المصدر الأول لاخبار اليمن

من رفاهية المناصب إلى رحاب التضحية.. اللواء عبدالكريم القدمي نموذج آخر لاستبسال اليمنيين في مواجهة التحالف

رصدها/عبدالكريم مطهر مفضل/ وكالة الصحافة اليمنية //

سئلت نفسي ذات يوم، أيمكن للعقل والمنطق أن يتقبل يوماً ما فكرة أن يتحول قائد عسكري رفيع إلى مجاهد وشهيد وأن يتخلى عن رفاهية الرتب وعظمة المناصب ورغد الحياة متخلياً عن البيوت الفاخرة والدافئة ليفترش الأرض متلحفاً السماء في البراري والجبال والسهول، ويقدم فلذة كبده قبل أن يقدم المال والنفس، في الوقت الذي يُصر القادة العسكريين من خصومهم على ضمان عيشة هنية لأولادهم في منتجعات الدول الأجنبية ؟!.

بالطبع يمكن ذلك.. وهذا ما حدث بالفعل في اليمن خاصة مع حكاية قائد عظيم لو لم أعايش تفاصيلها الحية بنفسي وأشهد أحداثها ولحظاتها مع قائد مواقفة البطولية تجبر العدو قبل الحليف الانحناء لها.

اليمن مصنع القادة العظماء

 

اليمن ليست حاضنة التاريخ والحضارات الإنسانية فقط لقد عُرفت بأنها مقبرة الغزاة ومصنع الرجال الأشاوس الذين ذكرهم الله في محكم كتابه بذو “البأس الشديد”.. نعم لليمن شعب جبار وعظماء حفروا ذكراهم في أنصع صفحات التاريخ، وصنعوا بنضالهم وشجاعتهم أروع مواقف التضحية والفداء.

اليوم نروي لكم قصة الشهيد عبدالكريم صالح عبدالله القدمي “أبوخالد” قائد اللواء 102 حرس جمهوري، الذي رفض دعوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح لكافة منتسبي القوات اليمنية المسلحة بالمكوث في المنازل والوقوف موقف الحياد، فحمل بيده لواء المجد والعزة والكرامة اليمنية وفي الأخرى حمل كفن الشهادة، فكان أحد القادة الذين ضربوا أعظم صور النضال والتضحية التي نستلهم منها الدروس والعبر والمعاني السامية للتضحية والبذل والعطاء من أجل الدين والوطن والعزة والكرامة.

أخر صورة للشهيد اللواء عبدالكريم أثناء تكريم أسر الشهداء

يقول محمد القدمي شقيق القائد المناضل والشهيد عبدالكريم في حديث مع “وكالة الصحافة اليمنية”: “اليوم سنحكي عن قائد عسكري جاهد في سبيل الله والوطن، ورجل قرآني إيماني منذ أن كان طفلاً وهو مسبحاً مستغفراً ذاكراً لله محسناً ومتعاطفاً ومتعاوناً مع الجميع صغار كبار، كان يحبه الجميع ويثني عليه كل من يلتقي به”.

وأردف محمد قائلاً، ولد الشهيد عبدالكريم عام 1969م في قرية بني قدم عزلة القلعة بمديرية شرس محافظة حجة، حاصل على بكالوريوس علوم عسكرية من كلية الطيران والدفاع الجوي وبكالوريوس إدارة أعمال من جامعة صنعاء، وتقلد العديد من المناصب العسكرية في الدفاع الجوي بمحافظتي مأرب وتعز والعاصمة صنعاء.

الانطلاقة إلى ميادين التصدي للعدو

وعن التحاق اللواء عبدالكريم في جبهات العز والشرف قال محمد القدمي: كان للواء “أبوخالد” دور كبير ومهم وبارز في حماية هذا الوطن والدفاع عنه بالنفس والمال والأهل منذ بداية شرارة الحرب الأولى على اليمن في 26 مارس 2015، حيث تقدم “أبوخالد” مع رفاقه من الضباط والقادة العسكريين الأحرار للالتحاق بصفوف الدفاع عن العزة والكرامة والشرف في جبهات نهم ومأرب، وكان له دور بارز في تدريب العديد من المتطوعين للجهاد.

 

 

محمد القدمي شقيق الشهد عبدالكريم أثناء تكريم مديرية أزال للشهيد عبدالكريم ونجله

 

 

وأضاف، عندما اشتدت المعارك في مأرب وبدأت قوات التحالف في استخدام الأسلحة المحرمة وحدوث خيانة من بعض أبناء القبائل المرتزقة، ونظراً للتكتيكات العسكرية فقد رأي اللواء عبدالكريم والعديد من قادة الجيش اليمني واللجان الشعبية أن مجريات المعركة تستدعي الانسحاب من مأرب والتوجه صوب مرتفعات نهم كونها الخط الدفاعي الأول للعاصمة صنعاء وكذا بهدف استدراج العدو لمناطق محصنة جغرافيا تفادياً لغارات طيران التحالف.

وتابع: وهو ما حدث بالفعل في نهم حيث سطر الأبطال ملحمة بطولية الحقت بالعدو خسائر فادحة في الأرواح والعتاد الأمر الذي أفقد العدو القدرة على التحكم بسير المعركة على الرغم من الغطاء الجوي والصاروخي الذي ساند قوى التحالف في نهم.

وأردف: لقد ضرب اللواء “أبوخالد” ورفاق الكفاح في تلك المعركة ملحمة بطولية سيخلدها التاريخ عندما قامت قوات التحالف في 21 يناير 2019، بشن زحف كبير باتجاه الخط الأسفلتي وحينها فرضوا حصارهم على إحدى نقاط التفتيش والتحكم الاستراتيجي في جبهة نهم، أثناء تواجد اللواء عبدالكريم فيها ولم يكن لديهم سوى 5 بنادق آلية “كلاشنكوف” وتمكنوا من خلالها ردع العدو والاستيلاء على عتاد عسكري ساعدهم في طرد مجندي التحالف من على الخط الأسفلتي.

وقف محمد لوهلة يستجمع فيها الأفكار والذكريات، وبعد تنهيدة كبيرة أكمل حديثه قائلاً: بعد ساعات من فشل زحف الأعداء قام الطيران بشن العديد من الغارات على النقطة فقد على اثرها “أبوخالد” بعض من أعضاء جسده إضافة إلى اصابته بعدة شظايا في مناطق مختلفة من جسمه.

قادة الفداء والتضحية

الشهيدين عبدالكريم القدمي وأبنه معاذ

الشهيد عبدالكريم القدمي “أبوخالد” من خيرة رجال الرجال الذي انجبتهم اليمن وأحد خيرة قادتها الميامين .. سيرته النضالية لا تختلف عن قصص أبطال اليمن من قادة القوات المسلحة وفي مقدمتهم الشهيد حسن الملصي، من حيث الشجاعة والأقدام والتضحية بالمال والولد قبل أن ينال الشهادة، ولنا في كوكبة من القادة الأشاوس ما تعجز الأقلام والصحف عن ذكر بطولاتهم وتضحياتهم.

لقد رسخ قادة اليمن العسكريين في نضالهم وتضحياتهم ضد قوات التحالف التي شنت حرباً عبثية وظالمة على بلدهم وشعبهم صدق العديد من الحقائق وبطلان البعض منها ولعل أهم تلك الحقائق التي أثبتها العظماء من القادة في التضحية بالمال والنفس والولد من خلال استشهاد أبنائهم قبل استشهادهم أثبتوا صدق المقولة “هذا الشبل من ذاك الأسد” وبطلان المقولة “النار لا تخلف إلا الرماد” فنار قادة اليمن تظل مشتعلة تحرق الأعداء والخصوم جيلاً بعد جيل.

يقول محمد: اللواء أبوخالد لم يكتفي اللواء عبدالكريم ببذل المال والنفس في سبيل الله والوطن بل أصر على تقديم الولد والأخ حين دفعني برفقة ولده “معاذ” إلى جبهات العز والشرف في مأرب ونهم، حيث وأن ولده معاذ عبدالكريم القدمي “أبوحيدر” كان أحد خريجي الكلية الحربية.

 

 

وفي 12 مارس 2021، استشهد البطل معاذ القدمي “أبوحيدر” أثناء القتال تحت قيادة والده في معركة تحرير جبال المشجح في صرواح مأرب.

ملحمة الشهادة

وبالعودة للحديث عن إصابة اللواء “ابوخالد” قال محمد: كان “أبوخالد” يتلهف كثيراً للشفاء بهدف العودة إلى ميادين الجهاد، وفي فترة علاجه كان يروي لنا قصص وحكايات الانتصارات العظيمة التي يحققها أبطال الجيش واللجان الشعبية في جبهات القتال، وأخبرنا عن مدى اشتياقه للعودة إلى رحاب ميادين النضال، وأوصى أبنه معاذ “أبوحيدر” الاستمرار في القتال حتى لو لم يتعافى من جراحه.

الشهيد معاذ مرابطاً في جبهات القتال

 

وأضاف: واصل اللواء عبدالكريم جهاده ولم يستسلم للجراح وفراق أبنه، وفي يوم الأربعاء 13 يوليو 2022 التحق اللواء عبدالكريم القدمي بأبنه في ركب الشهداء وروت دماؤه الطاهرة أرض اليمن الغالي.

قد يعجبك ايضا