تحليل/عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//
في خضم أزمة إنسانية خانقة تعصف باليمن منذ أكثر من 10 سنوات، أضافت الولايات المتحدة صفحة سوداء جديدة إلى سجل جرائم الحرب المرتكبة في اليمن، عندما شنت، مساء أمس الخميس، عدواناً دموياً على منشآت مدنية في ميناء رأس عيسى في محافظة الحديدة غرب اليمن، مستهدفة خزانات للوقود والغاز، في جريمة وُصفت بأنها الأشد دموية منذ بدء تصعيد العدوان الأمريكي على اليمن قبل أشهر.
الوقود يُقصف… والضحايا عمال بسطاء
بحسب مكتب وزارة الصحة والبيئة في الحديدة، أسفر القصف الأمريكي عن استشهاد 74 مدنياً وإصابة 171 آخرين، في حصيلة غير نهائية، جميعهم من العاملين في منشآت الطاقة.
لم يكن هناك موقع عسكري واحد، ولا وجود لأي نشاط قتالي.. كانت المنطقة تعج بالعمال، والفنيين، والمهندسين، يؤدّون أعمالهم اليومية في قطاع حيوي يعتمد عليه ملايين اليمنيين.
في مقدمة الضحايا، المهندس خالد عبدالله محسن، مدير شركة الغاز فرع الحديدة، الذي عرف بخبرته ومهنيته العالية، ويُعد من الكفاءات الهندسية الوطنية، رحيله.. كما رحيل العشرات من زملائه، شكّل خسارة إنسانية ومهنية مضاعفة، في بلد يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى أيدي بنّاءة، لا صواريخ مدمّرة.
أين القانون الدولي؟
لم يكن هذا الهجوم عارضاً أو ناتجاً عن خطأ في التقدير العسكري.. فالموقع المستهدف واضح ومعروف، ويُستخدم حصراً لأغراض مدنية.. وهو ما يجعل القصف الأمريكي جريمة حرب موثّقة وفق القانون الدولي الإنساني، الذي يُجرّم استهداف المنشآت المدنية، خصوصاً تلك المتعلقة بالطاقة، لما لها من أثر مباشر على حياة المدنيين.
توقيت الضربة، ومكانها، ونوعيتها، يكشف أن واشنطن انتقلت من مرحلة “محاولة كبح” عمليات صنعاء البحرية دعماً لغزة، إلى معاقبة كافة أبناء الشعب اليمني، عبر استهداف مقدراتهم الاقتصادية الهشة، بعد أن فشلت عسكرياً في وقف عمليات الإسناد البحري لقوات صنعاء.
حين يُعاقب المدنيون بلغة النار
يحمل هذا العدوان دلالات سياسية عميقة.. فالعقاب الجماعي الذي أوقع عشرات الشهداء والجرحى من المدنيين، يعكس فشل واشنطن في فرض معادلات الردع ضد صنعاء.
إذ عجزت الضربات السابقة في كبح قدرات اليمن البحرية، وبدلاً من مراجعة الخيارات، لجأت إلى تصعيد يستهدف المدنيين والبنية التحتية، في محاولة يائسة لفرض كلفة باهظة على اليمنيين.
لكن التاريخ القريب يؤكد أن مثل هذه الهجمات لا تُضعف إرادة الشعوب، بل تُراكم الغضب وتزيد من حجم الالتفاف الشعبي حول القوى المقاومة، كما حصل مراراً في غزة، والعراق، وأفغانستان.
كارثة إنسانية فوق كارثة قائمة
اليمن، البلد الذي يرزح تحت الحصار منذ 15 مارس 2015، يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم (وفق بيانات الأمم المتحدة). ومع هذا العدوان الجديد، تتعمّق المأساة.
فاستهداف منشآت الوقود والغاز لا يضر فقط بقطاع الطاقة، بل يؤثر مباشرة على عمل المستشفيات، ومحطات المياه، ومرافق النقل، وكل مقومات الحياة اليومية.
وتأتي هذه الجريمة في ظل انعدام شبه كامل للمشتقات النفطية في مناطق واسعة من اليمن، ما يُنذر برغبة أمريكية في أحداث كارثة مضاعفة في الأيام المقبلة، سواء على المستوى الصحي أو الإغاثي أو المعيشي.
صمت دولي جديد.. وسؤال عن جدوى العدوان