المصدر الأول لاخبار اليمن

تحول تاريخي في مواقف الدول الأوروبية تجاه جرائم الإبادة الإسرائيلية في غزة

تحليل/ وكالة الصحافة اليمنية//

منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر 2023، شهدت المواقف الأوروبية تحولاً جذرياً ومفاجئاً في نبرتها وإجراءاتها تجاه الاحتلال الإسرائيلي، في ما بات يُعرف إعلامياً وسياسياً بـ”تسونامي أوروبا”، فبعد أن كانت معظم الدول الأوروبية تقف بشكل تقليدي إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي وتوفر له غطاءً سياسياً ودبلوماسياً، والبعض يدعمه بالأسلحة

بدأت هذه المواقف تتغير تدريجياً مع تصاعد حدة العدوان وتفاقم الكارثة الإنسانية في غزة.وهذا التحول لم يكن وليد اللحظة، بل جاء نتيجة لعدة عوامل متداخلة:

 

فشل الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق أهدافه العسكرية

مع استمرار العدوان لفترة طويلة دون تحقيق نتائج حاسمة، وتحول الأهداف الإسرائيلية نحو تهجير الفلسطينيين، بدأت الدول الأوروبية تشعر بالقلق من تداعيات هذا الفشل على استقرار المنطقة بأكملها.

تفاقم الكارثة الإنسانية

أدى استهداف المدنيين والأطفال بشكل ممنهج، وتفاقم المجاعة والأزمة الإنسانية في غزة، إلى إحراج متزايد للحكومات الغربية أمام شعوبها التي تواصل احتجاجاتها الرافضة للإبادة الجماعية.

تدني المصداقية الأخلاقية للمنظومة الغربية

كشف التناقض بين الخطاب الغربي المدافع عن حقوق الإنسان والصمت على جرائم الإبادة في غزة عن ازدواجية معايير صارخة، مما دفع العديد من الدول الأوروبية إلى محاولة استعادة مصداقيتها أمام الشعوب والرأي العام العالمي.

 

ضغط الرأي العام والحراك الشعبي

لعبت المظاهرات الحاشدة في العواصم الأوروبية، وتصويت أصحاب كبرى المتاجر في بعض الدول لصالح مقاطعة البضائع الإسرائيلية، وضغط نواب من الأحزاب الحاكمة على قيادات بلدانهم، دوراً محورياً في دفع الحكومات الأوروبية نحو تغيير مواقفها.

 

تصنيف مواقف الدول الأوروبية والإجراءات المتخذة

يمكن تصنيف مواقف الدول الأوروبية الرافضة لجرائم الإبادة في غزة إلى ثلاث فئات رئيسية:

دول اتخذت إجراءات عملية ملموسة مثل :

بريطانيا:
تعد بريطانيا في صدارة الدول الأوروبية التي اتخذت إجراءات عملية ضد الاحتلال الإسرائيلي، حيث:
– أعلنت تعليق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع الاحتلال الإسرائيلي.
– استدعت السفيرة الإسرائيلية في لندن وقامت بتوبيخها رسمياً على جرائم الحرب المرتكبة في غزة.
– فرضت عقوبات على شخصيات استيطانية وشركات ومؤسسات تنشط في المستوطنات، أبرزها دانيئيلا فايس، رئيسة حركة “نَخَلا”، التي مُنعت من دخول الأراضي البريطانية.
– خرج رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن صمته، مهاجماً سياسات نتنياهو داخل البرلمان، ومنددًا باستهداف الأطفال وتجويع السكان في غزة، مؤكدًا أن هذه الأفعال “لا تُطاق”.

إسبانيا:
اتخذت إسبانيا موقفاً واضحاً ضد جرائم الإبادة في غزة على النحو التالي:
– صوّت البرلمان الإسباني لصالح مشروع قانون لمنع بيع الأسلحة إلى “إسرائيل”.
– دعا رئيس الوزراء الإسباني إلى وقف إطلاق نار دائم وإتاحة ممرات آمنة لدخول المساعدات إلى غزة.
– أكد على ضرورة إحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

دول أعلنت عن مواقف رافضة مع تهديد باتخاذ إجراءات

فرنسا: اتخذت فرنسا موقفاً متصاعداً في رفضها للجرائم الإسرائيلية، حيث:
– أعلنت دعمها لمراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والاحتلال الإسرائيلي.
– لوحت بفرض عقوبات إضافية على الاحتلال الإسرائيلي.
– دعت لوقف العدوان فوراً.
– هناك توقعات بإعلان فرنسي رسمي للاعتراف بالدولة الفلسطينية في الشهر المقبل.

هولندا: اتخذت هولندا موقفاً أكثر حزماً مما كان متوقعاً، حيث:
– تباحثت مع 17 دولة أوروبية في إلغاء اتفاق الشراكة الأوروبية مع الاحتلال.
– قادت جهوداً دبلوماسية لتنسيق موقف أوروبي موحد أكثر صرامة تجاه الاحتلال الإسرائيلي.

إيطاليا: رغم أنها كانت تقليدياً من الدول الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، إلا أن إيطاليا بدأت تغير موقفها، حيث:
– عبّرت وزيرة خارجية إيطاليا عن غضبها من معاناة الفلسطينيين.
– طالبت بوقف الانتهاكات الإسرائيلية.

ورغم أهمية المواقف الأوروبية المتصاعدة ضد جرائم الإبادة في غزة، إلا أن العديد من المحللين يرون أن هذه الإجراءات لا تزال ذات طابع رمزي، اذا ما تم إيقاف تصدير الأسلحة الأوروبية الى “إسرائيل”، واعتراف جميع الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية.

وعلى الرغم من محدودية التأثير المادي المباشر للإجراءات الأوروبية، إلا أن تأثيرها السياسي والمعنوي يبدو أكثر أهمية، مثل:

– تراجع شرعية الاحتلال الإسرائيلي الأخلاقية في الغرب للمرة الأولى منذ عقود.
– تقويض الغطاء السياسي الذي كانت توفره الدول الأوروبية للاحتلال.
– خلق حالة من القلق داخل المؤسسة السياسية الإسرائيلية، كما يتضح من تحذيرات مسؤول رفيع بوزارة الخارجية الإسرائيلية من “تسونامي سياسي يتفاقم” وقوله: “العالم لم يعد معنا، ولا نملك خطة لليوم التالي”.

ويُعد استمرار الضغط الشعبي في الدول الأوروبية عاملاً حاسماً في دفع الحكومات نحو مواقف أكثر حزماً. فقد أظهرت التجربة أن المظاهرات الحاشدة في العواصم الأوروبية، والحملات الإعلامية، ومبادرات المقاطعة الاقتصادية، كان لها تأثير ملموس على صناع القرار.

بالإضافة الى أن استمرار العدوان الإسرائيلي وتفاقم الكارثة الإنسانية، قد يشكل دافع لدى الحكومات الأوروبية لاتخاذ مواقف أكثر حزماً. وقد يؤدي أي تصعيد إسرائيلي جديد إلى تسريع وتيرة التحول في المواقف الأوروبية.

الموقف الأمريكي

رغم استقلالية المواقف الأوروبية المتزايدة، إلا أن الموقف الأمريكي لا يزال يلعب دوراً مؤثراً في تحديد سقف الإجراءات الأوروبية. فأي تغير في الموقف الأمريكي نحو مزيد من الضغط على “إسرائيل” قد يفتح الباب أمام إجراءات أوروبية أكثر جرأة.

الخاتمة

يمثل التحول في المواقف الأوروبية تجاه جرائم الإبادة التي ترتكبها “إسرائيل” في غزة نقطة تحول مهمة في مسار الصراع، وإن كان تأثيره المباشر لا يزال محدوداً. ومع استمرار العدوان وتفاقم الكارثة الإنسانية، من المتوقع أن تتصاعد حدة المواقف الأوروبية الرافضة، وأن تتخذ المزيد من الدول إجراءات عملية ضد الاحتلال الإسرائيلي.

غير أن الفجوة بين التصريحات والإجراءات الفعلية لا تزال كبيرة، وهو ما يتطلب استمرار الضغط الشعبي والدبلوماسي لدفع الدول الأوروبية نحو مواقف أكثر حزماً وفعالية في مواجهة جرائم الإبادة في غزة، وصولاً إلى وقف العدوان وإنهاء الحصار ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب.

قد يعجبك ايضا