المصدر الأول لاخبار اليمن

ما هي الاستراتيجية التي اتبعها أردوغان للضغط على بن سلمان؟

 

تقرير تحليلي: وكالة الصحافة اليمنية

خلال سنة 1818، قام السلطان العثماني، محمود الثاني، بتعليق رأس ملك أول للدولة السعودية، وهو عبد الله بن سعود، على بوابة القسطنطينية. وبعد حوالي 200 سنة، أحكم الرئيس الذي يطمح إلى الوصول إلى مرتبة السلاطين العثمانيين، رجب طيب أردوغان، قبضة يده الأولى على “رأس” ولي العهد بن سلمان، ووضع بيده الأخرى خنجرا تحت رقبته. لكن، لن يقوم الرئيس التركي بقتل بن سلمان: لأنه في الوقت الراهن، يحتاج أردوغان للعقل المدبر لاغتيال الصحفي المعارض في إسطنبول، حيا أكثر مما يحتاجه ميتا.

على وجه الخصوص، اتبع الرئيس التركي استراتيجية شهرزاد، الرّاوية الفارسية لقصة ألف ليلة وليلة؛ والتي تعتمد على السرد، ليلة بعد ليلة، وتعمل على تجزئة أحداث قصتها، من أجل الاستفادة من القاتل، في الوقت الذي تحافظ فيه على عديد المزايا التي تحكم عليها قبضتها.

في خضم تداعيات أزمة خاشقجي، بدأ أردوغان وجهاز الاستخبارات الحكومي في تركيا بتسريب التفاصيل الفظيعة حول مقتل الصحفي الإسلامي، جمال خاشقجي، بداية من يوم الرابع من تشرين الثاني/ أكتوبر الحالي. كما تجاهلت الجهات التركية الأضرار النفسية التي يمكن أن تسببها هذه التسريبات لعائلة خاشقجي، وتمثل هدفها الوحيد في الاستفادة قدر الإمكان من الوضع، في الوقت الذي تجري فيه مفاوضات سرية مع الولايات المتحدة الأمريكية وأردوغان. وفي إطار استراتيجية أردوغان، عمد الرئيس التركي إلى التوقف عن سرد التفاصيل وتسريبها خلال الليلة 999 على الرغم من تقديم وعود للعالم بسرد الحقيقة حول مقتل خاشقجي “بكامل تفاصيلها البشعة”. وبسبب هذه الخطوة، تم تعليق نشر الدفعة الثانية التي كانت ستنشر شريطا صوتيا مدته 11 دقيقة حول الجريمة.

في الأثناء، من الممكن أن أنقرة على دراية بالنهاية المأساوية لخاشقجي منذ الدقيقة الأولى، وقررت تجميع أكبر عدد من المعلومات لتمر إلى المرحلة الموالية، المتمثلة في نشر تفاصيل الجريمة. كما خططت أنقرة لنشر تسريبات حول القضية بغض النظر عن ردة الفعل الرسمية للرياض ونتائج المفاوضات التي أشرف عليها خليل الفيصل، الأمير السعودي الذي عينه الملك سلمان لتمثيل السعوديين أمام أردوغان.

تجدر الإشارة إلى أنه إلى غاية هذا الوقت، لا زال يجهل مصدر المعلومة، وما إذا كان هذا المصدر متمثلا في جاسوس تركي في القنصلية السعودية في تركيا، أو أنه تم تجميع المعلومات بالاعتماد على تسجيلات الصوت لأحد المشاركين في عملية القتل التي تم التقاطها عبر إحدى الهواتف، أو قد سُجلت هذه المحادثات عبر الميكروفونات المثبتة داخل وخارج القنصلية. وانطلاقا من هذا المصدر المجهول، تم إدارة مخطط إعلامي كامل سمح “للسلطان” أردوغان بإثبات تورط “سمو” ولي العهد بن سلمان. وعلى وجه الخصوص، في الوقت الذي بدا فيه أن بن سلمان يتّجد نحو النجاة من تهمة المسؤولية عن الجريمة، نشر أردوغان مقطع فيديو يظهر فيه قتلة خاشقجي، من بينهم مستشار بن سلمان الشخصي.

عموما، سارت الخطة التركية التي تعتمد على “الضغط والصبر” على النحو المثالي. وعلى هذا النحو، اعترفت السعودية بارتكاب وكلاء سعوديين بالجريمة بعد أسبوعين من استمرار نفي أي علاقة تربط السلطات السعودية باختفاء خاشقجي وحتى تحميل تركيا مسؤولية ذلك.

وبعد الاعترافات السعودية، أغفل الطرفان، السعودي والتركي، الحديث عن تورط بن سلمان في الجريمة، على الرغم من وجود أدلة لا شك فيها، على غرار المحادثات التي تعقبتها وكالة الاستخبارات المركزية بين محمد بن سلمان وأجهزة الاستخبارات السعودية.

في جميع الأحوال، تشير الكثير من التفاصيل إلى أن “هذه الصدفة التي جعلت الأتراك والسعوديين يغفلون معلومة مهمة” ستنتهي بإبرام اتفاق بين الولايات المتحدة الأمريكية، وتركيا، والمملكة العربية السعودية. ومن شأن هذا الاتفاق أن يسمح لبن سلمان بالإفلات من العقاب بشق الأنفس بعد أن أغلقت أمامه أنقرة جميع المنافذ السهلة. ومن المثير للانتباه أيضا أن أنقرة لم تقم إلى غاية الوقت الراهن بطرد الدبلوماسيين السعوديين، أو حتى رفعت عنهم الحصانة، أو حتى اقتحمت الشرطة التركية القنصلية خلال الأيام الأولى من الكشف عن الجريمة. وعلى الرغم من امتلاكها ولاية قضائية كاملة على مقر القنصلية، أهدت تركيا 15 يوما كاملة للسعوديين من أجل تجهيز أدلة براءة كافية. كما لم تقم السلطات التركية بتفتيش المقر الدبلوماسي إلا بعد أن اتصل أردوغان بالملك سلمان وطلب منه إذنا لذلك بلباقة.

عموما، يعيش السلطان أردوغان أفضل أيام يمكن أن تشهدها ولايته، مما جعله يتعامل بحذر مع القضية. وأولا، لا يرغب أردوغان في تدمير علاقته بالمملكة العربية السعودية وحلفائها، خاصة وأنها تملك استثمارات عملاقة في تركيا (خاصة في مجال البناء). ثانيا، يحتاج أردوغان إلى الرياض من أجل التوصل إلى اتفاق حول سوريا وتقسيم مناطق النفوذ في هذه البلاد، التي وجه إليها كلا البلدين ضربات بشكل مشترك خلال سنة 2015 بتعلة محاربة الإرهاب. وعلى هذا النحو، ستتفاوض أنقرة مع الرياض من أجل تقسيم الغنائم في سوريا التي تم تدميرها بالكامل. وبعد أن تجلى للسلطان التركي أن هذه الاتفاقات قابلة للتحقيق، أثنى على “صدق” الملك سلمان في العزم على تفكيك ألغاز موت خاشقجي بالكامل.

من جانب آخر، يعد الرئيس التركي صديقا للصحفي جمال خاشقجي، الذي يعد ابن شقيق تاجر الأسلحة عدنان الخاشقجي، المتورط في فضيحة إيران-كونترا، كما تربط خاشقجي علاقة قرابة بدودي الفايد. علاوة على ذلك، يعد خاشقجي من أصول تركية، ومنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، المنظمة القوية التي تحكم تركيا وقطر. كما أن للإخوان المسلمين عشرات ملايين المؤيدين في مصر، وتونس، ولبنان، وبلدان
سنية أخرى.

أسباب الفجوة العميقة

منذ تولي أردوغان، الإسلامي اليميني المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية، السلطة وأيضا منذ صد الاتحاد الأوروبي لتركيا ومنعها من الانضمام إليه، عملت تركيا الطامحة للتوسع على زيادة نفوذها في المناطق التي تنتمي إلى “المجال الإسلامي” للإمبراطورية العثمانية.

وقد مثلت هذه الطموحات التركية بمثابة التحدي بالنسبة للمملكة العربية السعودية. وعلى هذا النحو، مرت العلاقات بين البلدين بهذه المراحل:

1- خلال سنة 2003، وبعد الغزو الأمريكي على العراق، عمل الرئيس الأمريكي آنذاك على تفكيك الحكومة العربية السنية في العراق، واستبدلها بحكومة أخرى عربية شيعية، كما منح الأكراد حكما ذاتيا في العراق. وقد أدت جميع هذه التطورات إلى تغيير موازين القوى في المنطقة والتي رجحت كفتها لصالح إيران. وفي ظل هذا الوضع، قررت الرياض وأنقرة (وتل أبيب) توحيد صفوفها من أجل التصدي
للنفوذ الإيراني في المنطقة.

2- خلال سنة 2011، انتهى شهر العسل بين الرياض وأنقرة بسبب ثورات الربيع العربي في كل من تونس ومصر. وفي خضم هذه التطورات، كثفت الرياض من تمويلها لصالح الإطاحة بالإخوان المسلمين (الذين دعمهم أوباما)، ومولت إلى جانب الإمارات العربية المتحدة الإنقلاب العسكري في مصر من أجل الإطاحة بالإسلامي محمد مرسي. في المقابل، سمح أردوغان لعناصر الإخوان المسلمين الفارين من مصر بممارسة نشاطاتهم على التراب التركي، ووصل بهم الحد إلى تركيز محطات تلفزيون في تركيا.

3- خلال سنة 2017، سبب التهديد بشن هجوم عسكري من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على قطر، وفرض الجهات الأولى حصار على الإمارة الصغيرة الحليفة لأردوغان؛ غضب السلطان التركي. ونتيجة لذلك، قرر إرساء قاعدة عسكرية في الدوحة، مما مثل تهديدا للنفوذ الإقليمي السعودي في المنطقة، بما في ذلك الخليج العربي.

4- في وقت لاحق، استفادت الرياض من القطيعة بين تركيا وحكومة ترامب، وعملت المملكة العربية السعودية على زيادة أرباح ترامب ” بقيمة مليارات الدولارات”.

5- علاوة على ذلك، تعارض تركيا السياسات السعودية التي تهدف إلى عزل إيران، كما لا تساندها في العدول عن الاعتراف بأن القدس الشرقية عاصمة لفلسطين.

لا يبرز مطلب وقف الحرب في اليمن من بين المطالب التي يمكن أن يتقدم بها أردوغانفي ظل أزمة خاشقجي، حذر أردوغان آل سعود قائلا: “من غير الممكن أن نصمت حول ما حدث”، ونوه بعدم البحث عن منقذ لهم في البيت الأبيض في واشنطن لأن المنقذ موجود بالقصر الرئاسي بأنقرة.

ما هي مطالب أردوغان من الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية؟

عموما، يمكن لتركيا الاستفادة إلى حد كبير من هذه القضية. ونظرا لأهميتها، لا يمكن استبعاد أن جهاز الاستخبارات الحكومي في تركيا قد سمح بحدوث الجريمة على الرغم من درايته بمخططات ولي العهد السعودي. في نفس الوقت، يعد لتراجع النفوذ المصري، بعد أن كانت هذه البلاد تكتسي وزنا ثقيلا في العالم العربي الإسلامي، وسقوط المملكة العربية السعودية في الحضيض؛ بمثابة الفرصة الكبرى لتركيا كي تظهر نفسها في صورة القائد المعتدل للعالم الإسلامي السني. وفي ظل امتلاك أردوغان لوسائل ضغط تعزز قوة موقفه، يمكن للسلطان التركي أن يقدم هذه المطالب لواشنطن والرياض مقابل إنقاذ العائلة المالكة السعودية (وليس ولي العهد السعودي):

– الكف عن دعم وتسليح الأكراد في سوريا. وفي ظل هذه الأزمة، يبدو أن أردوغان قد حصل على اتفاق من هذا النوع، إذ أنه بعد مدة أيام قليلة من مقتل خاشقجي قامت تركيا بإطلاق سراح القس الأمريكي برونسون المحتجز في تركيا منذ سنة 2016، وأعلنت عن مزيد من التنسيق مع القوات الأمريكية في سوريا.

– رفع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على تركيا.

– رفع العقوبات الاقتصادية على قطر المفروضة من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

– إجراء محاكمة المجرمين في تركيا، مكان الجريمة، من أجل مواصلة الاستفادة من القضية. وفي هذا الصدد، يجب التريث قليلا، لأنه منالممكن أن تتم تصفية كامل المتورطين في الجريمة، وهو ما بدأ بالفعل. ويتمثل خير دليل على ذلك في وفاة الملازم مشعل سعدالبستاني في حادث مرور بعد يومين من عودته إلى بلاده.

في المقابل، لا يبرز مطلب وقف الحرب في اليمن من بين المطالب التي يمكن أن يتقدم بها أردوغان. من جانب آخر، تهدف جولة مديرةوكالة المخابرات المركزية الأميركية، جينا هاسبيل، إلى أنقرة للاجتماع مع رئيس المخابرات التركية، هاكان فيدان، إلى فحص الأدلةالتركية وأيضا لتلفيق ذريعة مشتركة لمنع زعزعة استقرار شبه الجزيرة العربية. وسيستمر بث المسلسل التركي حول العصاباتالسعودية، مما سيساهم في زعزعة أسس الشرق الأدنى المضطرب.

………………………..

المصدر: بوبليكو الإسبانية

ترجمة: noonpost

قد يعجبك ايضا