المصدر الأول لاخبار اليمن

رهف التي لم تعد قادرة على الوقوف… حين تبتر الحرب طفولة غزة

عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//

 

 كانت الطفلة رهف سعد، تلعب أمام باب منزلها في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، تركض.. تلاحق ظلها وضحكتها، تصرخ فرحًا بين أخوتها، لم تكن تدرك أن ذلك اللعب، سيكون آخر ما تفعله بساقيها الصغيرتين.. وأن العدوان الإسرائيلي النازي يكتب نهايات الطفولة بخط ناري.

صاروخ يمزق الطفولة

لحظة واحدة كانت كفيلة بقلب حياتها رأساً على عقب.. صاروخ إسرائيلي مزق الهواء، ثم سقط على جدار البيت كوحشٍ أعمى.. انهارت الجدران، تحطمت الأبواب والنوافذ، وسقطت دميتها الحمراء… وساقاها.

تحوّلت الطفلة المرحة إلى جسدٍ مدمى، وطفولتها إلى مأساة محفورة في اللحم والعظم.

الإسعاف المؤجل والوجع المبكر

نُقلت رهف.. التي لم تكمل عامها الثاني، إلى أحد المستشفيات الميدانية وقد فقدت وعيها، بينما كانت شظايا العدوان قد سبقت سيارة الإسعاف في تشويه جسدها.. فقدت ساقيها، لتغدو واحدة من آلاف الأطفال الذين شطب العدوان الإسرائيلي أسماءهم من دفاتر الحياة.

لكن مأساة رهف لم تتوقف عند البتر، فالمستشفى نفسه كان يعاني جراء الحصار الذي تشارك فيه دول عربية نقصًا حادًا في الأدوية، وفي الأطراف الصناعية، بل وحتى في الكهرباء.. البرد كان ينهش جسدها كما فعلت الشظايا.

متى أرجع ألعب؟

حين فتحت رهف عينيها، لم تجد نفسها في حوش المنزل، ولا في حضن أمها، بل في سريرها المغطى ببطانية رمادية، وسط خيمة طبية ترتجف من البرد والخوف.. لم تجد سوى بقايا من نفسها، ووجع يشبه الغصة التي لا يمكن ابتلاعها.

تلتفت بعيونها البريئة نحو السماء المتشققة، ثم إلى أمها حاولت أن تتحرك.. لكنها لم تستطع، نظرت إلى جسدها، فلم تجد قدميها، وسألت بصوت خافت: “ماما، متى أرجع ألعب؟”

لكن السؤال، الذي جاء مبللًا بالبراءة، ارتطم بصمت الأم ودموعها، ولم تجد له جوابًا، فقد بُترت ساقاها، وبُتر معها الطريق إلى ساحة اللعب.

أم تحاول الحماية.. لكن الطائرات لا ترحم

تقول والدة رهف، وهي تمسك بيد طفلتها: “كنا نحميها من البرد، من التعب، من المرض.. لكننا لم نستطع أن نحميها من الطائرات.”

ليست وحدها

رهف ليست حالة نادرة.. بل واحدة من أكثر من 12 ألف طفل أُصيبوا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، بين هؤلاء.. نحو 4700 طفل فقدوا أطرافهم، وآلاف آخرون فقدوا بيوتهم، مدارسهم، عائلاتهم، وحتى ملامح الأمان.

رهف ليست وحدها.. هي فصلٌ من رواية متكررة تُكتب يوميًا في غزة، حيث يُولد الأطفال في أحضان الخوف، ويكبرون على أصوات القصف، ويحلمون فقط بأن يعيشوا يومًا بلا طائرات، بلا جوع، بلا دماء.. فكل طفل في غزة يمشي اليوم فوق رماد، ويخشى أن يكون اسمه التالي في دفتر البتر أو القبر.

رمز لطفولة مكسورة

رهف لم تعد تمشي وتقف، لكنها تمثل صرخة في وجه العالم، نموذجًا لطفولة منزوعة الأطراف، مسحوقة تحت ركام السياسة والصمت الدولي تقف الآن كرمزٍ لطفولةٍ مُغتالة، لطفلة كانت تحلم بلعبة.. فعادت منها مبتورة.. هي وجه واحد من وجوه المأساة، وصوت صغير يطرق أبواب الضمير الإنساني: “لماذا قصفوني؟ وهل كنتُ ألعب في المكان الخطأ؟”

تنام رهف الآن تحت بطانية باهتة، يتسلل منها الهواء والوجع، بينما آلاف الأطفال مثلها، يحملون أجسادًا مثقوبة، وقلوبًا أكبر من أعمارهم، وذكريات لا مكان لها في حياة بريئة.

قصة رهف تختصر كل ما في العدوان الإسرائيلي من ظلم.. وحصار.. وموت مؤجل.. هي وجه من وجوه الألم، فصل من رواية تُكتب كل يوم في غزة.. والفرق الوحيد بين الأمس واليوم، أن الضحية الآن اسمها رهف.

قد يعجبك ايضا