تحليل/د.ميخائيل عوض/وكالة الصحافة اليمنية//
حرب المصطلحات والتسميات فرعٌ خطير من الحرب الإعلامية والثقافية بل القيمية.
فاللغة كائن حي، وهي خزان ذاكرة الأمة، والكلمات لها محمولات هامة، وكثيراً ما تكون قاطعة كالسيف “فلسانك حصانك إن صنته صانك”.
نحن متخلفون جداً عن الركب، بل ليس لنا مكان. وقد دهمت البشرية قيم وثقافات وأديان وتعابير ومصطلحات أنتجتها فبركات ومصانع حروب كسب العقول والقلوب. وقد تصير مصانعها خارج السيطرة مع الذكاء الصناعي والشبكات.
للأسف لم تتصدر جهة فاعلة ونوعية لتخوض حرب المصطلحات سوى جهد بذله الأسد الأب، وظلَّ قاصراً ولم تلبه الجهات والوزارات ولا كتلة محور المقاومة.” فكلُّ غنى على ليلاه”.
حاولنا مراراً لكن “ما باليد حيلة” وسعينا لتصويب وتصحيح بعضها بحسب الأولوية والخطورة، وركزنا على فرية “التطبيع”.
اتفاقات “التتبيع”
“التطبيع” يكون بين أمرين طبيعيين، فلا تطبيع بين الحديد والقش! ولن تكون تفاعلات كيميائية حيوية مثلاً. فكيف توصف أيَّة علاقات بين إسرائيل ككيان مُصنَّع ومزروع لتأدية دور وظيفي مؤقت في بيئة ترفضه، مع دولة ولو كانت مصنعة فهي تنتمي إلى بيئتها التاريخية، ومستهدفة في وجودها من إسرائيل ومن صَنعها ووظفها. وأطلقنا صفة “التتبيع” فكل المعاهدات والاتفاقات والإجراءات التي اتخذت تحت مسمى “التطبيع” كانت تتبيعاً واضحاً لا لبس فيه. والأدلة كثيرة وقاطعة نعيشها ملموسة في نتائج اتفاق أوسلو وحالة سلطة أبو مازن وغيرها.
والطَّامة الكبرى أنَّ مثقفينا والوسائط الإعلامية على اختلافها وتنوع وظائفها، تتعشق تعبيراً أو توصيفاً ومصطلحاً وتتشرَّبه وتسرده في كل حين وكأنه صحيح، ويصح في كل مكان وزمان وبأي تصرفات!
نُتخَم اليوم بالحديث عن التطبيع بين سورية وسلطتها الجديدة، ولبنان وعهده الجديد، مع إسرائيل وتقام التنظيرات والهوبرات وتملأ الفضاءات!
ننبه؛
أنه “تتبيع” وليس تطبيعاً
إنَّ الواقع ومجرياته وإعلانات نتنياهو نقلت العلاقات من سعي للتتبيع إلى تحويل سورية ولبنان إلى محميات إسرائيلية مباشرة أو بوساطة أمريكية غربية وفي سورية تتبيعٌ عبر التتريك!
هل سمعتم كلمة واحدة من نتنياهو عن التتبيع ؟؟
أعلنها والسلطات تستجيب! إسرائيل الكبرى وشرقها الأوسط أي أنَّ المخطط جعلها دول تابعة تستجيب بطاعة عمياء لإملاءاته. بل الأصح جماعات متنافرة وأحياناً محتربة في طيف هياكل دول، تستجيب لما يقرره ويفرضه نتنياهو!
نتنياهو لم يعد يرغب برؤية علم لبناني أو سوري يرفرف في حيفا، بل يريد أن يبسط سلطة وعلم إسرائيل فيها وليس لأحد منها مِنةً أو مكسباً.
هل يحتاج الأمر إلى كثير من الأدلة؟ ألا يكفي وهبَ نتنياهو جثة جندي، وأرشيف كوهين، والتخلي عن الجولان، وتسليمه جبل الشيخ، وثلاث محافظات عزيزة على السوريين بمياهها وسدودها وجبالها وأرضها الخصبة، وترك يده تضرب حيث تشاء؟! والتزامٌ تام بشروطه وبما يأمر؟
لبنان؛ هل منكم أحدٌ يستطيع تقديم واقعات تفيد بأن السلطة بمختلف أركانها ومؤسساتها تجرأت على رفض أمر لنتنياهو؟ وواقعات المطار والطيران الإيراني والعراقي، وإعادة الإعمار والأموال شواهد، والاعتداءات الإسرائيلية اليومية، واستهداف الضاحية في منطقة ” الحدث- السان تريز” التي لا تبعد مئات الأمتار عن القصر الجمهوري، والمفترض أنها في حرمه الأمني؟!
لا نبخس قائد الجيش حقه فقد أعلنها أن إسرائيل باحتلالها وعدم التزمها بوقف النار كانت سبباً في تأخير الكثير من الإجراءات، وكذا فخامة الرئيس الذي أكدَّ أنَّ معالجة سلاح حزب الله بالحوار وبهدوء.
ومازالت إسرائيل تقتل وتدمر وتحتل وتتوسع والخماسية تغطيها! وليس على لسان المسؤولين إلا السلاح وتسليمه؟؟
نطرح المسألة لا حباً بإثارة مسائل خلافيَّة فلدينا كم هائل منها. إنما التزاماً بمبدأ أساس في الطب والعلاج كما في السياسة وإدارة الدول والمجتمعات؛
توصيف ومعرفة كنه الأمر بواقعية ودقة هو أصل العلاج والمواجهة، والخطأ يكون أصل البلاء.
فمواجهة التتبيع تكون مختلفة في الأدوات والتشكيلات والجهود عن مواجهة الاحتلال، والتعامل مع طيف هياكل الدول والشعوب كمحميات وأرض بور.
دققوا في الأمر! فكروا من خارج الصندوق! وتحرروا مما عشعش في الأذهان والتصق بغراء لا ينفك عن الألسن! وإلا تفوت الفرص وتتهدد الأوطان والكيانات مخاطر نوعية وتاريخية، فتنهار النظم والوحدات الوطنية ويصبح السلم المجتمعي والأهلي في خبر “كان الزمان وكان.”
إنه تتبيع وإخضاع واحتلال مباشر ومقنَّع. ومقاومته واجب قيمي وأخلاقي وديني، ومصلحة وطنية واجتماعية.
فلنسمِ الأشياء بمسمياتها قبل فوات الأوان والنحيب على الذي كان.
فالإصرار على التهويل “بالطبيع” حماقة وتهويل فارغ وحرف عن الحقائق يعطي العدو واتباعه والتابعون فرص لتمرير المخططات والفتك بالدول والمجتمعات حيث لا ينفع اندم.