أنه لا يتوفر الكثير من المعلومات الحديثة فيما يتعلق بالاتجاهات الراهنة التي تتعرض لها البيئة البحرية في سقطرى، يشير تقرير IUCN إلى أن هناك أدلة ظرفية كافية تشير إلى أن البيئات البحرية والساحلية قد تأثرت في العامين الماضيين 2018-2019 نتيجة الوضع السياسي والاضطرابات المعقدة في الجزيرة.

فخلال تلك الفترة خسرت الحكومة اليمنية سيطرتها على الجزيرة، وضعف دور السلطات البيئية المحلية، وازدادت عمليات صيد السلاحف في الارخبيل، وتم رصد عدد من الجرائم البيئية في محميات السلاحف في جزيرة سقطرى وجزيرة عبد الكوري.

وفي الأسبوع الفائت، نشر موقع “حلم أخضر” صور حديثة من داخل سقطرى، تظهر مجموعة من الجزارين والصيادين وهم يقومون بذبح احدى السلاحف المعمرة، ويخرجون من بطنها العشرات من البيض. ويقطّعون لحمها لبيعه كمأكولات بحرية.

بحسب تقديرات برنامج صون سقطرى، يمتد موسم تعشيش السلاحف البحرية في الارخبيل، من بداية مايو/آيار حتى نهاية أغسطس/آب من كل عام، وأثناء هذه الفترة تصل الى شواطئ الجزيرة قرابة 200 أنثى سلحفاة، لوضع بيضها هناك.

وتعد لحوم وبيض السلاحف البحرية من نوع السلاحف ضخمة الرأس، شائعة الاستهلاك بين بعض السكان المحليين، خاصة في جزيرة عبد الكوري، لكن منذ العام 2010 دشنت هيئة البيئة بسقطرى، برنامج مراقبة السلاحف البحرية، وقد ساهم البرنامج في تطبيق القوانين الرادعة والحد من عمليات الصيد، وفي السنوات الأخيرة توقف هذا البرنامج، وعادت للواجهة جرائم الصيد الجائر للسلاحف.

صور حديثة لجرائم صيد السلاحف يسقطرى وبيع لحومها – مايو 2021

ومؤخراً، تم الإبلاغ عن استخدام الأسلحة النارية في صيد السلاحف من قبل الدخلاء على الجزيرة، بحسب ما أورده ناشطين كانوا في برنامج مراقبة السلاحف بالجزيرة.

وفي يونيو/حزيران 2020، قال مدير عام هيئة حماية البيئة في سقطرى، علي محمد سالم في تصريح صحفي: أن عمليات الاصطياد للسلاحف في جزيرة سقطرى، زادت في السنوات الأخيرة بسبب توقف نشاط مراقبة اصطياد السلاحف بسقطرى منذ بدء الصراع في الجزيرة.

وكان الاتحاد الدولي لصون الطبيعة، قد حذر الجانب اليمني من الأضرار التي تهدد بيئة السلاحف في سقطرى، بسبب عمليات التنمية غير الخاضعة للرقابة لسلطات الجزيرة، والتي تتعلق بشكل أساسي بالاستثمار الخاص في المنطقة.

وقد شملت تلك التحذيرات ، منع إقامة المنتجعات الترفيهية في المناطق الحساسة بيئياً، والتي تلحق الضرر بالشعاب المرجانية وشواطئ تعشيش السلاحف البحرية في سقطرى، ومنشآت تصدير الأسماك التي تضغط على مصايد الأسماك التقليدية وتزيد من أسعار الأسماك، مما يجعلها غير ميسورة التكلفة بالنسبة للسكان المحليين .

سقطرى: التراث الطبيعي مهدد بالخطر

في ظل الظروف والاضطرابات التي تعيشها جزيرة سقطرى، فإن أقرب إجراء للحد من اعمال العبث في ظل ضعف حكومة هادي، هو اعلان منطقة سقطرى كموقع مهدد بالخطر، بحيث يتم ادراجها في قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر من قبل لجنة التراث العالمي باليونسكو.

ومحلياً، هناك مواقع يمنية أخرى، تم ادراجها ضمن قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، أهمها: صنعاء القديمة، وشبام حضرموت، ولعل سقطرى تتطلب اعلان مماثل كونه سيحد من الاعمال العبثية فيها، وسيضع سقطرى موضع التركيز، مما يجعل المنظمات الدولية توليها أهمية خاصة، وقد يتم فرض معايير جديدة للحفاظ عليها.

المريب في الامر، ان حكومة هادي تتهرب من هذا الاجراء، فهي منذ العام 2016، وهي ما تزال تبرر امام لجنة التراث العالمي أن ثمة صعوبة لإرسال بعثة دولية لتقييم حالة سقطرى، معللة الأمر بان الظروف الأمنية غير مناسبة، في حين ان الجزيرة تشهد منذ سنوات وصول السياح القادمين من كل بلدان العالم من مطارات الامارات الى سقطرى.

في هذا السياق، أوردت لجنة التراث العالمي في منتصف العام 2020، توصيات هامة للجانب اليمني، وقالت: تكرر اللجنة الإعراب عن قلقها البالغ إزاء التهديدات المتعددة، المبلغ عنها، وتكرر اللجنة التأكيد على الحاجة المُلحة إلى قيام البعثة بإجراء تقييم كامل لحالة الحفظ الحالية في سقطرى، وما إذا كانت الممتلكات تفي بمعايير إدراج سقطرى في قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر.

وأوصت اللجنة الطرف اليمني: بعدم السماح بأي تطوير إضافي في الممتلكات، حتى يتم تقديم الأنشطة والمشاريع المخطط لها في العقارات والمنطقة العازلة إلى مركز التراث العالمي، وطالبت باتخاذ إجراءات عاجلة لوقف جميع أنشطة البناء بشكل لا لبس فيه، وقالت اللجنة: إن البناء غير المنظم المبلغ عنه في شاطئ ديلشيا وبحيرة سيرهن، مثير للقلق .

منشاة حديثة في سقطرى تابعة لقوات عسكرية في منطقة حساسة بيئياً/الصورة: بثها ناشطون بمواقع التواصل

 

لا ضوابط أمام السياح في سقطرى

قبل الحرب، كانت جزيرة سقطرى تدير نموذجاً للسياحة البيئية لمجتمع الزوار والسياح، وفق معايير وشروط صارمة تفرضها السلطات البيئية للجزيرة، إذ كانت تمنع ادخال عدد من الأشياء الممنوعة للجزيرة، وتمنع المساس بأية موائل أو كائنات او نباتات الجزيرة، وتضع تعليمات بعدم إخراج أية أنواع من مطار حديبو بسقطرى.

وطبقاً لمصدر حكومي، بدأت الرحلات الدولية المباشرة التي نظمتها الخطوط الجوية اليمنية من مطار دبي بالإمارات العربية المتحدة إلى جزيرة سقطرى، بين الـ 15 من فبراير ، و25 من مارس/آذار 2015، ثم توقفت الرحلات عقب اندلاع الحرب وبدء العمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن.

وفي العام 2017، أشارت تقارير أن سقطرى أصبحت متاحة بلا ضوابط أمام السياح الأجانب والخلجيين، الذين يفدون إليها من مطارات دولة الامارات، حيث يتم ختم وثائق السفر للقادمين من الامارات الى سقطرى من قبل السلطات الإماراتية؛ ومن دون الحصول على الموافقة من سلطات الهجرة في الجمهورية اليمنية.

تأشيرة دخول أحد السياح الاجانب الى سقطرى في 2019/ المصدر: مطار سقطرى

وتشير احدى الوثائق التي نشرها موقع “حلم اخضر”، إلى أن تأشيرة الدخول إلى سقطرى، التي منحت للسياح في العام 2019، عبارة عن قسيمة ورقية صغيرة لا يتم إلصاقها على وثيقة جواز السفر للشخص القادم لسقطرى، حسب ما هو معروف في نظام الهجرة اليمني، وهي غير مرتبطة بنظام مصلحة الهجرة والجوازات اليمنية.

الزوار الأجانب والخليجيين القادمين لسقطرى من مطارات الامارات، لا يخضعون للشروط القانونية لطلب تأشيرات الدخول إلى أراضي الجمهورية اليمنية. ومن هذه الشروط: ألا يكون اسمه مدرجاً في قائمة الممنوعين من الدخول، وأن يكون لديه شهادة طبية من جهة رسمية تؤكد خلوه من الأمراض المعدية لا سيما الإيدز، وغيرها.

ونتيجة ذلك، لم تعد حكومة هادي، تعرف هوية الداخلين للجزيرة، ولا يتم تطبيق الضوابط او الإجراءات التي كان يتم تنفيذها على القادمين طيلة العقدين الماضيين. كما ان السياح لا يتلقون تلك التعليمات التي تلزمهم الحفاظ على الأنواع النادرة.

نفايات منتشرة في سقطرى/ الصورة من: عاصم السقطري

تأثيرات سلبية على النظام البيئي

تشكل السياحة غير الخاضعة للإدارة المستدامة في ظل الظروف المنفلتة، تهديد حقيقي على النظام البيئي للجزيرة وتقاليدها الثقافية المتنوعة، كما قد يشكلون تأثير سلبي على النسيج الطبيعي لسقطرى، بسبب مجموعة من الاثار السلبية الناجمة عن ذلك، أبرزها: الضغط على الموارد الشحيحة للجزيرة، وزيادة حجم النفايات من العلب والأكياس البلاستيكية والتي انتشرت مؤخراً في مواقع متفرقة من الارخبيل منذ 2018.

ويشير تقرير بثه موقع “قشن برس“الاخباري، أن صندوق النظافة والتحسين في سقطرى، يشكو من توقف ميزانيته وعدم قدرته على الايفاء بخدماته، مما زاد من تراكم النفايات في الارخبيل منذ بدء الأحداث التي شهدتها سقطرى في يونيو 2019، ودخول قوات مدعومة من الامارات وبسط سيطرتها على الجزيرة .

إلى جانب ذلك، تؤثر السياحة غير المنظمة، على زيادة حركة المرور، وقد تزايد خلال السنوات الاخيرة ارتفاع الطلب على استخدام السيارات والمعدات والآليات للأعمال الانشائية، مما يسبب زيادة التلوث في الارخبيل. فضلاً عن مساهمة بعض القادمين لسقطرى في نقل الأوبئة والأمراض في ظل تفشي جائحة كوفيد19، ووسط ضعف المعايير والشروط الصحية في مطار سقطرى.

كما تزداد حدة المخاطر وزيادة التفاعلات المؤثرة على حفظ الاحياء البرية. وخلال الأعوام القليلة الماضية، برزت على السطح عمليات تهريب واتجار غير مشروع بالأنواع المتوطنة في الجزيرة.

 

وأوردت تقارير سابقة، بأن أنواعًا محمية من كائنات سقطرى مثل الزواحف والعناكب وكذلك الصقور، يتم أخذها من الجزيرة، ونقلها إلى خارج سقطرى وإعادة تسكينها، وهو لا يمثل انتهاكًا لسيادة سقطرى فحسب، بل يمثل أيضاً سرقة لأنواع مهددة بالانقراض، لا توجد في أي مكان آخر في العالم.

تقييم سقطرى: التهديدات مستمرة

يشير تقييم النظرة الاستشرافية للاتحاد الدولي لصون الطبيعة، ان موقع أرخبيل سقطرى تراجع مستواه في التقييم العالمي لتوقعات الحفظ، من التنصيف الثاني: جيد مع بعض القلق Good with some Concern، إلى التصنيف بالمستوى الثالث، والذي يصنف سقطرى حالياً بأنها: Significant Concern، ونتيجة لذلك كررت لجنة التراث العالمي تحذيراتها بضرورة حماية وحفظ ممتلكات سقطرى.

وأشار التقييم العالمي لتوقعات حفظ التراث الطبيعي لسنة 2020، أن سقطرى التي كانت محمية بشكل جيد نسبياً، تشهد الآن تطوراً سريعاً، مما أدى إلى بروز تهديدات كبيرة على بيئتها الفريدة، من خلال زيادة استخدام الموارد الطبيعية، وعمليات تطوير البنية التحتية، فضلاً عن التهديدات المتزايدة المتعلقة بتغير المناخ، وإدخال الأنواع الغريبة والغازية، وتدهور الموائل. مع توقعات بالمزيد من التدهور.

وبحسب تقييم  IUCN، ما تزال التهديدات مستمرة في سقطرى، وهي مصدر قلق كبير. إن هذا الأمر قد يستدعي من بعثة المراقبة التفاعلية المشتركة بين اليونسكو وIUCN، إلى إدراج موقع سقطرى في قائمة مواقع التراث العالمي المعرضة للخطر. ويبدو أن هذا الأمر لا تريده كلاً من الامارات، والمتواطئين معها، كونه سيفرض معايير حفظ وحماية جديدة على سقطرى، من أجل الحفاظ على التراث الطبيعي للجزيرة.

وطبقاً لـ IUCN، يحتاج نظام إدارة سقطرى إلى تعزيز الأساس التشريعي والتعميم عبر القطاعات، وتعزيز القدرات، واتخاذ القرارات على أساس علمي واستخدام المعارف التقليدية، من أجل تعزيز التنمية المستدامة، وإدارة الضغوط والتهديدات بشكل فعال من أجل مستقبل مستدامة.

أخيراً، يبدو أن الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، ومؤسساتها البيئية، غير مكترثة لحجم الخسارة التي تتعرض لها بيئة سقطرى، وفقدان التنوع البيولوجي والحيوي لواحدة من أهم الجزر على هذا الكوكب، وأياً كان الأمر، تتحمل هذه الحكومة المسؤولية الكاملة عن العبث الحاصل لبيئة الارخبيل، طالما أنها لعبت بدور “شاهد زور” وأخفت الحقيقة لكل ما حدث لسقطرى أمام مؤسسات المجتمع الدولي.

المصدر: حلم أخضر

قد يعجبك ايضا