المصدر الأول لاخبار اليمن

قصة تفوق الخيال.. من خنادق الجماعات السلفية المتشددة إلى رحاب النضال والشهادة

محمد عنان.. قصة شهيد انتقل من خنادق الباطل

استطلاع/عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//

كسر ثقاب عود الكبريت الصمت الذي خيم على وجداني حين اشعلت سيجارتي .. ومع إنهمار دموع الحزن والآسى احتسيت رشفة من فنجان قهوتي وبدأت في نفخ دخان الغيض أكثر من نفخ دخان السيجارة ليملأ السواد فضاء غرفتي الواسعة بالحزن وأنا أشاهد مقاطع فيديو نشرتها القنوات التابعة لدول التحالف عن استشهاد ستة أبطال من خيرة شباب اليمن، ستة فتية أن أمروا المجد استجاب.

التائب الشهيد

 

سئلت نفسي أيمكن للعقل والمنطق أن يتقبل يوماً ما فكرة أن يتحول تكفيري متطرف إلى مناضل وشهيد ؟!

بالطبع يمكن ذلك .. وهذا ما حدث بالفعل مع حكاية لو لم أعايش تفاصيلها الحية بنفسي وأشهد على أحداثها ولحظاتها لقلت في ذات نفسي أنها قصة هلامية من قصص الخيال أو أنها فيلم سينمائي من أفلام بوليوود الهندية.

اليوم نروي لكم قصة أحد فتية البطولة والتضحية .. المجاهد الشهيد البطل محمد أحمد عبدالله عنان “أبونصرالله” من أبناء قرية الفراعي بمديرية حبيش محافظة إب وسط اليمن، وأحد الفتية الستة الذين ضربوا لنا أعظم صور النضال والتضحية التي نستلهم منها الدروس والعبر والمعاني السامية للتضحية والبذل والعطاء من أجل الدين والوطن والعزة والكرامة.

كان أخر لقاء جمعني شخصياً بالشهيد “أبونصرالله” في عرس أبنتي ويومها كان لا يزال يتلقى العلاج جراء اصابته في قدمه اليمني والتي أصيب بها في ميادين العز والشرف في جبهات ما وراء الحدود، حيث أجريت له عمليتين وتبقت له واحدة، ويومها أخبرنا أنه سيعود للجبهة ولن ينتظر إجراء العملية الثالثة، وقال عبارته الشهيرة امام الجميع: “والله أنني سأدخل الجنة بعرجتي هذه”

تربية متطرفة

ولد “أبونصرالله” في منزل والده الشيخ السلفي وامام أحد أكبر مساجد السلفيين في منطقة الجرداء جنوب العاصمة صنعاء، وترعرع في كنف الدعوة التكفيرية منذ نعومة أظافره.

وروى الشهيد محمد عنان للكثير من رفاق طفولته ممن التقينا بهم، قصته عندما كان صغيراً حين سافر مع والده إلى السعودية ليتعمق في دراسة مذهب محمد بن عبدالوهاب الذي ترعاه أسرة آل سعود كخطوة أولية لغرس الفكر التكفيري، حيث درس على يد العديد من شيوخ السلفية السعودية التي تغرس أفكار التطرف والعداء لبقية المذاهب الإسلامية.

عاد “أبونصرالله” مع أسرته إلى الوطن بعد أحداث 11 سبتمبر وكان حينها متأثراً بالفكر السلفي الجهادي خاصة بعد الاجتياح الأمريكي للعراق وأفغانستان.

وشد “أبونصرالله” الرحال فيما بعد للدراسة في مركز الحديث بدماج في محافظة صعدة شمال اليمن، وتلقى فيه دروساً تحريضية ضد المذهب الزيدي وضد دعوات القائد الشهيد حسين بدرالدين الحوثي التحذيرية من المخطط الأمريكي الصهيوني لأحداث 11 سبتمبر.

وروى محمد عنان، أنه قرر في ذات نفسه أن يحضر للاستماع لخطابات القائد الشهيد ليتعرف أكثر عن مزاعم سب الصحابة وأمهات المسلمين والتحريض على قتال أهل السنة والجماعة حسب إدعاءات علماء السلفية في مركز دماج.

وتحقق لمحمد عنان مبتغاه حين حضر خطبة جمعة سمع فيها كلاماً من السيد حسين الحوثي عن المؤامرات الصهيونية الأمريكية التي تنتظر الأمة وعلى رأسها اليمن وبأن الأمريكيين سيقتحمون اليمن وبتحالف عربي وأممي لتدمير اليمن كما حدث في العراق وأفغانستان، واعتبر “أبونصرالله” ماجاء في خطبة السيد حسين الحوثي، ضرباً من الخيال وتحريض منه ضد ولي الأمر وضد السعودية الرعاية للفكر السلفي.

الوقوع في مستنقع التطرف

وكشف الشهيد “أبونصرالله” أنه ذهب من مركز الحديث في دماج لأخذ دورات تدريبية عسكرية في معسكر الفرقة الأولى مدرع بالعاصمة صنعاء، كما شارك بالقتال في حرب صعدة السادسة وفي حرب دماج الأولى عام 2011 والثانية خلال الفترة من شهر ديسمبر 2013  وحتى مطلع يناير 2014.

وأردف :أبونصرالله” قائلا: “بعد هزيمتنا في دماج مطلع شهر يناير 2014، غادرت مع بعض زملاء الدراسة في مركز الحديث من الطلبة اليمنيين والأجانب متوجهين إلى السعودية لاستكمال دراستنا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

العودة للصواب

ومع انطلاق الشرارة الأولى للحرب على اليمن فجر السادس والعشرين من مارس 2015، محص في ذهن الشهيد “أبونصرالله” التحذير الذي سمعه في خطبة السيد حسين بدرالدين الحوثي عن المخططات الأمريكية الصهيونية التأمرية ضد المسلمين التي ستطال اليمن، عندئذ عرف محمد أنه يقف في صف الباطل والضلال وقرر وقتها العودة للدفاع عن الدين والوطن وصون الأعراض، وعند عودته لم يثق أحداً فيه كونه معروف في الحي بانتماءه للتكفيريين منذ نعومة أظافره.

“أبونصرالله” وجد ضالته بعودة رفيق دربه “غمدان مشعل السلمي” الذي هاجرت أسرته إلى الولايات المتحدة، واستطاع “أبونصرالله” إقناعه مع رفاق الطفولة الأربعة  الشهداء حمزة القاسمي ومحمد القوسي وكامل الريمي ومحمد القاولي بالتوجه إلى جبهات العز والشرف، لينطلق الفتية الستة لجبهات الدفاع عن الوطن في محافظة الجوف، وكانت أول مواجهة لهم ضد عناصر تنظيم القاعدة بقيادة الإرهابي “الحسن أبكر” المطلوب للولايات المتحدة، وتحقق لهم ما أرادوا بهزيمة الأعداء في أطراف مديرية خب والشعف.

عندها نال محمد عنان ورفاقه الخمسة ثقة الجميع والتحقوا مجاهدين في صفوف قوات الجيش واللجان الشعبية، وتحصلوا على دورات ثقافية وعسكرية.

ملحمة الشهادة

 

شارك “أبونصرالله” مع رفاقه في العديد من المعارك في جبهات في ماوراء الحدود وفي محافظة الجوف، وفي أحدى المعارك أصيب “أبونصرالله” في قدمه اليسري بشظايا أحد صواريخ غارات طيران التحالف، وتم نقله للعلاج في صنعاء حيث أجريت له عمليتين جراحية وتبقت له عملية استخراج شظية استقرت في مفرق الركبة.

كان “أبونصرالله” يتلهف كثيراً للشفاء بهدف العودة إلى ميادين الجهاد، وفي فترة علاجه كان لقائي الأخير به كما ذكرت سالفاً في عرس أبنتي، حيث كان “أبونصرالله” يروي لنا قصص وحكايات الانتصارات العظيمة التي يحققها أبطال الجيش واللجان الشعبية في جبهات القتال، وأخبرنا عن مدى اشتياقه للعودة إلى رحاب ميادين النضال، وأكد في حديثه أنه ينتظر فقط أن يتم إزالة الجبس عن قدمه ليعود للجبهة دون أن يجري العملية الثالثة، وحينها نصحته قائلاً: يجب عليك إجراء العملية، فقاطعني أحد الحاضرين مازحاً: مابش أعرج قاد معركة، فرد علينا: “والله أنني سأدخل الجنة بعرجتي هذه”.

وبالفعل لم ينتظر محمد عنان حتى تطيب قدمه، حتى عاد ليلتحق برفاقه الخمسة في الجبهة، حيث كانت هناك عملية نوعية صعبة المهام تتمثل في اقتحام أحد مواقع العدو مابين وادي سلبة وجبل القشعان بمديرية برط العنان.

أوكلت المهمة إلى البطل “أبونصرالله” ورفاقه الخمسة، وبعد معركة شرسة تمكن الأبطال الستة من السيطرة على الموقع، وبعد فرار مسلحي قوات التحالف تقدم الفتية الستة لاحراق مخازن السلاح التابع للموقع والعودة بحسب الخطة التي وضعت لهم، لكنهم تفاجئوا بأن مخازن السلاح تحتوي على عتاد عسكري ضخم جداً، حينها قرر “أبونصرالله” ورفاقه عدم مغادرة الموقع وقاموا بطلب تعزيزات عسكرية.

وقبل أن تصل التعزيزات شن طيران التحالف غارات هستيرية على المواقع كما شن مرتزقة التحالف زحف عسكري كبير، باتجاه الموقع العسكري، إلا أن الفتية الستة صمدوا صموداً اسطورياً وقرروا التضحية بأرواحهم من أجل الوطن، خاصة وأن الأسلحة في الموقع سوف تساهم كثيراً في تعزيز قدرات قوات الجيش واللجان.

خاض الأبطال الستة معركة غير متكافئة رافضين تسليم أنفسهم، حتى استشهدوا في 9 فبراير 2018، بنيران طائرات الآباتشي على الموقع، وعندما نشرت قناة الحدث وقنوات سهيل و”يمن شباب” جثث الشهداء الستة، ذرفت مقلاتي الدموع وأنا أشاهد جثة الشهيد “أبونصرالله” والرباط الطبي لا يزال مربوطاً على قدمه، وتذكرت حينها مقولته الأخيرة “والله أنني سأدخل الجنة بعرجتي هذه”.

 

بعد نصف ساعة من استشهاد الفتية وصلت التعزيزات العسكرية وهرب مجندي التحالف واصطحبوا معهم جثث الأبطال الستة.

وفي 19 فبراير 2018، استعادت قوات صنعاء جثث الشهداء الستة ضمن صفقة تبادل عبر وساطة قبلية مقابل اطلاق سراح 4 من الأسرى المغرر بهم.

قد يعجبك ايضا