عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//
عطّرت ثوبها كما كانت تفعل كل عام، وتوجهت الأم نور النبيه، المعروفة بلقب “أم الشهداء”، وهي تحمل في قلبها جراحًا لا تندمل، إلى المقبرة برفقة شقيقها عاصم وأطفاله، حاملةً في يدها كعكة صغيرة وشموعًا. المناسبة لم تكن عادية، بل ذكرى ميلاد طفليها الشهيدين: رشا التي كانت ستُكمل عامها الحادي عشر، وأحمد الذي كان سيبلغ الثانية عشرة بعد أسبوع.
احتفال على التراب
بهدوء موجع، جلست نور عند قبري طفليها الصغيرين، أشعلت شمعتين، ووزعت قطع الكعك على الحاضرين من حول القبر.. تبادلت الضحك والدموع مع شقيقها، واستحضرت مواقف طفولية بريئة عاشها الطفلان قبل أن تقطعهما غارة جوية حوّلت أحلامهما إلى رماد.. مشاعر متداخلة بين الحنين والفقدان، بين الفرح الزائف والحقيقة المؤلمة.
كانت الطفلة الشهيدة رشا تنتظر عيد ميلادها بفارغ الصبر، وأحمد كان قد كتب قائمة أمنياته، دفنا أحلامهما وطفولتهما تحت التراب، ولكن الأم جاءت لتخرجها من الذاكرة، وتبقيها حية.
أسئلة في وجه الضمير الغائب
في لحظة تأمل مفجعة، تساءلت الأم المفجوعة: “كان يجب أن تعيش رشا، وكان يجب أن يعيش أحمد.. كيف استطاع كابتن الطائرة أن يضغط على الزر؟ كيف ينام؟ كيف يحتضن أطفاله ببساطة؟”
أسئلتها لم تكن موجَّهة للعالم بقدر ما كانت صرخة في وجه الضمير الإنساني الغائب.
أطفال ليسوا أرقامًا
في زمن تتكاثر فيه القوائم، وتحصي التقارير عدد الضحايا كأرقام، تؤكد الأم نور أن رشا وأحمد لم يكونا مجرد رقمين في سجل الضحايا.. كانا قلبين صغيرين، توقفا عن النبض، لكنهما لم يتوقفا عن الحياة في ذاكرة أمِّهما.
“رشا كانت تحب الرسم، وأحمد كان يريد أن يصبح طيارًا لم يكن يعلم أن نهايته ستكون على يد طيار.. أي مفارقة قاسية تلك؟”، تضيف نور وهي تمسح دمعة سقطت على قطعة الكيك.
عدوان يسرق الحياة
لا شيء يعوّض الأم نور عن فلذتي كبدها، لكن زيارتها السنوية هذه، وتحويل ذكرى ميلادهما إلى وقفة وفاء، تبقى فعل مقاومة ضد النسيان.