تحليل/د.ميخائيل عوض/وكالة الصحافة اليمنية//
التهاب الجبهة بين الهند وباكستان لسبب مُدَّبر، جاء مفاجئاً للكثيرين، وسبب ارتباكات في الرؤية والتحليل. فسارع محاربي الفضائيات، وجنرالات وخبراء وسائط التواصل، بالتهويل بحرب نووية، وبحرب عالمية ثالثة، وبالويل والثبور!
المتابع الحصيف والموضوعي لم يؤخذ بتلك الهواجس والعنتريات، فليس من سبب فعلي، وليس من ظروف وشروط لإشعال حرب إقليمية، قد تتطور بسرعة وتخرج عن السيطرة.
الأزمة الكشميرية قديمة، وسبب للتوترات بين الهند وباكستان، ودوماً كانت تحت السيطرة، ومتروك حلها ومعالجتها كالنار تحت الرماد. فهناك لاعب دولي كان خفياً واتضحت صورته وعناصره، خلق سلسلة من الأزمات وتركها تحت السيطرة، للاستخدام عند حاجته. وكشمير واحدة منها كما كانت “كرباخ” بين أذربيجان وأرمينيا، وكما هي مسائل الحدود والترسيم والتباينات على ملكية الجزر والمياه الإقليمية، وترسيم الحدود البحرية.
الجهة الخفية لتخليق الأزمات
الجهة الخفية التي كانت مهيمنة، وتعمل على تخليق الأزمات والحروب، وتمنع من حل المشكلات، وإنجاز التسويات؛ هي “حكومة الشركات العالمية الخفية”، أو ما أطلقنا عليها “لوبي العولمة”، بطبائع انجلوساكسونية، ومحاولات أمركة العالم والحياة الإنسانية.
الحاكم والمتحكم بالعالم انكشف سافراً، وبلغ حد اللامعقول في توحشه وبطشه وحروبه، لتدمير الأمم والشعوب والبشرية، ما تسبب بصعود ظاهرة مقاومته في عقر داره، وحيث فرض سطوته على أمريكا، واستخدمها في حروبه، وسعيه للتحكم بالأمم والشعوب.
في بيته صعدت ظاهرة “الترمبية”، وجددت نفسها أفعل وأوعى وأقوى من تجربة ترمب الأولى، التي أُجهِضت وحُرِمت من ولاية ثانية.
بعد أن أحكمت الترمبية قبضتها على أمريكا وإدارتها، يسعى لوبي العولمة للنفخ في رماد الأزمات الكامنة، لإشعال الحرائق والحروب المدمرة. كما فعل في أوكرانيا وفلسطين، ومع اليمن، وحاول في إفريقيا، وفشل، ويبقى يحاول في أمريكا الجنوبية والكاريبي. وعندما لاحت بوادر وقف الحرب الأوكرانية بهزيمة ساحقة لأدواته في أوروبا، ونضج الحرب في غزة للنهاية، حاول المبادرة لإشعال حرب بين أقطاب أسيا النوويين، وعينه على تخليق أزمات تقيد الترمبية، وتسقط مشروع ترمب لوقف الحروب، وتؤمن بيع الأسلحة والذخائر، التي تقادمت، وثبت عدم جدواها في حرب غزة ومع اليمن.
ترمب صاحٍ، وصاحب تجربة وخبرة، ويعرف أنَّ الكثير من الأزمات والحروب التهبت بفعل فاعل، ولتخديم مصالحه، وبينها محاصرته تمهيداً لإسقاطه.
ولأنه محارب، وأعدَّ عدته، وعرف وخَبِر ألاعيب لوبي العولمة، قرر أن يضرب بيد من حديد، وأن يغير إيقاع الأزمات والتطورات. فأمر فوراً بوقف النار، وتوقفت. وتوقفها بهذه السرعة، والاستجابة بلا نقاش، أو مخاتلة يدل على حجم نفوذه وقوته، وحجم عجز وقصور لوبي العولمة، وضعف أدواته.
بين رمية الله، وحاجات الظروف الموضوعية، تقع الأحداث غير المسبوقة، وتفرض منطقها
بإيعازه لوقف الحرب بين الهند وباكستان، وجه صفعة للوبي العولمة، وقيَّده وأظهره على ضعفه، وهامشية أدواته. ويبدو ليس صدفة نجاحه السهل بوقف الحرب، فذلك على صلة بمفاجأته لنتنياهو في حرب غزة، وبانقلابه على إسرائيل كأهم قاعدة ومنصة للوبي العولمة. وزار السعودية والخليج وتجاهل نتنياهو وإملاءاته ورهاناته، كما حرر بن سلمان من الضغوط للتطبيع، وأَمنَّه بالنووي السلمي، على وقع أخبار نجاح الجولة الرابعة من المفاوضات النووية مع إيران، والتوافق مع الصين.