المصدر الأول لاخبار اليمن

إسرائيل في الفوضى.. ماذا عن محاولة الانقلاب العسكري؟ (الحلقة الرابعة)

تحليل/ميخائيل عوض/وكالة الصحافة اليمنية//

منذ هزيمة ٢٠٠٠ في لبنان وبعدها في ٢٠٠٥ في غزة ف٢٠٠٦ في حرب تموز، ادركت نخبة الاشكيناز ان إسرائيل فقدت دورها الوظيفي وباتت في حالة غروب وعجز، فهاجر منها اكثر من مليون ونصف جلهم من الاشكيناز الأوروبيون  ما أدى الى اختلال جوهري في التوازن مع السفارديم، عبر الاختلال عن نفسه بسيطرة اليمين والتطرف على الرأي العام وتمكن نتنياهو من أطول حكم فيها.

كما ان الانتخابات كانت تجري بين اليمين والأكثر يمينية بينما انهار حزب العمل وميرتيس ودور الهستدروت والجيش في انتاج النخب السياسية” وكانت البيئات المولدة للنخب الاشكينازية” وتجسدت التوازنات الجديدة في الحؤول دون إنتاج كنيست بأكثرية حاكمة في أربع انتخابات في سنتين، وليحقق نتنياهو غالبية حاكمة تحالف مع العناصر الأشد تطرفا ويمينية في كتلة السفارديم، وتحالف مع زعامات مرذوله من مجتمع الاشكيناز، وركز تحالفه مع بن غفير وسموريتش المتطرفان والمتهمان بالفساد والبلطجة كمثله، وممثلا كتلة الاستيطان في الضفة وغلاف غزة، وكتلتهم تعد بما يقارب المليون، وأزمتهم انهم لا يعيشون في إسرائيل ولا يخضعون لقواعد العيش فيها وقوانينها، ولا يتمتعون بذات امتيازات الاشكيناز من  سكان المدن والبلدات التاريخية فالضفة يطبق فيها قانون الاحتلال وليس قوانين الدولة “الوطن”.

 

ورطة وعود المتطرفين

 

تذاكي نتنياهو في محاولته لتأمين غلبة له في الكنيست  وتأمين حكومته تورط بوعود للمتطرفين، في أساسها تعديل قانون المحكمة العليا، وتعديلات قانونية تقلص هيمنة لاشكيناز على الدولة والمؤسسات وتتحول بإسرائيل الى دولة دينية الغلبة فيها للسفارديم

 

عجزت حكومات نتنياهو عن إعلان ضم الضفة برغم وعد ترامب ومحاولاته المحمومة، ومع تصاعد المقاومة المسلحة في الضفة وفلسطين الـ ٤٨ باتت كتلة لاستيطان تتحسس مخاطر جمة على مستقبلها، وتشعر بنفسها انها تتحمل الأعباء بينما الاشكيناز يستأثرون بالدولة وأجهزتها وتقديماتها. فقبيلة السفارديم لا هي مقبولة في مجتمع الاشكيناز، ولا هي مقبولة ولا سيدة مهيمنة في الضفة وباتت المستوطنات عرضة للعمليات وسيارات المستوطنين مستهدفة من المقاومة وسلاحها.

في محاولة تذاكي من نتنياهو لتامين غلبة له في الكنيست  وتأمين حكومته تورط بوعود للمتطرفين، في أساسها تعديل قانون المحكمة العليا، وتعديلات قانونية تقلص هيمنة لاشكيناز على الدولة والمؤسسات وتتحول بإسرائيل الى دولة دينية الغلبة فيها للسفارديم، وقام بالإطاحة بوزير الدفاع الذي رفض تمكين بن غفير من اخضاع القوانين والقوة العسكرية في الضفة لأمرته المباشرة من خارج المهام والقوانين الناظمة لعمل الجيش في مناطق الاحتلال، ولهذا شرع نتنياهو وحكومته بتسليح المستوطنين في الضفة ولتامين نصاب الحكومة اعطى وعدا لبن غفير بإنشاء جيش خاص به وتحت امرته، ومن خارج تشكيلات الجيش والمؤسسة العسكرية ونظمها ومهماتها، جيش مليشيا متطرف جل عناصره  من المستوطنين تحت مسمى جهاز الحرس القومي.

وهذا الاجراء يصعب تطبيقه اذا تمرد الجيش وقيادته كما فعل وزير الدفاع المقال  ويستحيل تشريعه ما لم تخضع المحكمة العليا وهذه مستحيلة ما لم تعدل القوانين واليات تشكيلها وصلاحياتها.

 

هنا وهكذا تكمن وتتجسد الازمة المستعصية التي دفع نتنياهو تحت أزماته إلى تظهيرها في إسرائيل وبنيتها ونظامها وتوازنات مجتمعها، وهذا ما يفسر جرأة المعارضة وتحشيدها وتمرد الجيش والنخب واستيقاظ الهستدروت من سباتها والنجاح المنقطع النظير للإضراب العام غير المسبوق في إسرائيل الذي شل إسرائيل وكاد لو استمر ان يسقطها بانفجار اقتصادي اجتماعي على اثر انهيار سعر الشيكل.

إسرائيل في حقبة الفوضى

 

فوضى إسرائيل لا علاج تقليدي لها ولا روشته أدوية موفرة لمن يعالج، فالصراع بين الاشكيناز والسفارديم صراع ديني عقائدي عميق جدا ودموي ويجاوز ما في الصراع بين الفرق المسيحية وما بين الفرق الإسلامية

الفوضى في تعريف ابن خلدون هي الحقبة الضرورية لانبثاق الجديد من رحم القديم، وفي المفهوم الماركسي هي الظرف الثوري الذي يطلق مفاعيل ولادة الجديد من رحم القديم. تدوم الفوضى اذا توازنت القوة بين القديم والجديد واستحالت الولادة فيتحول المجتمع الى التوحش ويعود الى هوياته المؤسسة.

بحسب أي تعريف، إسرائيل في الفوضى، وتوازن قواها المجتمعية باينه بوضوح والانتخابات النيابية كانت خير مؤشر على التوازنات والعجز عن توليد الجديد.

فليس لإسرائيل جديد منها وينبثق فيها وعنها ذلك لأنها كيان مصنع غريب فقد وظائفه وتراجعت فرص تعويمه واسناده، والشعب الذي قاوم حسم امره وانتفض بالسلاح والمقاومة لم يعد امامه الا خيار المقاومة  للتحرير الكامل، وهذه خاصية لا تنطبق على الدول والمجتمعات التقليدية التي نشأت وتطورت في بيئات صحية.

فوضى إسرائيل لا علاج تقليدي لها ولا روشته أدوية موفرة لمن يعالج، فالصراع بين الاشكيناز والسفارديم صراع ديني عقائدي عميق جدا ودموي ويجاوز ما في الصراع بين الفرق المسيحية وما بين الفرق الإسلامية، والسفارديم بنسخة بن غفير هي داعش اليهودية بامتياز. بينما الاشكيناز من تدين ونمط حياة وفهم للدين مختلف جوهريا فهم قادة ودعاة العلمنة وفصل الدين عن الدولة والديمقراطية والحكم الرشيد ولا علاقة للسماء بإدارة الأرض عندهم وليس في أنماط حياتهم عيش وحياة بأمرة الخامات وفتاويهم في الكابس والمأكل …

والعمق الديني والعقائدي للصراع يتصاعد اليوم بمعدلات متسارعة بسبب ما بلغته إسرائيل من أزمات وعجز وهزائم فلم يعد فيها ولها اية قيمة نوعية جاذبة او حافزة، لطمس الصراعات العامودية في مجتمعها المصنع والمركب بلا ضوابط ولا تسويات ولا قيم واخلاق تكرست وترسخت تاريخيا وبعمق وهدوء فليس من جوامع بين المستوطنين المجمعين من اصقاع الأرض ومن قوميات وثقافات ودول مختلفة جوهريا في هوياتها ومفاهيمها وقيمها.

فإسرائيل مهزومة ومهددة بهزيمة ساحقة، وتضربها ازمة اقتصادية عاتية، وبنيتها الاقتصادية الاجتماعية تحولت من رأسمالية الدولة الاحتكارية ونظام المستوطنات والجمعيات” الكيوبتسات” والتكافل الاجتماعي وشبكات الأمان والدولة الراعية الى الليبرالية الأكثر توحشا، وتناقضاتها الطبقية والاجتماعية على اشدها، والفقر والجوع يضرب قطاعات واسعة حتى في الجيش الذي يعاني من نقص عددي وفساد وانتشار المخدرات وبيع السلاح والذخائر، والمستوطنون في الضفة” القاعدة الاجتماعية لبن غفير، باتوا عرضة للهجمات وعمليات الطعن والدهس وعمليات المقاومة تتصاعد وقبضة الجيش والأجهزة وسلطة أبو مازن تتفكك وتنتشر تشكيلات المقاومة في المحافظات والمدن وتترسخ مناطق حمراء شبه محررة وباتت الأموال والسلاح والذخائر والمفخخات والمسيرات تصل الى يد المقاومين بسهولة اكبر، وقد حزم محور المقاومة امره ويضع ما لديه لإسناد ثورة الضفة والـ ٤٨ موضع التنفيذ بشهادة عملية مجيدو،  وانفجار لغم بهامر إسرائيلية على الشريط الحدودي مع لبنان واستهداف القواعد الأمريكية في سورية، وكل التطورات واحتمالاتها تضع إسرائيل في دائرة العجز والمزيد من الازمات وتاليا مزيدا من الفوضى والتوترات الاجتماعية وتعميق الصراع بين قبائلها وليس في الأفق القريب من مؤشرات لأحداث وتطورات تفيد باحتمال توفر إمكانية لإحاطة بالأزمة وترقيدها ويصب الخلاف بين نتنياهو بايدن الزيت على النار…
غدا؛ الانقلاب جار على قدم وساق فماذا ينتج..

…/ يتبع

 

كاتب ومحلل سياسي لبناني

قد يعجبك ايضا