المصدر الأول لاخبار اليمن

التصفيق في الرياض والصراخ في غزة.. الخارطة العربية تغرق في تناقضات الدم والنفاق السياسي

خطاب ترامب يتزامن مع مجزرة مستشفى غزة الأوروبي

تحليل/عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//

 

تصفيقٌ حارّ في الرياض، وصراخ فاجعة مجزرة دموية في مستشفى غزة الأوروبي.. مشهدان متوازيان شكّلا مساء الثلاثاء لوحةً دامية لمعادلة غير عادلة.. جسدت الانفصام الأخلاقي بين احتفالات السياسة وواقع الدم، حيث اعتلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب منبر الخطابة في قمة سعودية-أمريكية مليئة بالمجاملات والغنائم، بينما كانت طائرات الاحتلال الإسرائيلي تحوّل محيط مستشفى غزة الأوروبي إلى مسرح مجزرة جديدة تضاف إلى سجل جرائم حرب الإبادة الجماعية.

جاء خطاب ترامب، الذي أعاد فيه إنتاج خطاباته القديمة حول “الحماية” و”التحالفات”، تزامنًا مع تصعيد غير مسبوق في جنوب قطاع غزة، حيث استهدفت غارات الاحتلال، مساء الثلاثاء، محيط وساحات مستشفى غزة الأوروبي شرق خان يونس، في هجوم وصفته وزارة الصحة الفلسطينية بـ”المنظم والمقصود لتدمير ما تبقى من النظام الصحي في القطاع”.

وبينما كانت القاعة في الرياض تضج بالتصفيق، كانت صرخات الأطفال والنساء تتعالى تحت الركام، إثر استخدام الطائرات الإسرائيلية بـ”أحزمة نارية” من قنابل أمريكية الصنع، استهدفت بشكل مباشر خيام النازحين والمرافق الصحية المحيطة بالمستشفى.. وأسفر الهجوم عن استشهاد 34 مدنيًا وإصابة أكثر من 40 آخرين، في ظل عجز تام للطواقم الطبية عن التدخل السريع بسبب شدة القصف وخروج المستشفى عن الخدمة جزئيًا.

استقبال البقرة الحلوب

لم يكن الحدث مجرّد تزامن عابر بين قمتين.. قمة سياسية وأخرى دموية، بل بدا كأنه مشهد متعمد يعكس موازين الانحياز الأميركي المطلق لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وغياب أي موقف أخلاقي من الدول المستضيفة لترامب.

فالرئيس الأميركي الذي تفاخر في خطاب سابق بـ”حلب” 600 مليار دولار من “البقرة الحلوب” السعودية، لم يجد في استمرار المجازر أي حرج يردعه حتى عن الخطابة، ولو من باب المجاملة لدولةٍ تحتضن الحرمين الشريفين للمسلمين.

وبينما قدّمت السعودية استقبالا فخما لترامب، على وقع موسيقى المجاملة السياسية، كانت شاشات الواقع في غزة تنقل مشهدًا مغايرًا.. سيدة فلسطينية تصرخ أن “الأرض انشقت وابتلعت الناس” أمام عينيها، عقب قصف الساحات الخارجية لمستشفى لجأ إليه آلاف النازحين بحثًا عن حماية مستحيلة.

استهداف منهجي للمنظومة الصحية

بيان حركة حماس عقب المجزرة، وصف الغارات بأنها “جريمة مكتملة الأركان” تستهدف ما تبقى من المرافق الصحية في غزة، محذّرة من أن تكرار هذه الهجمات يؤكد وجود قرار سياسي وعسكري إسرائيلي بإنهاء أي قدرة للمجتمع الفلسطيني على الصمود، حتى من باب العلاج.

الاحتلال، من جهته، برر القصف كالعادة بوجود “مراكز عسكرية” قرب المستشفى، وهي تبريرات دأب على استخدامها منذ بدء العدوان على غزة، رغم التناقض الفجّ بينها وبين حجم الضحايا وطبيعتهم.

القانون الدولي في موت سريري

تُعد هذه المجزرة امتدادًا لسلسلة طويلة من الانتهاكات التي طالت المستشفيات ومراكز الإيواء في غزة، والتي تكررت بشكل مكثف منذ بدء العدوان على غزة في اكتوبر 2023.. وهي انتهاكات تؤشر إلى تلاشي أي أثر عملي للقانون الدولي الإنساني، خصوصًا في ظل غياب المحاسبة وصمت الأطراف الفاعلة.

إن استهداف منشآت طبية كمستشفى غزة الأوروبي، الذي يُعتبر من أكبر المراكز الطبية في الجنوب، لا يمكن تفسيره سوى بكونه رسالة واضحة بأن لا ملجأ آمن في غزة، وأن القتل لا يستثني لا المرضى ولا من يسعفهم.

العار في زمن الخطابات

المفارقة القاتلة أن المجزرة وقعت بينما كان ترامب يُخاطب أنظمة تُنفق المليارات على صفقات السلاح، في وقتٍ يعجز فيه أكثر من اثنين مليون فلسطيني محاصرون في غزة عن تأمين رغيف خبز أو جرعة دواء.. وبينما يُستقبل مهندسو الحرب بالورود، يُدفن أطفال غزة تحت الركام.

إن مشهد الرياض وغزة في تلك الليلة، كان أقرب ما يكون إلى تجسيدٍ حي للفصل الأخير في سقوط القيم والروابط، حيث تحوّلت السياسة إلى صكوك غفران تمنح للمجرمين، وتحوّل الدم الفلسطيني إلى تفصيل هامشي لا يُقاطع من أجله حتى خطابٌ لرئيس مشارك في قتل شعوب عربية في فلسطين واليمن.

قد يعجبك ايضا