المصدر الأول لاخبار اليمن

محللون سياسيون عرب يتحدثون عن نتائج التحركات الأمريكية ـ الروسية الأخيرة في الشرق الأوسط

 حلمي الكمالي / وكالة الصحافة اليمنية //

في ظل المتغيرات السياسية والعسكرية التي تشهدها المنطقة والعالم؛ تأتي زيارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى “إسرائيل” والسعودية، لتثير الكثير من التساؤلات والإهتمام في هذا التوقيت الحساس.

فما دلالات هذه الزيارة وما علاقتها بفشل وتراجع المشاريع الأمريكية الغربية في المنطقة والإقليم، وانعاكساتها على الملفات الساخنة وعلى رأسها اليمن وسوريا والعراق ولبنان والخليج؟ وما مصير تداعياتها عقب تدشين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارة موازية إلى إيران وعقد قمة ثلاثية مع نظيريه الإيراني والتركي ؟!

 “وكالة الصحافة اليمنية” ناقشت مع نخبة من المراقبين والسياسيين العرب، والعديد من المهتمين بقضايا الشرق الأوسط أبعاد ونتائج زيارة الرئيس الأمريكي بايدن إلى المنطقة، والزيارة التي اعقبتها للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران وعقد القمة مع الرئيسين الإيراني والتركي.

فشل الزيارة قبل موعدها

زيارة عجوز “البيت الأبيض” إلى المنطقة، سبقها ترويج واسع من قبل الإدارة الأمريكية، استمرت لأكثر من شهرين، على المستوى الإعلامي والرسمي، وهو ما وصفته الصحافة الدولية والغربية تحديدا؛ كمحاولة لإعطاء الزيارة “أهمية كبيرة”، بعد ما لاقته من انتقادات واسعة قبيل حدوثها، بحسب مراقبين.

المحلل السياسي الفلسطيني سعادة مصطفى أرشيد: الخلافات السعودية الأمريكية ناتجة عن فشل مشترك بين واشنطن ووكلائها

 

استقبال بايدن في مطار الملك عبدالعزيز

وبعيدا عن الانتقادات التي سبقت زيارة الرئيس الأمريكي، فإن الكثير من التناقضات قد رافقت أحداث الزيارة منذ هبوط طائرته في مطار الملك عبدالعزيز في جدة، قادمة من مطار بن غريون في “تل أبيب”، ومراسيم الإستقبال المتواضعة للرئيس بايدن، بعد غياب الملك السعودي وولي عهده عن استقباله، وهو ما دفع كثيرين للحديث عن تصاعد الخلافات السعودية الأمريكية.

ويؤكد المحلل السياسي الفلسطيني سعادة مصطفى أرشيد في حديثه لـ”وكالة الصحافة اليمنية” أن: الخلافات السعودية الأمريكية تعبر فقط عن فشل متبادل للمشاريع المشتركة بين البلدين.

 

 

الكاتب الفلسطيني سعادة أرشيد

ويوضح أرشيد أن زيارة الرئيس الأمريكي لم تكن سوى تخدير لحلفاء الولايات المتحدة العاجزين عن لململة إخفاقات تلك المشاريع التي دفعت بهم إلى مستقبل مجهول.

ويضيف ” الإدارة الأمريكية لم تعد تملك في جبعتها ما تقدمه، فاستغلت الزيارة العقيمة، لإحياء ملف إعلان التطبيع الإسرائيلي السعودي، ودفعه إلى سطح المشهد، ومحاولة دمج المنطقة بأسرها في الكيان الصهيوني.

التطبيع الإسرائيلي السعودي لا يعالج مخاوف واشنطن

 

يجمع المراقبون والمحللون السياسيون أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، قد دشن خلال زيارته إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة والسعودية على التوالي، عملية نقل التطبيع القائم بين الكيانين منذ سنوات، من تحت الطاولة إلى فوق الطاولة، إلا أن هذا التدشين، لن يساهم في تهدئة المخاوف والأزمات التي أثقلت كاهل الرئيس العجوز وأفقدته ذاكرته، خاصة تلك المتعلقة بمستقبل المنطقة، أو بالأصح مستقبل الوجود الأمريكي في المنطقة.

الوجود الأمريكي بالمنطقة في خطر حقيقي

وفقا لآراء مهتمين في الشؤون السياسية العربية، فإنه مع تنامي قوة محور المقاومة خلال السنوات القليلة الماضية، أصبح الوجود الأمريكي بالمنطقة في خطر حقيقي، بالأخص مع المتغيرات التي تشهدها مسارح المواجهة مع القوى المناهضة للهيمنة والوصاية الغربية وعلى رأسها الحرب العدوانية المفروضة على اليمن، والتي تحولت إلى مسألة تؤرق الأمريكيين، في ظل عجز التحالف السعودي عن تحقيق أي نصر حقيقي طوال السبع السنوات الماضية، وترجيح كفة صنعاء في حسم المعركة.

وبالطبع كان الملف اليمني من أبرز الملفات الساخنة المعروضة في “قمة جدة”، حيث استقبلت آخر رحلة لصواريخ ومسيرات صنعاء، قبيل الهدنة الأممية المعلنة، وكانت وجهة الرئيس الأمريكي لعقد قمة موسعة ليست ببعيدة عن مساعي واشنطن لتأمين إمدادها بالطاقة السعودية.

المحلل السياسي اليمني طالب الحسني : الإمارات والسعودية ما تزالا في دائرة الخطر

ويرى الباحث السياسي اليمني طالب الحسني في حديثه لـ”وكالة الصحافة اليمنية” أن الولايات المتحدة لم تعد تخفي قلقها من فشل التحالف في اليمن؛ فالسعودية والامارات لا تزالا في دائرة الخطر، والهدنة القائمة مزمنة وليست دائمة وقد يكون ما بعدها أكثر تصعيدا مما كان قبلها، وهو ما تخشاه واشنطن بدليل التحركات الأمريكية الأخيرة في البلد، من خلال تعزيز حضورها العسكري في السواحل والجزر اليمنية.

“بايدن” عاد كما وصل ووكلاءه مازالوا خائفين

 

الكاتب والمللح السياسي طالب الحسني

وبخصوص تصريحات بايدن، بشأن “تفاهمات” لتمديد الهدنة، وهي التصريحات التي استهجنتها صنعاء بإعتبارها لا تحترم سيادة اليمن؛ يوضح الحسني، أن “صنعاء حددت خارطتها للسلام بوضوح وهو ما صرح به رئيس وفدها الوطني المفاوض محمد عبد السلام، وتتمثل بأربعة نقاط واضحة، أولا وقف كامل العمليات العسكرية ورفع الحصار بشكل شامل، وسحب كافة القوات الأجنبية من الجمهورية اليمنية وأخيرا دفع التعويضات وإعادة الإعمار.

ويلفت الحسني إلى أن هذه الخارطة لا يمكن أن يضعها سوى طرف مننتصر وقادر على مواصلة الحرب، وهو ما تدركه الولايات المتحدة، وما يعكسه فشل بايدن الذي عاد كما وصل، والمستضيفين لا يزالون خائفين كما كانوا قبل بايدن.

القمة الأمريكية في جدة لم تلبي استغاثة السعوديين والإماراتيين

 

قمة جدة

تعقيبا على هذا الطرح، يتفق الكثير من الخبراء السياسيين أن زيارة جو بايدن، لم تأتي بأي جديد على المستوى العسكري، مقارنة بحجم الاستغاثة المرجوة لدى وكلاء واشنطن، وأبرزهم السعودي والإماراتي؛ لحمايتهم من “دائرة الخطر”، واكتفى رئيس الولايات المتحدة، ذو ال”80 عاما”، في البيان الختامي لقمة جدة، بتكرار الحديث المستهلك والوعود التقليدية بحماية الوكلاء، دون تحديد أي أطر لتلك الحماية، في ظل فشل أحدث الدفاعات الأمريكية بالتصدي للصواريخ والطائرات المسيرة.

الباحث والكاتب السياسي العراقي حسين الربيعي : زيارة الرئيس بايدن أظهرت الموقف الضعيف للولايات المتحدة

ويعلق المحلل السياسي العراقي حسين الربيعي، في حديثه لـ”وكالة الصحافة اليمنية”، عن هذا الأمر بالقول إن ” زيارة بايدن وهو يتراجع عن وعوده وتهديداته للنظام السعودي، وقبول الأطراف العربية التابعة والعميلة للولايات المتحدة، وفي مقدمتها النظام السعودي، يظهران الموقف الضعيف للإدارة الامريكية بشكل عام وللرئيس بايدن بشكل خاص، من جهة، ومن جهة أخرى تبين المآزق الكبيرة للأنظمة المحمية من الولايات المتحدة خوفا على استمرار أنظمتهم”.

المحلل السياسي العراقي حسين الربيعي

ويرجع الربيعي أن تلك المآزق، دلاله على تخبط هذه الأنظمة بين ترضية أمريكا أو الإلتحاق بالمعسكر المناهض لها “روسيا والصين”، وهو ما أقدمت عليه بعض هذه الأنظمة من عقد اتفاقات مع روسيا والصين”.

إقرار أمريكي بإنفراط حلفها في المنطقة

ويعتقد مراقبون أن هناك تحالفات جديدة بدأت تتشكل في المنطقة خارج “العباءة الأمريكية” بسبب تراجع قوة واشنطن، موضحين أن “قمة جدة”، تعكس حجم الإندفاعة الأمريكية للململة انفراط حلفها في المنطقة ومحاولة بعض وكلائها الهروب من الإنهيار المتوقع للبيت الأبيض، إلى المحور الروسي الصيني الذي يتشكل على إمتداد الشرق الأقصى إلى الشرق الأوسط، الأمر الذي أقره بايدن، في تصريحاته خلال القمة وتأكيده بأنه” لن يترك فراغا في المنطقة لمتلأه روسيا والصين وإيران”.

زيارة الرئيس الروسي إلى طهران، لعقد قمة إيرانية روسية تركية، موازية لقمة واشنطن في جدة، لا شك أنها تدعم وتؤكد هذه الآراء، ففي الوقت الذي تفشل فيه الولايات المتحدة بمواجهة المتغيرات التي تشهدها شرق أوروبا في ظل الحرب الروسية الأوكرانية ودخول الدب الروسي إلى حلبة الصراع الدولي مجددا، ومحاولة إنهاء “القطب الواحد” الذي جسدته الولايات المتحدة طوال العقود الماضية، تعود موسكو لتوطيد علاقتها في المنطقة.

إعلان السيد حسن نصر الله معادلة “كاريش” عطّل أهداف قمة جدة

 

الباحثة السياسية السورية ميادة زروق

في مقارنة بسيطة بين نتائج قمة بايدن وقمة الدب الروسي وزيارتهما المتزامنة إلى المنطقة، نستلخص الكثير من المفارقات، حيث تؤكد الباحثة السياسية السورية د ميادة رزوق في حديثها لـ”وكالة الصحافة اليمنية” أن زيارة بايدن تمخض عنها قمة باهتة في الشكل والمضمون، أعلنت في تفاصيلها عن تفكك حلف “السيد الأمريكي وأتباعه”، وخبوت نجم قوة وهيمنة الولايات المتحدة، بالإضافة إلى دور خطاب السيد حسن نصر الله وإطلاق معادلة مابعد بعد كاريش، ليكون أحد أسباب تفريغ هذه الزيارة وقمة جدّة من تحقيق أهداف انعقادها.

المختصة السورية في الشؤن الدولية د ميادة رزوق: قمة طهران تمهد لنظام اقتصادي إقليمي خارج العباءة الأمريكية

 

وتوضح د رزوق أن قمة طهران جاءت للموائمة بين تعاون اقتصادي روسي وإيراني مع تركيا، يمثل العصب الرئيسي لاقتصادها، وبين مشروع سياسي أمني إقليمي انطلاقاً من سورية، يمهد لقيام نظام إقليمي قوي وفاعل خارج الهيمنة الأمريكية، يستطيع اجتذاب شركاء آخرين، من آسيا الوسطى والشرق الأوسط، تنال فيه تركيا مكانة سياسية واقتصادية على قاعدة الشراكة وتبادل المصالح.

إذا ما تمعنا بالإتفاقيات الإقتصادية الناجمة عن “قمة طهران”، ومردودها الإقتصادي على الدول الثلاث، فإن “قمة جدة”، لم تتضمن أي مخرجات إقتصادية حقيقية.

رفع السعودية الإنتاج النفطي لن يؤثر على الطاقة الروسية

وترى الباحثة السورية د ميادة رزوق أن الطلب الأمريكي من السعودية بزيادة كميات الانتاج من النفط لضمان خفض أسعاره عالميا، لم يقابل بالتأييد ولا الإستعداد من الجانب السعودي للتنفيذ.

وتشير إلى أن قرار الرياض رفع الإنتاج إلى 13 مليون برميل يوميا، لن يؤثر على الطاقة الروسية، لأن السعودية تعتبر بين مشتري النفط من روسيا، رغم أنها أكبر منتج للنفط ومصدر له.

وبالرغم أن هذه الحقيقة قد تكون صادمة للبعض إلا أن السعودية بالفعل لجأت لشراء النفط من روسيا، بغرض الاستفادة من الفرق في الأسعار، بالتالي تشتري السعودية النفط الرخيص من روسيا لإرسال المزيد من نفطها للتصدير.

قمة طهران

ووفقا لوكالة رويترز، فقد تضاعفت صادرات النفط الروسي إلى السعودية في الربع الثاني من العام الجاري، مقارنة بالربع الثاني من العام السابق.

ففي أبريل ويونيو، اشترت الرياض 647 ألف طن من الوقود من روسيا، فيما كانت الكمية في الفترة نفسها من العام 2021م في حدود 320 ألف طن.

أي تصعيد جديد هو انتحار للأمريكيين

على أية حال، فإنه أيا كانت النوايا الأمريكية لمواجهة التطورات في المنطقة والعالم، فإن المعطيات لا تمنح الولايات المتحدة أي أفضلية لخوض أي تصعيد عسكري مباشر، لضمان إستمرار تواجدها وتدخلاتها في شؤون الدول تحت مبرر تأمين مصادر الطاقة، وأي محاولة أمريكية لإحياء “الجذور الميتة” في مستعمراتها لهيمنة توشك على الآفول؛ هو انتحار سيكلفها الكثير، في ظل ظهور قوى جديدة في خط المقاومة العربية الإسلامية ضد الهيمنة الأمريكية الصهيونية في المنطقة، ناهيك عن تعاظم المحور الروسي الصيني.

واشنطن بين سنديان الأزمات الداخلية ومطرقة الإخفاقات الخارجية

استنادا لكل ما سبق، لا يبدو أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، قد حمّل في زيارته إلى المنطقة، أكثر من خيبات الإدارة الأمريكية المثقلة بالأزمات الداخلية، والإخفاقات الخارجية الممتدة من شرق أوروبا إلى الشرق الأوسط، في حين تؤكد مؤشرات بأن من يملك كلمة الفصل اليوم في هذه المنطقة، هو ذاته الذي نجح في التصدي لمشاريع واشنطن، وساهم في تقليم أظافرها طوال الآونة الأخيرة.

قد يعجبك ايضا