المصدر الأول لاخبار اليمن

رصيف المظالم في صنعاء.. وجهة الباحثين عن العدالة

صنعاء // تقرير خاص// وكالة الصحافة اليمنية // “عرض حال“ عنوان متجدد لأقدم صحيفة استخدمها الإنسان، وكانت ولا تزال الوسيلة الأبرز للتواصل بين الحاكم والمحكوم..   إلى هنا منذ عصر الريشة واليراع وحتى عصر الحبر الجاف والأقلام الجاهزة، يأتي الباحثون عن الحروف والكلمات لرسم ما في صدورهم من هموم وتحويلها إلى صور، يحرصون على أن […]

صنعاء // تقرير خاص// وكالة الصحافة اليمنية //

“عرض حال“ عنوان متجدد لأقدم صحيفة استخدمها الإنسان، وكانت ولا تزال الوسيلة الأبرز للتواصل بين الحاكم والمحكوم..

 

إلى هنا منذ عصر الريشة واليراع وحتى عصر الحبر الجاف والأقلام الجاهزة، يأتي الباحثون عن الحروف والكلمات لرسم ما في صدورهم من هموم وتحويلها إلى صور، يحرصون على أن يمزجها الكاتب “عارض الحال“ بلون مظالمهم وتفاصيل أحزانهم وهمومهم، وأن ينتقي من التعابير ما يجعلها تعكس ما في صدورهم من آلام ومعاناة..

 

عارضوا الحال أو كتاب الشكاوى – كما يسميهم الناس- لا يتبعون عند إصدار صحيفتهم أي سياسة أو يلتزمون بخطوط عريضة عند تحرير اصداراتهم، ولا يخشون مقص رقيب ولا يختارون زبائنهم ولا ينتقون القضايا التي يتناولونها ويكتبون عنها، ولأنهم كذلك كانت وستظل صحفهم المساحة الأكثر تجسيدا لحرية الرأي والتعبير.

 

إلى رصيف المظالم جاء الكثير من الناس يحملون همومهم ومظالمهم .. جميعهم جلسوا بجوار محرر صحيفة المظالم وجميعهم همسوا ونقلوا إليه ما تخبئه صدورهم من أسرار، ووحدها صحيفة الرصيف ذات النسخة الواحدة حملت هموم ومظالم من لا يجيدون رسم الحروف وتوصيف الحال واختيار التعابير.

مزارعون استضعفهم الأقوياء  واغتصبوا أراضيهم.. أرامل وأيتام فقدوا العائل وتكالب عليهم الأهل وجار عليهم ذوو القربى..

مطلقات تنكر لهن أزواجهن ولم يرعوا للود جميلا، وفي زمن قست فيه القلوب وجدن أنفسهن وحيدات في منتصف الطريق..

نساء أنكر أقربائهن حقوقهن في الميراث ويبحثن عن القليل من الحقوق وما تبقى من صلة الرحم.. والكثير من المنسيين والمكلومين والمحرومين والمظلومين.

جميعهم جاءوا إلى هنا، حتى الظلمة جاءوا، ودونما تمييز أصدرت مطابع الرصيف لكل قضية صحيفة، نسخة خاصة للشاكي ونسخة للمشتكى به.. نسخة خاصة للمظلوم ونسخة للظالم.. ووحدهم محررو صحيفة الرصيف من يجيدون التوصيف ورسم الهموم وتصوير المعاناة وقبل ” أما بعد“ يكتبون مقدمة تلامس عواطف وإنسانية الحكام والقضاة وولاة الأمر..

 

حال عارض الحال

 

علي حسن الوصابي رجل في منتصف العقد السابع من العمر، يفترش الرصيف وعند بوابة مسجد قبة المهدي بميدان التحرير اتخذ لنفسه متكئا وعنوانا دائما لصحيفة المظالم التي يحرر نسخها المتعددة القضايا وينفرد بإدارتها وطباعتها وإصدارها منذ سنوات طويلة.

في الصباح الباكر يأتي الحاج علي، وهنا على  رصيف المظالم ينصب مظلته التي تشكل سقف مؤسسته الطباعية التي لا تتجاوز مساحتها ما تغطيه دائرة الظل.

جلست إلى جوار الحاج علي فنظر إلي باستغراب، ربما رآني لا اشبه زبائنه، وقبل أن يسألني بادرته بالكلام وأخبرته انني جئت إليه أحمل قضية ومظلمة شخص أخر.. وبعد جلسة تعارف أطلعته فيها على هويتي الصحافية سألته:

– لو حدثتك عن شخص وطلبت منك أن تكتب شكواه فهل تستطيع أن تكتب مظلوميته؟

* فأجابني بكل ثقة: نعم أستطيع.. هذا عملي ولن يكون صعبا، أنت بس قل لي وأنا مستعد.

– قلت: إذا اكتب لي مظلوميتك يا حاج علي.. اريدك أن تكتب عن نفسك.. وتتحدث عن تجربتك مع القلم والورقة في رصيف المظالم.

* ابتسم الحاج علي ابتسامة عريضة لم تستطع أن تخبئ ما يسكن صدره من أسرار، و قال: مظلمتي أنا..؟! لا أستطيع فلم تعد لدي مظلمة.. لقد أنستني مظالم الناس التي أكتبها منذ سنوات طويلة أن لدي مظلمة.

الحاج علي اكتفى بحديث قصير أفصح فيه عن ضعف اقبال الزبائن وأن المردود المادي الذي يجنيه من وراء هذه المهنة لم يعد يكفي لإعالة اسرة كما كان في السابق، ليس لأن الناس لم يعد لديهم مظالم وإنما لكثرة المتعلمين، والكثير من الناس يكتبون عرائضهم بأنفسهم أو يذهبون لمحلات الطباعة بالكمبيوتر ولم يعودوا في حاجة للحروف والخطوط الجميلة التي يرسمها قلم “الحاج علي” وأمثاله من كتَاب الشكاوى والعرائض ولهذا السبب قل عدد الزبائن وأوشك محررو الصحيفة الأولى على الاختفاء ومغادرة رصيف المظالم.

بطاقة

الاسم: علي حسن الوصابي العمر: 75 عاما

المهنة: عارض حال  مكان العمل: رصيف المظالم

قد يعجبك ايضا