صنعاء تقود التحوّل الإقليمي: الضربات الصاروخية تكسر شوكة الكيان وتُجبر واشنطن على الطاولة
جغرافيا النار تتسع والعدو ينكمش
تحليل/عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//
رسم السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، في كلمته الأخيرة، مشهدًا واضحًا للمعركة الدائرة في المنطقة، واضعًا العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة في سياقه الأشمل كجزء من حرب وجودية تستهدف الأمة بكاملها.
وصف السيد عبدالملك الحوثي المجازر اليومية في القطاع المحاصر بأنها “جريمة القرن”، لا تجري في الخفاء كما حدث في مذابح التاريخ، بل تُعرض على الهواء مباشرة، ومع ذلك لا تحرك الأمة ساكنًا، بل تغرق في العجز والتواطؤ.
لكن الصورة لم تكن سوداء بالكامل.. فالمعادلة بدأت في التغير، واليمن – بحسب السيد عبدالملك الحوثي – لم يتأخر لحظة في الاستجابة لنداء غزة، مؤكدًا أن العمليات العسكرية التي بدأتها صنعاء منذ منتصف رمضان وحتى ذي القعدة تجاوزت 130 عملية صاروخية وجوية دقيقة، أصابت مواقع استراتيجية في عمق الكيان، وأحدثت اضطرابًا فعليًا في حركة الطيران وتهجير المستوطنين من الشمال إلى الجنوب.
المعركة تتسع
بالتوازي مع المجازر في غزة، كانت اليمن تتعرض لحملة جوية أمريكية وبريطانية و”إسرائيلية” مكثفة، نفذت خلالها واشنطن أكثر من 200 غارة خلال أسبوع واحد فقط، استهدفت في معظمها أعيانًا مدنية واضحة في محافظات يمنية عدة.
لكن ما أرادت به أمريكا والكيان الصهيوني كسر إرادة صنعاء، انقلب عليهما.. فالغارات لم توقف العمليات، ولم تعرقل الإمدادات، بل عززت سردية “المظلومية والتحدي” داخل الشارع اليمني والعربي، بحسب مراقبين، ورفعت منسوب التأييد الشعبي للردود الصاروخية.
لم تكتفِ صنعاء بالدفاع، بل وسعت بنك أهدافها لتصل إلى مطار اللد (بن غوريون)، الذي يُعد من أكثر المواقع حساسية لدى كيان الاحتلال، ويحظى بأربع طبقات من الحماية الجوية، منها منظومة “ثاد” الأمريكية، ومع ذلك.. وصلته الصواريخ اليمنية بدقة، مكشفةً ضعف الدفاعات الجوية الإسرائيلية الأمريكية المشتركة.
واشنطن.. من الاستقواء إلى التفاوض
هذا الأسبوع، حمل تطورًا لافتًا.. الولايات المتحدة أعلنت وقف عدوانها على اليمن مؤقتًا، في ما بدا أنه اعتراف ضمني بفشل الخيار العسكري، وكمحاولة لشراء تهدئة مؤقتة تسمح لسفنها بالمرور الآمن في البحر الأحمر، بعدما فشلت في تأمين الحماية للسفن الإسرائيلية التي تعرضت لهجمات متتالية.
هذا التحول يعكس نجاح استراتيجية الضغط العسكري اليمني، ليس فقط في التأثير الميداني، بل في فرض حضور سياسي لا يمكن تجاهله.. فواشنطن التي سعت إلى ردع صنعاء، اضطرت في النهاية إلى التفاوض غير المباشر والبحث عن مخرج يحمي مصالحها التجارية والاستراتيجية.
دلالات التراجع الأمريكي
ما كشفته الوقائع الأخيرة، بحسب محللين، أن المعادلة الإقليمية بدأت بالتحول جذريًا:
-
الردع اليمني بات فاعلًا: فالصواريخ والمسيّرات لم تعد رمزية بل عملياتية، تصيب وتُحدث أثرًا اقتصاديًا وأمنيًا.
-
غزة ليست وحدها: فخطاب السيد عبدالملك الحوثي، كما عملياته، أثبت أن المقاومة تمتد جغرافيًا، وتملك أدواتها خارج حدود فلسطين.
-
الإسناد الشعبي والعسكري مستمر: رغم العدوان، لم تنكسر إرادة الشعب اليمني، بل زاد زخم المواجهة على مختلف المستويات.
ما بعد التراجع ليس كما قبله