المصدر الأول لاخبار اليمن

تفاصيل كاملة تنشر لأول مرة عن فرق الاغتيالات الإماراتية ومواقع تحركاتها والأهدف التي رصدتها داخل اليمن وفي الشرق الأوسط

تقرير وثائقي : وكالة الصحافة اليمنية كان الجندي السابق في القوات الخاصة الأمريكية، الذي كان يحتضن سلاح الكلاشنكوف الخاص به و.يلعق مصاصة، يتحرك صعودا ونزولا في مؤخرة سيارة جيب مدرعة كانت تجوب الشوارع المظلمة لمدينة عدن. وقد كان قائدين آخرين ضمن المهمة، جنديين سابقين في قوة العمليات الخاصة الابتدائية للبحرية الأمريكية. وعلى اعتبارهم من نخبة […]

تقرير وثائقي : وكالة الصحافة اليمنية

كان الجندي السابق في القوات الخاصة الأمريكية، الذي كان يحتضن سلاح الكلاشنكوف الخاص به و.يلعق مصاصة، يتحرك صعودا ونزولا في مؤخرة سيارة جيب مدرعة كانت تجوب الشوارع المظلمة لمدينة عدن. وقد كان قائدين آخرين ضمن المهمة، جنديين سابقين في قوة العمليات الخاصة الابتدائية للبحرية الأمريكية. وعلى اعتبارهم من نخبة المقاتلين الأمريكيين في العمليات الخاصة، يتمتع هؤلاء الأفراد بسنوات من التدريبات الخاصة وضعت من قبل الجيش الأمريكي لحماية الولايات المتحدة. ولكن الآن، بات هؤلاء الأشخاص يعملون لصالح “سيد” آخر، والمتمثل في شركة أمريكية خاصة وقع توظيفها من قبل الإمارات العربية المتحدة، وهي مملكة صغيرة في الخليج العربي.

في تلك الليلة، الموافقة للتاسع والعشرين من كانون الأول / ديسمبر سنة 2015، كانت مهمة هؤلاء الأفراد تتمثل في تنفيذ عملية اغتيال. ويعد هجومهم المسلح، الذي نقل تفاصيله اثنين من المشاركين في العملية لصالح بزفييد نيوز ووقع إثبات صحتها عن طريق لقطات المراقبة لطائرة من دون طيار، العملية الأولى ضمن مشروع ربحي مروع. وعلى امتداد أشهر في اليمن، الذي مزقته الحرب، بادر مجموعة من الجنود الأمريكيين المدربين على أعلى مستوى، بقتل رجال دين بارزين وشخصيات سياسية ذات انتماءات دينية إسلامية، وذلك ضمن مهمة مرتزقة يشوبها الغموض.

كان هدفهم في تلك الليلة، القيادي المحلي للحزب الإسلامي، التجمع اليمني للإصلاح، إنصاف علي مايو. في الواقع، تعتبر الإمارات أن حزب التجمع اليمني للإصلاح يمثل فرعا من الإخوان المسلمون، الجماعة العالمية التي تعتبرها أبوظبي منظمة إرهابية. ويشدد العديد من الخبراء على أن التجمع اليمني للإصلاح، الذي حصل أحد المنتمين له على جائزة نوبل للسلام، ليست بجماعة إرهابية. ويؤكد الخبراء على أن التجمع اليمني للإصلاح يمثل حزبا سياسيا شرعيا، من شأنه تهديد الإمارات ولكن ليس من خلال العنف، بل عن طريق فضح مخططاتها التوسعية الطموحة في اليمن.

تعرف الشركة التي استأجرت الجنود ونفذت العملية، باسم “مجموعة سبير للعمليات”، التي يقع مقرها في ديلاوير والتي أنشأها أبراهام غولان، وهو متعاقد أمني مجري إسرائيلي

كانت خطة المرتزقة تقتضي بتثبيت قنبلة ممزوجة بشطايا على باب مقر حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي يقع بالقرب من ملعب لكرة القدم في وسط عدن، التي تحتضن واحد من بين الميناءات الرئيسية في اليمن. ووفقا لأحد القادة ضمن هذه العملية، كان من المفترض أن يتسبب الانفجار في “قتل كل الأشخاص في ذلك المقر”. عندما وصلوا إلى مقر الحزب على الساعة 9 و57 دقيقة مساء، كان الهدوء يطغى على المكان. في الأثناء، ترجل المقاتلون من سيارة الجيب في حين كانت أسلحتهم في وضعية الاستعداد. عمد أحدهم إلى حمل القنبلة واتجه إلى المبنى. ولكن، وفي حين كان المكلف بتثبيت القنبلة على بعد خطوات من الباب، أطلق عنصر آخر من الفريق النار، ليأتي الرد على طول الشارع المضاء بشكل خافت. وفي النهاية، فشلت خطتهم المصممة بإتقان.

مثلت العملية ضد مايو، التي وقع تناقل أخبارها في ذلك ولكن إلى حد الآن لم يكن أحد يعلم أنها قد نفذت عن طريق مرتزقة أمريكيين، نقطة تحول حاسمة في حرب اليمن، التي مثلت صراعا وحشيا تسبب في تجويع الأطفال وقصف القرى وانتشار وباء الكوليرا في صفوف المدنيين. وقد كان هذا التفجير العملية الأولى ضمن سلسلة من الاغتيالات التي لم يقع حلها إلى الآن، والتي تسببت في مقتل أكثر من عشرين قائد للحزب.

تعرف الشركة التي استأجرت الجنود ونفذت العملية، باسم “مجموعة سبير للعمليات”، التي يقع مقرها في ديلاوير والتي أنشأها أبراهام غولان، وهو متعاقد أمني مجري إسرائيلي، ذو شخصية كارزماتية فذة، ويعيش في مدينة بيتسبرغ. وقد قاد غولان شخصيا الفريق ضمن عملية اغتيال مايو. صرح غولان لصالح بزفييد، أنه ““كان هناك برنامج اغتيالات ذو أهداف محددة في اليمن، لقد كنت أقوده شخصيا. لقد قمنا بذلك. لقد كان هذا البرنامج معترفا به من قبل الإمارات العربية المتحدة وذلك في إطار التحالف”.

تقود الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تحالفا يشمل 9 دول في اليمن، للمحاربة ضمن ما يمكن اعتباره “حرب بالوكالة” على نطاق وساع، ضد إيران. وتعمل واشنطن على مساعدة الرياض وأبوظبي من خلال تزويدها بالسلاح، والمعلومات الاستخباراتية، بالإضافة إلى تقديم الدعم عن طريق وسائل أخرى. ولم يستجب المكتب الإعلامي لسفارة الإمارات في الولايات المتحدة، وشركة الأعمال العامة الأمريكية التابعة لها، هاربور غروب، على حد السواء، لاتصالاتنا الهاتفية ورسائلنا الإلكترونية.

يأتي الكشف عن استئجار إحدى الممالك في الشرق الأوسط لفريق أمريكي متخصص من أجل تنفيذ اغتيالات، في لحظة كان فيها العالم مشغولا بقضية القتل المزعوم للصحفي المعارض جمال خاشقجي من قبل المملكة العربية السعودية. والجدير بالذكر أن نظام الحكم في السعودية يعد استبداديا كما أن الملك له علاقات وثيقة مع كل من الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة. (في الواقع لم ترد السفارة السعودية في الولايات المتحدة على هذه الادعاءات. وقد نفت الرياض تورطها في مقتل خاشقجي، على الرغم من أن التقارير الإخبارية تلقي اللوم على السعودية، فيما يتعلق بحادثة وفاته خلال عملية استجواب فاشلة).

اعتمدت الحروب الأمريكية الطويلة في كل من أفغانستان والعراق بشكل كبير على نخبة القوات الخاصة، مما ساهم في ظهور عشرات الآلاف من الكوماندوز الأمريكيين، الذين تلقوا تدريبات عالية المستوى

في هذا الصدد، أفاد غولان أنه خلال فترة عمل شركته في اليمن، كان فريقه مسؤولا عن عدد من الاغتيالات طالت شخصيات بارزة خلال الحرب. وقد رفض تحديد أي منها. وأضاف غولان أن الولايات المتحدة في حاجة إلى برنامج اغتيال مماثل للنموذج الذي اعتمده، قائلا: “أنا فقط أريد أن أثير نقاشا هناك. قد أكون وحشا وربما يجب أن أكون في السجن أو ربما أنا شخص سيئ، لكنني محق فيما أقول”.

شهدت مهمة الاغتيالات الخاصة، التي تقوم بها مجموعة سبير للعمليات، دمج ثلاثة أفكار متطورة لتغيير مفهوم الحرب في جميع أنحاء العالم:

· حادت عمليات مكافحة الإرهاب الحديثة عن الأهداف العسكرية التقليدية، التي تتمثل في تدمير المطارات ومواقع المدافع والثكنات لقتل أفراد معينين فضلا عن إعادة تشكيل الحرب إلى حد كبير، حتى تكون عبارة عن سلسلة من الاغتيالات المنظمة.

· أصبحت الحرب مخصخصة بشكل متزايد، مع إقبال العديد من الدول على الاستعانة بالجهات الخارجية من أجل الحصول على دعم عسكري من قبل المتعاقدين الخاصين. وبالتالي، تخلت هذه الدول عن القتال في الخطوط الأمامية باعتبارها الأمر الوحيد، الذي لم تعمد الولايات المتحدة والعديد من الجيوش الأخرى ظاهريا، بتكليف أطراف خارجية بمسؤولية القتال فيها، لصالح مشاريع مربحة.

 · اعتمدت الحروب الأمريكية الطويلة في كل من أفغانستان والعراق بشكل كبير على نخبة القوات الخاصة، مما ساهم في ظهور عشرات الآلاف من الكوماندوز الأمريكيين، الذين تلقوا تدريبات عالية المستوى. ويمكن لهؤلاء الجنود المطالبة بمرتبات عالية من القطاع الخاص لعملهم في مجال تزويد الأسلحة أو لكونهم أفراد ضمن المرتزقة.

في ظل مهمة مجموعة سبير للعمليات في اليمن، تحولت هذه الظاهرة المستحدثة إلى موجة من الأعمال الجديدة والمشينة، مثل عمليات القتل، التي نفذها جنود أمريكيون متمرسون. وقد قال الخبراء إنه من غير المعقول أن الولايات المتحدة، التي قامت بتدريب وتسليح الجيش الإماراتي على كل المستويات تقريبا، لم تكن تعلم بأن الإمارات استأجرت شركة أمريكية تضم محاربين أمريكيين قدامى لتنفيذ برنامج اغتيالات ضمن حرب تشرف عليها شخصيا.

أخبر مسؤول سابق في وكالة المخابرات المركزية، الذي كان قد عمل في الإمارات العربية المتحدة، بزفييد نيوز، أنه لا سبيل أن يتم السماح للأمريكيين بالمشاركة في مثل هذا البرنامج

وفقا لثلاثة مصادر كانوا على دراية بهذه العملية، اعتاد أحد المرتزقة على العمل مع فرع وكالة المخابرات المركزية على الأرض، وهي وكالة تعادل القوات العسكرية الخاصة بالجيش. وقد كان شخص آخر ضمن هذا البرنامج رقيبا سابقا ضمن القوات الخاصة في الحرس الوطني التابع لولاية ماريلاند. ووفقا لأربعة أشخاص كانوا يعرفونه، يوجد شخص آخر ضمن البرنامج لا يزال يعمل مع قوات الاحتياط بالبحرية الأميركي على اعتباره من قوة العمليات الخاصة الابتدائية للبحرية الأمريكية. وقد كان يتمتع بتصريح للإطلاع على ملفات وقضايا سرية للغاية. وحسب ما أفادت به المصادر لبزفييد نيوز، كان هذا الشخص من المقاتلين السابقين ضمن الفريق 6 التابع لقوة العمليات الخاصة الابتدائية للبحرية الأمريكية.

وصفت صحيفة نيويورك تايمز ذات مرة وحدة النخبة التي عرفت بقتلها أسامة بن لادن، بأنها “آلية إبادة بشرية على مستوى العالم مع رقابة محدودة”. وقالت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إنه ليس لديها أي معلومات حول برنامج الاغتيالات الخاص بهؤلاء المرتزقة، كما أن قيادة القوات البحرية الخاصة رفضت التعليق بخصوص هذا الشأن.

في هذا الصدد، أخبر مسؤول سابق في وكالة المخابرات المركزية، الذي كان قد عمل في الإمارات العربية المتحدة، بزفييد نيوز، أنه لا سبيل أن يتم السماح للأمريكيين بالمشاركة في مثل هذا البرنامج. ولكن بعد أن عمد إلى التحقق من ذلك، اتصل من جديد، قائلا: “لقد كان هناك أشخاص يقومون بشكل أساسي بكل ما ذكرتموه”. لقد كان مندهشا مما اكتشفه، حيث صرح: “ما هي أساليب التحري للتأكد من أن الرجل الذي اتهمته هو حقا شخص سيء؟”. وأضاف هذا المصدر أن المرتزقة كانوا تقريبا مثل فريق اغتيالات”.

ليس واضحا ما إذا كانت العملية التي قام بها المرتزقة التابعون لمجموعة سبير للعمليات تنتهك القانون الأمريكي حقا. يعتبر قانون الولايات المتحدة “التآمر لقتل أي شخص ما في بلد آخر أو خطفه أو الإساءة إليه” أمرا غير قانوني. من المفترض أن وزارة الخارجية تشرف على الشركات التي تقوم بتقديم خدمات عسكرية إلى دول أجنبية. وقد أكدت الوزارة على أنها لم تمنح الإذن لأي شركة كانت بإرسال جنود مقاتلين أو مرتزقة لدولة أخرى.

يعتقد غولان أن الاغتيالات المستهدفة التي قامت بها شركته تعد استراتيجية دقيقة لمكافحة الإرهاب، مع عدد أقل من الضحايا المدنيين

مع ذلك، وكما ذكرت بزفييد نيوز سابقا، أن الولايات المتحدة لا تمنع المرتزقة. ومع بعض الاستثناءات، يسمح قانونيا الانضمام إلى الجيوش الأجنبية، سواء كان الدافع هو البحث عن تدريبات أفضل أو الحصول على المال. دون وجود أي تبعات قانونية، قاتل الأميركيون إلى جانب جيش الدفاع الإسرائيلي، والفيلق الأجنبي الفرنسي، كما أنهم انضموا إلى ميليشيات تقاتل تنظيم الدولة في سوريا. ووفقا لثلاثة مصادر، اتفقت مجموعة سبير للعمليات مع دولة الإمارات العربية المتحدة لإعطاء رتبة عسكرية للأميركيين المشاركين في البعثة، الأمر الذي قد يوفر لهم غطاء قانونيا.

على الرغم من العمل في منطقة تشهد اضطرابات على مستوى المناخ القانوني والسياسي، يعتقد غولان أن الاغتيالات المستهدفة التي قامت بها شركته تعد استراتيجية دقيقة لمكافحة الإرهاب، مع عدد أقل من الضحايا المدنيين. لكن عملية مايو تشير إلى أن هذا الشكل الجديد من الحرب يحمل في صلبه العديد من المشاكل التقليدية نفسها. توقفت خطط المرتزقة بعد أن أثبتت المخابرات أنها غير ناجعة، علما وأن هجمتهم كانت بعيدة جدا عن كونها دقيقة. فقد صممت العبوة الناسفة التي كانوا يضعونها على الباب لقتل شخص واحد وليس جميع من في المكتب.

بالإضافة إلى الاعتراضات الأخلاقية، تسبب هذه الاغتيالات، التي هدفها الأساسي هو الربح، في خلق معضلات جديدة في خضم الحرب الحديثة. فعادة ما يقوم المرتزقة بعملياتهم خارج حدود القيادة العسكرية الأمريكية، لذلك في حال ارتكبوا أخطاء أو جرائم حرب، فلا يوجد نظام واضح لمحاسبتهم. وحتى إن قتل المرتزقة مدنيا في الشارع، فمن سيحقق في هذا الأمر؟

تكشف مهمة مايو عن مشكلة رئيسية أخرى ألا وهي اختيار الأهداف. يصر غولان على أنه قتل فقط الإرهابيين الذين حددتهم حكومة الإمارات العربية المتحدة، حليفة الولايات المتحدة. لكن من هو الإرهابي ومن هو السياسي؟ هل هذا شكل جديد من أشكال الحرب؟ وما هي الطريقة القديمة لاستئجار شخص للقتل؟ من لديه الحق في اختيار من يعيش ومن يموت، سواء في الحروب السرية التي تشنها إحدى الممالك، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، أو في بلد ديمقراطي مثل الولايات المتحدة؟ جمعت بزفييد نيوز معلومات حول القصة السرية لهجوم الشركة على مقر حزب الإصلاح، وذلك من خلال الكشف عن ماهية الحرب التي يشنها المرتزقة الآن، وماذا سيترتب عنها.

 من اليسار إلى اليمين: إسحاق غيلمور، ومحمد دحلان، وأبراهام غولان.

تجدر الإشارة إلى أن تم عقد الصفقة التي جلبت المرتزقة الأمريكان إلى شوارع عدن خلال وجبة غداء في أبوظبي، في مطعم إيطالي في نادي ضباط القاعدة العسكرية الإماراتية. فقد قام كل من غولان، أحد المقاتلين السابقين في قوة العمليات الخاصة الابتدائية للبحرية الأمريكية (نافي سيلز)، وإسحاق غيلمور بالسفر جوا من الولايات المتحدة لعقد هذه الصفقة. وحسب ما أفاد به غيلمور،  لم تسر الأمور على ما يرام في البداية. فضلا عن ذلك، كان مضيفهم محمد دحلان، وهو رئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني السابق. نظر دحلان إلى الضيوف، وهو يرتدي بدلة مصممة بشكل جيد، وقال لغولان ببرود أنه في ظروف أخرى كان يمكن لمقاتلي المرتزقة استهداف بعضهم البعض.

في الواقع، لقد شكلوا ثاني غير متوقع. وحسب مصادر عدة، يحافظ غولان، الذي قال إنه ولد في هنغاريا من أبوين يهوديين، على علاقاته طويلة الأمد مع إسرائيل بسبب عمله الأمني، علما وأنه عاش هناك لعدة سنوات. ووفقا لمقال نشرته مجلة ماثر جونز سنة 2008، حضر غولان في إحدى المرات في حفلة في لندن حيث التقى برئيس الموساد السابق داني ياتوم، الذي كانت مهامه توفير الأمن لعملاء الطاقة في أفريقيا. ووفقا لثلاثة مصادر، تمثل أحد مطالبه في حماية سفن الحفر عن حقول النفط في بحار نيجيريا من التخريب والإرهاب.

محمد دحلان يظهر في اتصال فيديو خلال السنة الماضية.

يعد غولان، الذي أطلق لحيته والذي غالبا ما يدخن سجائر مارلبورو الحمراء، من الأشخاص الذين يتقدون حماسا. وقد وصفه مسؤول سابق في وكالة المخابرات المركزية، بأنه بائع جيد، حيث يعد واسع الإطلاع، وغالباً ما يستشهد في حديثه بأقوال الفلاسفة والروائيين. وكان غولان دائما ما يقتبس مقولة أندريه مالرو: “ليس الإنسان ما يعتقده بل ما يخفيه”.

يشاع أن غولان تلقى تعليمه في فرنسا، وانضم إلى الفيلق الأجنبي الفرنسي، ومن ثم سافر إلى جميع أنحاء العالم، وكثيراً ما كان يقاتل أو ينفذ عمليات أمنية. وفي بلغراد، تعرّف غولان، على حد قوله، على زيلكو رازناتوفيتش، الملقب باسم “أركان”، وهو مقاتل سيئ السمعة يقاتل في صفوف القوات شبه العسكرية وقائد ميليشيا تم اغتياله سنة 2001. وفي حديثه عن رازناتوفيتش، قال غولان: “أكنّ الكثير من الاحترام لأركان”.

لم يتمكن موقع “بزفييد نيوز” من التحقق من صحة بعض المعلومات بشأن غولان، بما في ذلك خدمته العسكرية. لكن غيلمور وعنصر آخر من المحاربين القدامى، الذي عمل ضمن القوات الخاصة الأمريكية ورافقه في الميدان، قال إنه من الواضح أنه يتمتع بخبرة جيدة في مجال التجنيد. وقد وصفه الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بأنه مقاتل كفؤ وقاس وحريص جدا. وأضاف مسؤول سابق آخر قائلا: “إن الناس غالبا ما تبالغ في وصفه”، مضيفا “أما بالنسبة للأمور التي تنم على قدر كبير من الجنون، فهو من الرجال الذين ستود حتما أن تستأجره للقيام بها”.

أكد ضابط وكالة المخابرات المركزية السابق غيلمور، الذي يعد على معرفة جيدة بدحلان، أن “الإمارات العربية المتحدة تمكنت من استمالة دحلان لصالحها”.

من جانب آخر، نشأ محمد دحلان، الذي لم يستجب للرسائل العديدة التي وجهت له عن طريق شركائه، في مخيم للاجئين في غزة.  وخلال انتفاضة الثمانينيات، أصبح عنصرا سياسياً بارزا. وفي تسعينات القرن الماضي، تم تعيينه رئيسًا للأمن في السلطة الفلسطينية في غزة، حيث أشرف على أعمال قمع قاسية ضد حركة حماس بين سنتي 1995 و1996. وقد التقى دحلان لاحقاً بالرئيس جورج بوش الابن، كما أقام علاقات قوية مع وكالة المخابرات المركزية، حيث اجتمع بمدير الوكالة آنذاك جورج تينيت في أكثر من مناسبة مرات. كان من المتوقع أن يكون دحلان في وقت من الأوقات قائدا محتملا للسلطة الفلسطينية، ولكن في سنة 2007 خسر مكانته المتميزة، حيث اتهمته السلطة الفلسطينية بالفساد. من جهتها، اتهمته حركة حماس بالتعاون مع وكالة المخابرات المركزية وإسرائيل.

بات دحلان بلا وطن، مما دفعه للفرار إلى الإمارات العربية المتحدة. ويقال إنه يعيد بناء نفسه هناك، حيث تقلد منصب مستشار بارز لولي عهد الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، وهو الحاكم الفعلي لأبوظبي. وقد أكد ضابط وكالة المخابرات المركزية السابق غيلمور، الذي يعد على معرفة جيدة بدحلان، أن “الإمارات العربية المتحدة تمكنت من استمالة دحلان لصالحها”.

خلال مأدبة غداء في نادي ضباط القاعدة العسكرية الإماراتية، تحدى دحلان زواره بأن يخبروه عن الأمر الذي يجعل المقاتلين الأمريكيين مميزين، ولماذا كانوا أفضل من الجنود الإماراتيين؟ وقد سارع غولان بالإجابة متبجحا بمميزات الجنود الأمركيين. في الواقع، أراد غولان أن يخبر دحلان بأنه قادر على إطلاق النار، وتدريب مقاتلين آخرين، والركض، والقتال بشكل أفضل من أي مقاتل في الجيش الإماراتي. عقب ذلك، تحداه قائلا: “اختر أفضل رجل في الجيش وسأهزمه. أي واحد”. فأشار الفلسطيني إلى شابة متيقظة تعمل مساعدة تجلس في الجوار، قائلا: “إنها أفضل رجل لدي”. وقد خففت هذه النكتة من الجو المتشنج في القاعة، في حين شعر الرجال براحة أكبر. في الأثناء، اقترح دحلان على غولان أن يختار السباغيتي.

على اليسار: غيلمور؛ على اليمين، غولان

تُعرف دولة الإمارات العربية المتحدة بثرواتها الطائلة، لكنها تحتوي على عدد قليل من السكان، حيث لا يتجاوزون سقف المليون الساكن. لذلك، فهي تعتمد على العمال الوافدين إليها من جميع أنحاء العالم للقيام بكل الوظائف، انطلاقا من من تنظيف دورات المياه وصولا إلى تعليم طلاب الجامعة. ولا يختلف الأمر فيما يتعلق بجيشها، الذي يدفع مبالغ باهظة لشركات الدفاع الأمريكية المتحمسة و الجنرالات السابقين. في هذا الشأن، وافقت وزارة الدفاع الأمريكية على بيع أسلحة وخدمات دفاعية تقدر قيمتها بما لا يقل عن 27 مليار دولار للإمارات منذ سنة 2009.

في سياق متصل، قام الجنرال الأمريكي المتقاعد، ستانلي ماكريستال، ذات مرة بالتسجيل للعمل في مجلس شركة عسكرية إماراتية. كما يدير روبرت هاروارد، وهو ضابط متقاعد من “نافي سيلز” ونائب سابق لقائد القيادة المركزية الأمريكية، الفرع الشركة الأمريكية لوكهيد مارتن في دولة الإمارات. علاوة على ذلك، قام المسؤول الأمني​​، إيريك برنس، المتورط الآن في التحقيق الخاص الذي أجراه روبرت مولر حول التدخل الروسي في الانتخابات، ببعث شركة في الإمارات لبعض الوقت بهدف مساعدة الإمارات على استئجار مرتزقة كولومبيين.

وفقا لما ذكره موقع “بزفييد نيوز” في وقت سابق من هذه السنة، تضم البلاد العديد من الأجانب في صفوف جيشها، حيث منحت رتبة لواء لضابط أمريكي يحمل رتبة مقدم وهو ستيفن توماجان. وبالتالي، بات أحد فروع القوات المسلحة في الجيش الإماراتي تحت قيادته.

الولايات المتحدة ترسم حدودا في ساحة المعركة؛ إنها لا تقوم باستئجار المرتزقة لتنفيذ العمليات الهجومية. لكن يمكن لهذه الحدود أن تصبح ضبابية

ليست الإمارات وحدها التي عمدت إلى توظيف متعاقدين في المجال الدفاعي. في الواقع، كانت الولايات المتحدة أول من بادر باتخاذ هذه الخطوة الدولية نحو خصخصة الجيش، حيث قامت وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاغون، بدفع مبالغ مجزية للشركات للقيام بالعديد من المهام التقليدية، ابتداء من إطعام الجنود، مرورا بالحفاظ على المعدات العسكرية، وصولا  لحراسة القوافل الأمنية.

خارج الولايات المتحدة، يعد توظيف المرتزقة للقيام بمهام قتالية أمراً نادراً، على الرغم من أن هذا الأمر قد جدّ بالفعل في العديد من المناسبات

في المقابل، تلتزم الولايات المتحدة ببعض الخطوط الحمراء في ساحة المعركة، حيث لا تقوم باستئجار المرتزقة لتنفيذ هجمات أو المشاركة بشكل مباشر في الحرب. لكن يمكن لهذه الحدود أن تصبح ضبابية. عادة، تقوم هذه الشركات الخاصة بتوفير بيانات أمنية وعسكرية لحماية الدبلوماسيين في مناطق الحروب أو الضباط الاستخباراتيين الموجودين في الميدان. ويمكن لمثل هؤلاء المتعاقدين المشاركة في المعارك القتالية، كما حدث في مدينة بنغازي الليبية. في تلك الحادثة، توفي متعاقدين، وذلك في سنة 2012، وهما بصدد الدفاع عن موقع تابع لوكالة الاستخبارات المركزية. لكن كانت المهمة الرسمية في المقام الأول الحماية وليس المشاركة في الحرب.

خارج الولايات المتحدة، يعد توظيف المرتزقة للقيام بمهام قتالية أمراً نادراً، على الرغم من أن هذا الأمر قد جدّ بالفعل في العديد من المناسبات. وأفضل مثال على ذلك ما حصل في نيجيريا، حيث تحركت قوة هجومية بقيادة قائد المرتزقة الجنوب أفريقي البارز، إيبين بارلو، بنجاح ضد الجماعة الإسلامية المتشددة بوكو حرام سنة 2015. وقد أسندت شركة “إكزكتيف أوتكامز”، التي قام بارلو بتأسيسها، مهمة سحق قوة متمردي الجبهة الثورية المتحدة المدمرة في جمهورية سيراليون  التي مزقتها الحرب خلال تسعينيات القرن الماضي.

خلال وجبة الغداء، قدم غولان وغيلمور شكلا آخر استثنائيا من الخدمات التي يقدمها المرتزقة. لم يكن الأمر متعلقا بتوفير تفاصيل أمنية، أو حتى القتال العسكري التقليدي أو الحرب لمكافحة التمرد. ووفقا لما وصفه كل من غولان وغيلمور على حد السواء، فقد كان يتمحور حول “عمليات اغتيال ذات أهداف محددة”.

أفاد غولان وغيلمور لصالح موقع “بزفييد نيوز”، أن  فريق العمل سيحصل على 1.5 مليون دولار شهريًا، كما أنهم سيحصلون على مكافآت مقابل عمليات القتل التي تتم بنجاح

في سياق متصل، ذكر غيلمور أنه لا يتذكر أي شخص استخدم كلمة “اغتيالات” على وجه التحديد. لكن من الواضح أن الاجتماع الأول لم يكن منذ البداية يتعلق بأسر أو احتجاز قياديي حزب “التجمع اليمني للإصلاح”. في هذا الصدد، صرح غيلمور قائلا: “لقد كان هدفنا محددًا للغاية”. ولقد طُلب من غولان بشكل واضح وصريح أن يساعد في “إعاقة وتدمير” هذا الحزب، الذي وصفه بأنه “فرع سياسي لمنظمة إرهابية”. وتعهد غولان وغيلمور بأن أن يكونا فريق يتمتع بالمهارات المناسبة، وعلى وجه السرعة.

في الأسابيع التي تلت مأدبة الغداء، تم الاتفاق على الشروط اللازمة.

أفاد غولان وغيلمور لصالح موقع “بزفييد نيوز”، أن  فريق العمل سيحصل على 1.5 مليون دولار شهريًا، كما أنهم سيحصلون على مكافآت مقابل عمليات القتل التي تتم بنجاح. وقد رفض كل من غولان وغيلمور تحديد قيمة هذه المكافآت. في المقابل، سيتلقون نصف المبلغ لقاء القيام بأول عملية لإثبات ما يمكنهم فعله. في وقت لاحق، ستقوم مجموعة سبير للعمليات بتدريب الجنود الإماراتيين بشأن التكتيكات المتعلقة بالفرق الخاصة.

لقد كان لكل من غولان وغيلمور شرطا آخر. ووفقا لغولان، أراد كل منهما الاندماج في صلب  القوات المسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة‎ والحصول على الأسلحة وقائمة أهدافهم من قبل ضباط عسكريين نظاميين لأسباب قضائية. وقد أوضح غولان أنه “إذا فضح أمرنا، فإن الزي النظامي للقوات المسلحة الإماراتية والصفيحة المعدنية ستكشف الفرق بين المرتزقة والرجل العسكري”. وقال كل من غولان وغيلمور إن دحلان قد وقع على صفقة مع الحكومة الإماراتية، وبمقتضاها بدأت مجموعة سبير للعمليات في العمل.

يقف كل من غيلمور(وسط اليسار) وغولان (وسط اليمين)، وعسكريون تابعون لفريق المرتزقة، أمام طائرة عسكرية إماراتية.

في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد بدأ كل من غولان وغيلمور بجمع مجموعة من الجنود السابقين من أجل أول عملية لهم. وتعد مجموعة سبير للعمليات بمثابة شركة صغيرة، لا تشبه شركات الأمن العملاقة على غرار غاردا وولد أو كونسليس، لكنها تمتلك مجموعة هائلة من المواهب للاختيار من بينها وتوظيفها في عملياتهم. ومن بين النتائج غير الجلية جيدا للحرب على الإرهاب، التي ظهرت خاصة خلال الحرب الأمريكية على كل من العراق وأفغانستان التي امتدت على مدار 17 سنة، ارتفاع عدد قوات العمليات الخاصة إلى أكثر من الضعف منذ 11 أيلول/سبتمبر، حيث تجاوز 70 ألف مقاتل بعد أن كان 33 ألف فقط.

تظم هذه المجموعة الواسعة جنودا منشقين تم اختيارهم وتدريبهم واختبارهم من قبل وحدات النخبة في الجيش الأمريكي، على غرار نافي سيلز وقوات الصاعقة البرية الأمريكية. ووفقا لمسؤول رفيع المستوى في قوات نافي سيلز، طلب عدم الكشف عن هويته، من المعروف أن بعض الجنود الاحتياطيين يشاركون في عمليات تجنيد هادفة لتحقيق بعض الأرباح. وأضاف هذا المسؤول، قائلا: “أعرف عددًا من هؤلاء الجنود الذين يتولون مثل هذه العمليات”، مشيرا إلى أنه إذا لم يكن الجنود في الخدمة، فهم غير ملزمين بالإبلاغ عن الأعمال التي يقومون بها.

لكن الخيارات أمام الجنود القدامى والاحتياطيين التابعين للعمليات الخاصة لم تعد مثلما كانت عليه خلال السنوات الأولى من حرب العراق، حيث أصبح عمل قوات الأمن ​​الخاصة، التي تهدف في الغالب إلى حماية المسؤولين الحكوميين الأمريكيين في البيئات المعادية، يفتقر إلى الإثارة في المعارك الحقيقية. وقد شبهه أحد المتعاقدين السابقين مع هذه الشركة “بتوصيل الآنسة دايزي باستخدام بندقية إم-4”. كما أنه لم يعد مربحا كما كان من قبل.

يقول المتعاقدون إن أسعار العمليات الأمنية رفيعة المستوى بالنسبة للجنود القدامى كانت تتراوح بين 700 و800 دولار في اليوم، لكنها انخفضت إلى حوالي 500 دولار في اليوم. وقال كل من غولان وغيلمور إنهما يعرضان على الجنود الأميركيين الذين يعملون لصالحهم 25 ألف دولار في الشهر، أي حوالي 830 دولار في اليوم، بالإضافة إلى المكافآت، وهو ما يعتبر مبلغا كبيرا ومهما لا يوجد له مثيل في السوق.

على الرغم من ذلك، اقتحمت مجموعة المرتزقة في اليمن أرضا مجهولة بالنسبة لهم، مما جعل أداء بعض أفضل الجنود يتراجع. في الأثناء، أكد غيلمور أن الوضع لم يكن مأساويا لتلك الدرجة، حيث كان العديد من المجندين يتبجحون في قدراتهم.

بحلول نهاية سنة 2015، قام غولان، الذي قاد العملية، بمساعدة غيلمور بجمع فريق متكون من عشرات الرجال، ثلاثة منهم كانوا من الجنود القدامى الأمريكيين التابعين للقوات الخاصة، بينما ينتمي معظم الباقين إلى قوات الفيلق الأجنبي الفرنسي الذين كانوا يتلقون فقط حوالي 10 آلاف دولار في الشهر

من جهته، قال غيلمور أن سجله لم يكن مثاليا، فخلال تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية كان يقودها عندما كان عضوا في نافي سيلز، أطلق النار عن طريق الخطأ على  أحد زملائه الأمر الذي دفعه إلى مغادرة العمل سنة 2011. وقبل التحاقه بمجموعة سبير للعمليات، كان غيلمور يعمل مديرا تنفيذيا في شركة تيكيلا الحرفية. وقال غيلمور إن تلك الوصمة في حياته العسكرية تعد الدافع وراء المجازفة مع هذه الشركة، لأنه كان غير معروف ولم يكن من ضمن الجنود الاحتياطيين، كما أنه لم يكن يمتلك معاشا يخاف أن يخسره.

بحلول نهاية سنة 2015، قام غولان، الذي قاد العملية، بمساعدة غيلمور بجمع فريق متكون من عشرات الرجال، ثلاثة منهم كانوا من الجنود القدامى الأمريكيين التابعين للقوات الخاصة، بينما ينتمي معظم الباقين إلى قوات الفيلق الأجنبي الفرنسي الذين كانوا يتلقون فقط حوالي 10 آلاف دولار في الشهر. وأكد كل من غولان وغيلمور أن مستحقاتهم كانت أقل من نصف المبلغ المخصص لنظرائهم الأمريكيين.

اجتمع الفريق في فندق بالقرب من مطار تيتربورو الواقع في ولاية نيو جيرسي. وكانوا يرتدون مجموعة متنوعة من الملابس العسكرية، كان بعضها مستخدما للتمويه أما البعض الآخر فكان لونه أسود. وكان بعض أعضاء الفريق ملتحين وذوي عضلات وبعضهم الآخر يحملون وشوما على جسدهم وأقوياء البنية. وفي هذا السياق، قال غيلمور إنه عند مغادرة الفندق، قاموا بإقناع الموظفين هناك بإعطائهم العلم الأمريكي الذي يرفرف في الخارج. وخلال مراسم توزيع المهام، قاموا بطيه في شكل مثلث صغير وأخذه معهم.

كما قاموا بأخذ وجبات جاهزة معهم تكفيهم لبضع أسابيع وسترات واقعية وأجهزة اتصالات فضلا عن المعدات الطبية. وأفاد غيلمور أنه قام بإحضار سكين متعدد الاستخدامات  يحتوي على أداة خاصة لقطع الأسلاك بهدف تجهيز كبسولات النسف على المتفجرات. كما حرص الفريق على أن يحمل معه زجاجات من الويسكي أيضا، من نوع باسل هايدنز نظرا لصعوبة الحصول على كحول في اليمن، فما بالك بالأنواع الجيدة.

استقلت هذه المجموعة طائرة من طراز “غلف ستريم جي “550. وبمجرد انطلاق الطائرة، سار غيلمور إلى غرفة القيادة وأخبر الطيارين بوجود تغيير طفيف في خطتهم الجوية. فبعد التزود بالوقود في اسكتلندا، لن يتوجهوا إلى مطار أبوظبي التجاري الرئيسي بل إلى قاعدة عسكرية إماراتية في الصحراء.

 بطاقة أعمال مجموعة سبير للعمليات وفي الصورة الثانية: صفيحة معدنية تعود لغيلمور.

انطلقت هذه المجموعة من المرتزقة على متن طائرة نقل تابعة للقوات الجوية الإماراتية إلى قاعدة أخرى توجد في مدينة عصب الواقعة في إريتريا. خلال تلك الرحلة، تذكر غيلمور، كيف عقد ضابط إماراتي يرتدي الزي الرسمي اجتماعا مقتضبا معهم، قدم لهم خلاله قائمة المستهدفين. بالإضافة إلى ذلك، منحهم 23 بطاقة و23 اسما و23  صورة للشخصيات المستهدفة. وتتضمن كل بطاقة معطيات استخباراتية أولية لدور الشخص في السياسة اليمنية، على سبيل المثال، أو معلومات حول مقر إقامته أو أكثر من مقر.

حيال هذا الشأن، قال غيلمور إن بعضا من هؤلاء السياسيين كانوا أعضاء من حزب التجمع اليمني للإصلاح. كما تضمنت القائمة رجال دين، وإرهابيين خطيرين. لكنه أقر بعدم قدرته على تأكيد ذلك. وقد حصل موقع بزفييد نيوز على بطاقة أحد الأشخاص المستهدفين تتضمن اسمه وصورته الفوتوغرافية بالإضافة إلى رقم هاتفه فضلا عن معلومات أخرى. كما يوجد أعلى يمين البطاقة شعار الحرس الرئاسي لدولة الإمارات.

لقد كانت دوافع الاغتيال والجماعة التي ينتمي إليها ذلك الشخص غامضة. وقد كان من غير الممكن الوصول إليه ليعلق على هذا الموضوع، وليس من المعروف أيضا ما إذا كان على قيد الحياة أم وقعت تصفيته.

في الحقيقة، لعبت الاغتيالات، تاريخيا، دورا محدودا في الحروب الأمريكية والسياسة الخارجية للولايات المتحدة. وفقا لسيرة وليام دونوفان التي كتبها دوغلاس والر، قام دونوفان الذي يعرف باسم “بيل البري”، والذي كان يرأس مكتب الخدمات الإستراتيجية التي أصبحت اليوم تعرف بوكالة المخابرات المركزية، سنة 1945 بتسليم خطة نهائية لنشر فرق متخصصة في القتل في جميع أنحاء أوروبا لتصفية القادة النازيين على غرار هتلر وهاينر هيملر وهيرمان غورينغ، علاوة على مجموعة من الضباط التابعين لمنظمة شوتزشتافل برتبة لواء أو أعلى. لكن رئيس مكتب الخدمات الإستراتيجية شعر بالانزعاج من حملة “الاغتيال واسعة النطاق” وقام بإلغائها.

خلال الحرب الباردة، لعبت وكالة المخابرات المركزية دورا كبيرا في حبك المؤامرات التي تهدف لاغتيال زعماء أجانب، على غرار رئيس وزراء جمهورية الكونغو الديمقراطية، باتريس لومومبا ودكتاتور جمهورية الدومينيكان رافائيل تروخيو والسياسي الفيتنامي رافائيل تروخيو. وبعد اندلاع حرب الفيتنام، أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية، بالتعاون مع وكالة المخابرات المركزية، برنامج فينيكس، الذي تعاون بموجبه جهاز المخابرات مع الوحدات العسكرية الأمريكية لاغتيال قادة الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام.

مع ذلك، لم تمثل عمليات القتل المستهدفة ركيزة أساسية للإستراتيجية العسكرية الأمريكية في فيتنام. والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية حظرت عمليات اغتيال القادة الأجانب فور كشف الكونغرس عن حقيقة أنشطة وكالة المخابرات المركزية في سبعينات القرن الماضي.

ثم جاءت الحرب على الإرهاب

خلال فترة جورج بوش الرئاسية، استخدمت وكالة المخابرات المركزية، رفقة الجيش الأمريكي، الطائرات دون طيار لقتل الإرهابيين كما طورت قدرات متعددة للقتل بصفة سرية. ومن جهته، أوقف الرئيس باراك أوباما برنامج الاغتيال السري الذي تبنته الوكالة، لكنه عمد إلى تكثيف استخدام الضربات الجوية بواسطة الطائرات دون طيار في كل من باكستان واليمن وأفغانستان والصومال.

مع تحول الاغتيالات المنظمة إلى جزء روتيني من الحرب في المنطقة، تعمقت رغبة الإمارات العربية المتحدة الخاصة في شن هذه الهجمات

نتيجة لذلك، سرعان ما استخدمت وكالة المخابرات المركزية والجيش الأمريكي الطائرات الموجهة عن بعد باستخدام شاشات الفيديو لقتل الأشخاص الذين لم تكن الولايات المتحدة تعرف هوياتهم بالأساس. ولتحقيق هذا الهدف، اعتمد القائمون على هذه العمليات استراتيجية “القتل المستهدف”، التي تهتم فقط بعلاقات الهدف ونشاطه. ومن جهته، خفف الرئيس دونالد ترامب من القيود المسلطة على عمليات القصف بواسطة الطائرات دون طيار بشكل كبير.

في الوقت الذي تحتفظ خلاله الكثير من الشركات العسكرية الخاصة في الكثير من الأحيان بالطائرات دون طيار ويتسنى لها قيادتها، يبرز جليا أنها غير قادرة على تجاوز القانون الذي يقضي بأن الضباط الرسميين وحدهم قادرون على الضغط على الزر الذي يطلق الصواريخ من هذه الطائرات وقتل الهدف.

مع تحول الاغتيالات المنظمة إلى جزء روتيني من الحرب في المنطقة، تعمقت رغبة الإمارات العربية المتحدة الخاصة في شن هذه الهجمات. وفي هذا الصدد، كانت البلاد قد بدأت تستعرض عضلاتها العسكرية، حيث سبق لها أن أصبحت عضوا مهما في الحرب على اليمن بحلول سنة 2015. وسرعان ما استهدفت الدولة الخليجية حزب الإصلاح اليمني، وهو الحزب السياسي الإسلامي الفائز بحوالي 20 بالمائة من إجمالي الأصوات في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في اليمن التي أجريت سنة 2003.

حيال هذا الشأن، تشير الخبيرة في شؤون اليمن في جامعة أكسفورد، إليزابيث كيندل، إلى أن حزب التجمع اليمني للإصلاح يشارك في العملية السياسية خلافا لتنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى، التي تحاول الاستيلاء على السلطة عن طريق استخدام العنف. وفي المقابل، قالت كيندل إن الهجمات التي تشنها الولايات المتحدة بواسطة الطائرات دون طيار أضفت شرعية على مساعي الدول الأخرى لتنفيذ الاغتيالات الخاصة بها. وصرحت الخبيرة السياسية أن “الفكرة العميقة والغامضة للحرب على الإرهاب فتحت الباب على مصراعيه لأي نظام يبرر هجماته بالقول إنها تندرج ضمن إطار مكافحة الإرهاب”.

أفاد غيلمور وغولان أن اغتيال زعيم حزب الإصلاح في عدن، إنصاف علي مايو، كان يقع على رأس المهام الموكلة إليهم من طرف الإمارات. ويتميز مايو بشعره القصير ونظاراته الفريدة من نوعها، فضلا عن لحيته الصغيرة التي تتماشى مع شاربه الكثيف. وسبق للسياسي اليمني أن تحدث إلى صحيفة واشنطن بوست سنة 2012 للحديث عن هجمات الطائرات الأمريكية من دون طيار في اليمن، حيث أكد أن هذه الهجمات أدت إلى زيادة نفوذ تنظيم القاعدة عوضا عن الحد منه.

على الرغم من اقتراف بعض الأخطاء البارزة والمحرجة، يرى قائد العمليات أن البرنامج يتم العمل به على نحو سليم

عند سؤاله عن الجوانب الأخلاقية لعمليات قتل القادة السياسيين غير المسلحين لحزب الإصلاح ومدى شرعيتها، عوضا عن الإرهابيين المسلحين، أفاد غولان قائلا: “أعتقد أن هذا التناقض هو عقلي بالأساس”. و تابع أبراهام غولان أنه يعمل على تصميم عمليات الاغتيال التي يقودها بناء على برنامج القتل المستهدف الذي تعتمده إسرائيل، والذي تبنته حكومتها منذ تأسيسه.

على الرغم من اقتراف بعض الأخطاء البارزة والمحرجة، يرى قائد العمليات أن البرنامج يتم العمل به على نحو سليم. وبالنسبة لبعض الأعداء الخطيرين من ذوي التوجهات الإرهابية، الذين يصعب إلقاء القبض عليهم، يرى غولان أن اغتيالهم هو الحل الأمثل.

يصر غولان على عدم اعتبار فريقه مجموعة من الأشخاص المختصين في عمليات القتل. وللتأكيد على هذه المزاعم، أورد القائد العسكري أنه بالتزامن مع استمرار مهام فريقه، قدمت الإمارات عدة أهداف لا علاقة لها بحزب الإصلاح أو أي جماعة إرهابية، إلا أنه رفض قتلهم. وفي الوقت الحالي، لا يمكن التحقق من صحة هذه الإدعاءَات.

علاوة على ذلك، أوضح غيلمور وغولان أن استهداف الأسماء التي قررت الإمارات تصفيتهم كان عملا شرعيا لأنه تم اختيارهم من قبل الحكومة الإماراتية نفسها، التي تعد حليفا للولايات المتحدة الذي انخرط في عمل عسكري تدعمه حكومتها. وأضاف الرجلان أنهما أبلغا الإمارات بعدم استعدادهما للقيام بأفعال تتنافى مع المصالح الأمريكية. ومن جهته، ادعى غولان أن خبرته العسكرية مكنته من تحديد ما إذا كان الهدف يمتلك توجهات إرهابية بعد مراقبته لمدة أسبوع أو أسبوعين فقط.

في المقابل، اعترف غيلمور أن بعض الأهداف قد يكونون أشخاصا لم يعودوا يحظون بتأييد العائلة الحاكمة في الإمارات. وفي إشارة إلى ولي العهد محمد بن زايد، قال غيلمور: “هناك احتمال بأن يكون الهدف شخصا لا يحبه ولي العهد، نحن سنحاول التأكد من عدم حدوث ذلك”.

فور وصولهم إلى عدن، وقع منح المرتزقة الأسلحة اللازمة، التي قال غيلمور وغولان إنها كانت مجرد بنادق صينية ذات جودة رديئة وقذائف آر بي جي. وفي مرحلة ما، تلقى الرجلان تعيينا رسميا في صلب الجيش الإماراتي، حيث تم تعيين جيلمور عقيدا داخل الجيش، في حين مُنح غولان رتبة مقدم. وتعد هذه الرتب العسكرية المرموقة ترقية كبيرة بالنسبة لرجل خرج من من البحرية الأمريكية برتبة ضابط صف.

لا يزال غيلمور محافظا على الصفيحة المعدنية لتحديد هويته رفقة الجيش الإماراتي، وهي قطعة مستطيلة من الذهب الأبيض نقشت عليها فصيلة دمه بحروف لاتينية “AB-” واسمه باللغة الإنجليزية من جهة، وباللغة العربية من جهة أخرى. وأوضح غيلمور إنه اكتشف نمط حياة مايو اليومية بالاستعانة بالمعلومات التي تسلمها من طرف الأجهزة الاستخباراتية. وتمكن القائد العسكري من معرفة المنزل الذي كان يعيش فيه السياسي اليمني، فضلا عن المسجد الذي يصلي فيه والأعمال التجارية التي يمارسها.

وحيال مقتل إنصاف علي مايو، أفاد غيلمور إنه قضى عيد الميلاد في الاحتفال مع المرتزقة الآخرين ومشاركة الشراب والتشاور حول الطريقة المثلى لاغتيال الرجل اليمني، وعما إذا كانوا سيعتمدون غارة جوية أو سيرمون عليه قنبلة أو يقوموا بقنصه. وبين غيلمور أنهم كانوا يمتلكون حوالي خمس أو ست طرق لإنهاء حياة مايو.

بعد مراقبتهم لمقر حزب الإصلاح لمدة قصيرة، قرر المرتزقة استخدام المتفجرات. وقال غيلمور أنه رسم خطة الهجوم بواسطة قلم تحديد أسود على أرضية الخيمة التي كان يلازمها، وأظهرت خطته جميع الأمور المتعلقة بالهجوم، على غرار الخطوات اللازمة وطريق الهروب. وبعد اطلاع زملائه على الخطة، أخرج سكين جيبه ليقطع نسيج الخيمة القاسي ويحرق الورقة التي كتب عليها خطته، وقال: “لا أريد لمثل هذه الورقة المكتوبة بخط يدي أن تحوم بالأرجاء”. وبعد يومين، أشار غيلمور إلى أنه تحصل على معلومة مفادها أن مايو سيكون بمكتبه لحضور اجتماع كبير.

 اجتمع غولان مع غيلمور، وهو عنصر سابق في وحدة العمليات الخاصة “سيل” التابعة للقوات البحرية الأمريكية، وجندي سابق في وحدة دلتا فورس، وذلك من أجل القيام بالمهمة الموكلة إليهما. وقد تركوا جانبا حافظات الأوراق وكل ما يشير إلى هوياتهم، وارتدوا أزياء غير نظامية، حيث ذكر غيلمور أنه ارتدى قبعة بيسبول وحذاء ركض من انتاج شركة سولومون للملابس الرياضية، وسترة مليئة بالجيوب الإضافية لتخزين الذخيرة. وقد حمل كلاهما بندقية أي كي 47، وحمل أحدهم قنبلة شظايا.

مع مرور فترة من سنة 2016، بدأ المتابعون للوضع المتدهور في اليمن يلاحظون أن أعضاء حزب الإصلاح وباقي رجال الدين في اليمن، كانوا يتساقطون قتلى بنسق مثير للذعر

في مرحلة موالية، امتطى غيلمور وغولان ورجلين آخرين العربة المصفحة التي كان يقودها جنود إماراتيون يرتدون ملابس مدنية. أما الكتيبة الفرنسية فقد كانت في عربة مدرعة أخرى، وقفت على بعد مسافة قصيرة من موقع الهجوم، استعدادا للتدخل العاجل إذا واجه الأمريكيون أية صعوبات. ثم فتحت بوابات القاعدة العسكرية وخرجوا إلى الشوارع المظلمة في ليل عدن.

ليس من الواضح بالضبط ما الذي سار على نحو خاطئ

قبل وصول المرتزق إلى الباب الأمامي، حاملا معه المتفجرات التي تهدف إلى قتل مايو، قام أحد رفاقه المقاتلين في الجهة الخلفية من المدرعة بإطلاق النار، مستهدفا كامل الشارع الخلفي. كما كانت هناك طائرة دون طيار تحلق فوقهم، وفي مقطع الفيديو الذي حصل عليه موقع بزفييد نيوز، يظهر طلق ناري ولكن لا يظهر الهدف الذي كان يستهدفه الأمريكيون. كما لا يظهر في مقطع الفيديو الذي تم تصويره بالطائرة وجود أي طرف يرد على إطلاق النار ليستهدف المرتزقة.

وقد قال غيلمور إنه هو نفسه من أطلق النار على شخص في ذلك الطريق، ولكن بندقيته أصيبت بعطل. وقال إنه لم يكن متأكدا من أنه بصدد إطلاق النار عليهم. ولكن على أي حال، واصل المرتزق الذي كان يحمل المتفجرات إلى المبنى طريقه رغم كل الضوضاء من حوله، على امتداد كامل العشرين ثانية التي يظهرها مقطع الفيديو.

في الأثناء، ومن أجل ضمان الهروب، ركض المرتزقة إلى العربات العسكرية الإماراتية، ثم فجأة حدث انفجار، -“القنبلة عند الباب”- ثم تلتها الثانية التي كانت أكبر. كان الانفجار الثاني في مدرعة المرتزقة، إذ يقول غيلمور وغولان إنهم قاموا بزرع أفخاخ فيه للتمويه بمصدر القنبلة، وإرباك حزب الإصلاح، وزيادة حجم الدمار.

في مرحلة موالية، عاد الفريق إلى القاعدة العسكرية دون اصطحاب شيء مهم كانوا في حاجة إليه، وهو ما تسميه قوات العمليات الخاصة الأمريكية “تطابق الهوية”، أي إحضار دليل على أن مايو كان قد قتل، مثل جلب صورة له أو عينة من حمضه النووي.

في هذا المعنى، يذكر غيلمور أن هذا الأمر سبب لهم بعض المشاكل مع دحلان. ولكن رغم ذلك، بدا أن مايو قد اختفى. فقد أصبح نادرا ما يضع منشورات على صفحته في فايسبوك. ويقول غيلمور وغولان إنه لم يظهر للعلن لفترة من الزمن. ولكن رغم ذلك، لم يعلن حزب الإصلاح عن وفاته، مثلما حدث عندما تعرض أعضاء آخرين تابعين له للاغتيال. والسبب وراء ذلك، بحسب ما ذكره متحدث باسم الحزب في حوار هاتفي، هو أن مايو كان حيا، فقد غادر ذلك المبنى قبل عشر دقائق من انطلاق الهجوم. وأصبح يعيش في المملكة العربية السعودية بداية من تموز/ يوليو . وبحسب هذا المتحدث، فإنه لم يقتل أي أحد في ذلك الهجوم الذي شنه المرتزقة.

من جهة أخرى، يبدو أن مايو قد عاد للظهور في المشهد السياسي اليمني. فقد تم تعيينه في أيار/ مايو الماضي، في منصب من قبل الرئيس اليمني عبد ربه هادي منصور، بحسب ما ذكره شارلز شميت، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط واليمن في جامعة تاوسن في ميريلاند. وقال شميت إنه عثر على صورة حديثة لمايو وهو يقف وسط مجموعة رفقة مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن. ورغم ذلك، يصر غولان على أنه تم تحييد مايو،  على الأقل، لبعض الوقت، ويقول: “بالنسبة لي يمثل هذا الأمر نجاحا نظرا لأن الرجل قد نجا”.

 جنود من الإمارات العربية المتحدة، يقفون متأهبين بينما يتم تفريغ معدات عسكرية من طائرة عسكرية إماراتية في مطار عدن، في 12 آب/ أغسطس 2015.

رغم الفشل في قتل مايو، فإن الهجوم بالقنابل الذي شنه المرتزقة كشف عن مرحلة جديدة كليا في الحرب التي تشنها الإمارات العربية المتحدة ضد حزب الإصلاح. وفي هذا المعنى، يقول شميت: “لقد كانت تلك الحادثة مثيرة للتعجب كشفت عن كون حزب الإصلاح من الجهات المستهدفة الآن”. وقد ذكر المتحدث باسم حزب الإصلاح، الذي حاوره موقع بزفييد نيوز، التاريخ الذي وقعت فيه العملية، وهو 29 كانون الأول/ ديسمبر من سنة 2015، معتبرا أنه تاريخ أول هجوم.

مع مرور فترة من سنة 2016، بدأ المتابعون للوضع المتدهور في اليمن يلاحظون أن أعضاء حزب الإصلاح وباقي رجال الدين في اليمن، كانوا يتساقطون قتلى بنسق مثير للذعر. ويشير غريغوري جونسون من مؤسسة أرابيا فاونديشن، الذي عمل في سنة 2016 مع لجنة من الأمم المتحدة للتحقق في الحرب اليمنية إلى أن “ما حدث يبدو مثل حملة استهداف، فقد تم ارتكاب ما بين 25 و30 عملية اغتيال، رغم أن عددا قليلا منها كان يحمل بصمات تنظيم الدولة”. (تجدر الإشارة إلى أن جونسون كان يكتب أيضا في موقع بزفييد نيوز). ويقول كيندال، الخبير في جامعة أوكسفورد: “هنالك اعتقاد شائع على الأرض في اليمن بأن الإمارات تقف وراء اغتيال مسؤولي ونشطاء حزب الإصلاح”.

غولان قال إن فريقه قتل العديد من هؤلاء الضحايا، ولكنه رفض تقديم عدد محدد أو أسماء

عندما قرأ موقع بزفييد نيوز أسماء بعض القتلى على غيلمور، أومأ برأسه مقرا باسمين اثنين، وقال: “ربما يمكنني حتى أن أتعرف على وجهيهما، لقد كانا من بين قائمة أهداف الفريق”. ولكنه أكد في نفس الوقت على أنه لم يكن متورطا بشكل مباشر في قتلهما. وقال غولان إن فريقه قتل عددا من هؤلاء الضحايا، إلا أنه رفض تقديم عدد محدد أو أسماء. ولكن، بعد مهمتهم الأولى التي حققت نصف فشل، قرر هؤلاء المرتزقة القيام بانطلاقة جديدة.

أثناء تنقلهم في اليمن لأداء عملهم، كان المرتزقة يقيمون في أكواخ، وينامون في أسرّة متنقلة

في هذا الصدد، تخلص المرتزقة  من الكتيبة الفرنسية، وعوضوها بالأمريكيين. كما وفرت لهم الإماراتيون أسلحة أفضل ومعدات أكثر تطورا، حيث يذكر غولان وغيلمور أنهم حصلوا على متفجرات سي4، ومسدسات مزودة بكاتم صوت، وبنادق أم 4 أمريكية الصنع وهي في غاية التقدم التكنولوجي. كما تم أيضا تزويدهم بدراجات نارية يمكنهم استخدامها للتحرك بسرعة وسط زحمة السير في عدن ووضع القنابل المزودة بمغناطيس على جوانب السيارات.

يؤكدون في نفس الوقت أن مصدر كل هذه التجهيزات هو الجيش الإماراتي. وقد بقي غيلمور في هذا المكان لفترة قصيرة فقط، حيث يقول إنه غادر مجموعة سبير للعمليات في نيسان/ أبريل من سنة 2016. وقد رفض هو وغولان الإفصاح عن السبب، ولكن غيلمور قال إنه يتمنى لو كان أكثر شراسة في اليمن: “لو كان بإمكاني القيام بالأمر مجددا، فإنني سأكون أقل إقبالا على المخاطرة، كما كان من الممكن القيام بأشياء مذهلة هنالك، ولكن يمكن أن ينتهي بنا الأمر في السجن”.

من جهة أخرى، يدعى أحد العناصر الجديدة في الفريق، وقد تم انتدابه في بداية سنة 2016، الذي يعد بدوره  عنصرا سابقا في الفريق السادس في وحدة العمليات الخاصة “سيل”، دانييل كوربيت، بحسب ثلاثة مصادر وبحسب الصور. وقد كان كوربيت جنديا رائعا، بحسب زملائه الذين عرفوه، وشارك في العديد من الجولات القتالية في أفغانستان والعراق. ولا يزال كوربيت ضمن جنود الاحتياط. ولذلك، يمكن للجيش الأمريكي استدعاؤه في أي لحظة.

كان يحصل على مرتب حكومي، ويفترض أن يشارك كل شهر في تدريبات عسكرية. ورغم ذلك، فإنه كان متواجدا في اليمن في إطار عقد خاص للعمل لصالح جيش أجنبي. ومن غير الواضح ما إذا كان هو نفسه متورطا في تنفيذ مهمة اغتيال أي شخص. وفي بسبب أحداث غامضة، يقبع كوربيت الآن في السجن في صربيا، حيث يتم التحقيق معه بتهمة حيازة مسدس يدوي غير مرخص. ولا يزال هذا الجندي الأمريكي السابق محتجزا هنالك منذ شباط/ فبراير 2018. علاوة على ذلك، لا يمكن الاتصال بكوربيت، كما لم يرد محاميه على اتصالاتنا لتقديم أي تعليقات.

لا تزال الكثير من المعلومات حول مجموعة سبير للمرتزقة غير معروفة، وقد عبّر بعض الذين شاركوا في المجموعة بكل وضوح عن عدم رغبتهم في تسليط الضوء على تجربتهم

أثناء تنقلهم في اليمن لأداء عملهم، كان المرتزقة يقيمون في أكواخ، وينامون في أسرّة متنقلة. وكان بعضهم يحمل أسلحة مخصصة للقتال على مسافة قريبة. وبحسب بعض المصورين، كان أحدهم يحمل اثنين من السكاكين في حزامه مجهزة ليتم استخدامها في أي لحظة، فيما كان آخر يحمل صاروخ توماهوك صغير.  وقد بدأ يتطور لدى هؤلاء المرتزقة شعور بالانتماء والولاء للمجموعة، بحسب وصف غيلمور الذي يقول إنهم صنعوا لأنفسهم علما تظهر فيه جمجمة وسيفان متقاطعان، وقاموا برسم ذلك الشعار على عرباتهم العسكرية وأماكن إقامتهم.

لا تزال الكثير من المعلومات حول مجموعة سبير للمرتزقة غير معروفة، وقد عبّر بعض الذين شاركوا في المجموعة بكل وضوح عن عدم رغبتهم في تسليط الضوء على تجربتهم. وفي هذا المعنى، أجاب أحد الأمريكيين عن التساؤل حول ما إذا قد تم إرساله لأداء مهمة في اليمن بالقول: “حتى لو تم ذلك، أنتم تعلمون أنه ليس بإمكاني مناقشة الأمر”. في المقابل، وجّه عنصر سابق في القوات الأمريكية، وهو الذي شوهد وهو يضع في فمه حلوى مصاصة أثناء المهمة، رسالة نصية إلى موقع بزفييد نيوز يقول فيها: “إن السبق الصحفي بالنسبة لكم قد يعني قصة حزينة بالنسبة للشخصيات المعنية، خاصة إذا كانوا رجالا جيدين يقومون بالشيء الصحيح حتى لو لم يكن قانونيا”.

من جانبه، قال غيلمور إنه كان يفضل البقاء بعيدا عن الأضواء، إلا أنه قرر الحديث لبزفييد نيوز لأنه عندما ينكشف هذا الأمر لن يكون بمقدوره التملص منه. ولذلك، فإنه يفضل أن يكون هو الشخص الذي يروي القصة أولا، ويرفض الاختباء والتنصل مما فعله. وقال أيضا: “إن تلك العمليات، بشكل ما، كانت نوعا من حروب المستقبل”. وقد خرج الآن غيلمور من قطاع المرتزقة، وقد وجد لنفسه وظيفة أخرى، التي تتم ممارستها أيضا في الظل، ولكنها أقل خطورة. وقد ذكر أنه بات يعمل مع شركة في كاليفورنيا تخطط لاستخلاص الزيت من القنب الهندي من أجل استخدامه في السجائر الإلكترونية.

المصدر: بزفييد نيوز

ترجمة:noonpost

قد يعجبك ايضا