تحليل/وكالة الصحافة اليمنية//
ما يجري في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، ليست مجرد عدوان.. لم يعد يُقاس بمقاييس الصراع التقليدي، ولا يمكن تصنيفه ضمن العمليات العسكرية المعهودة.
بعد 560 يوماً من القصف والتجويع والتدمير الممنهج، تتكشّف أمام العالم ملامح مشروع إبادة جماعية تتسع خريطته يوماً بعد يوم، فيما يشيح المجتمع الدولي بنظره، وكأن الدم الفلسطيني لا يثير قلق العدالة.
عندما تتحوّل الأرقام إلى أدلة
البيان الصادر عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، اليوم الجمعة، لم يكن مجرد رصد جديد للخسائر، بل وثيقة أخرى في ملفٍ يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية. أكثر من 12,000 مجزرة وثّقتها غزة، أسفرت عن استشهاد أكثر من 51,000 مدني، في حين لا يزال 11,000 آخرون مفقودين.
لكن الأخطر أن هذه المجازر لم تكن عشوائية، بل ممنهجة، استهدفت 11,859 عائلة فلسطينية، أُبيدت منها أكثر من 2,000 عائلة بالكامل، ومسحت من السجلات المدنية.
هذه الأرقام لا تُقرأ فقط كضحايا، بل كمؤشر على نهج قائم على الإبادة المنظمة، لا القتال.
جيل قُتل قبل أن يحيا
استشهاد أكثر من 18,000 طفل خلال العدوان، من بينهم رُضع ولدوا واستشهدوا في زمن القصف، يعكس خللاً عميقاً في المفاهيم التي طالما تغنّى بها العالم عن حماية المدنيين.
مئات الأطفال لم يتمّوا عامهم الأول، وآخرون قضوا جوعاً وبرداً.. وهذه ليست أضراراً جانبية لحرب، بل تجليات مروعة لحصار مطبق وظروف حياة جرى تفكيكها عمداً.
المرأة، الصحفي، الطبيب: هدف مباشر لا عرضي
استهداف 12,400 امرأة، ومئات من الطواقم الطبية والدفاع المدني والصحفيين، يكشف أن آلة الحرب الصهيونية لم تكن تفرّق بين مقاتل ومدني، ولا بين مؤسسة إسعاف وهدف عسكري.
قُتل 213 صحفياً، في واحدة من أعلى حصائل الاستهداف الإعلامي في تاريخ النزاعات الحديثة، كما سقط أكثر من 1,400 من الكوادر الطبية، وهو ما يعكس تحول المستشفيات وسيارات الإسعاف من رموز للحياد الإنساني إلى أهداف مشروعة في نظر آلة القتل.
88% من غزة خارج الخدمة
حين يتحدث البيان عن تدمير 88% من قطاع غزة، فهو لا يشير فقط إلى حجم الضرر، بل إلى غياب الحياة. أكثر من 165,000 وحدة سكنية دُمّرت كلياً، ومئات آلاف أخرى تضررت جزئياً.
لم يعد هناك بيت آمن، ولا مؤسسة تعليمية، ولا مستشفى يعمل.. البنية التحتية تحوّلت إلى أنقاض، والمياه والصرف الصحي والكهرباء والطرقات لم تعد تعمل، ما يشير إلى أن التدمير ليس نتيجة جانبية بل استراتيجية متعمدة لإخضاع السكان أو دفعهم للرحيل.
خسائر بلا نهاية، وواقع بلا أفق
الخسائر الاقتصادية تجاوزت 42 مليار دولار، فيما يعيش قرابة 280,000 أسرة دون مأوى.
أكثر من 39,000 طفل باتوا أيتاماً.
وتُرك نحو 800,000 طالب خارج أسوار المدارس التي إما دُمّرت أو تحوّلت إلى مراكز إيواء عاجزة.
لا بقاء لأحد في غزة
حين تُمحى آلاف العائلات، وتُغلق المدارس، وتُدمر المستشفيات، وتُسرق جثامين من المقابر، ويُمنع الغذاء والدواء، فإن الرسالة واضحة: لا بقاء في غزة.
وهذا ما يجعل السؤال اليوم لم يعد عمّن انتصر في الحرب، بل: كيف يمكن للعالم أن يقف مكتوف الأيدي أمام مشروع إلغاء جماعي لشعبٍ بأكمله؟
من الحسابات العسكرية إلى المحاكم الدولية؟