تراجعت مؤشرات الأسهم الأميركية مع افتتاح جلسة تداولات اليوم الإثنين، على خلفية إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه مضاعفة الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم، ما شكّل صدمة جديدة للأسواق العالمية وأعاد إلى الواجهة مخاوف من تصاعد نهج الحماية التجارية الذي تبنته الإدارة الأميركية سابقاً.
هذا التوجه يعكس استمرار التذبذب في السياسات الاقتصادية الأميركية، ويثير شكوك المستثمرين بشأن الاستقرار طويل المدى في مناخ الأعمال العالمي.
المؤشرات الرئيسية للأسواق الأميركية أظهرت استجابة فورية لهذا التصعيد؛ حيث سجل مؤشر “داو جونز” الصناعي انخفاضاً طفيفاً، وتراجع مؤشر “ستاندرد أند بورز 500″ و”ناسداك” بنسب أكبر قليلاً، مما يشير إلى حساسية الأسواق تجاه التحركات السياسية المفاجئة، لا سيما تلك المتعلقة بالتجارة الدولية.
ويعكس هذا التراجع القلق المتزايد من احتمال اندلاع نزاعات تجارية جديدة مع شركاء اقتصاديين كبار مثل الصين والاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يضر بسلاسل الإمداد العالمية ويؤثر بشكل مباشر على الشركات الأميركية متعددة الجنسيات.
التأثير لم يتوقف عند أسواق الأسهم، بل امتد إلى أسواق العملات، حيث تراجع الدولار الأميركي أمام معظم العملات الرئيسية.
حيث فقد الدولار 0.8% من قيمته مقابل الين الياباني، في حين حقق كل من اليورو والجنيه الإسترليني مكاسب واضحة، مدعومة بتراجع الثقة في السياسة التجارية الأميركية. المفارقة أن الدولار الكندي، رغم كونه مرتبطًا عضوياً بتجارة الصلب مع الولايات المتحدة، لم يتأثر سلباً، بل ارتفع إلى أعلى مستوياته منذ ثمانية أشهر، ما يعكس توقعات بأن كندا قد تستفيد من تصاعد التوترات بين واشنطن وبكين.
ويُفسّر هذا التراجع في قيمة الدولار، الذي بلغ 0.6% وفق مؤشر الأداء أمام سلة من العملات الرئيسية، على أنه رد فعل مباشر على حالة عدم اليقين الناتجة عن الإجراءات الجمركية الجديدة، فيما تزداد خطورة الموقف مع التصريحات المضادة الصادرة من الصين، التي رفضت اتهامات ترامب بشأن انتهاك اتفاقيات المعادن النادرة، مما يفتح الباب أمام موجة جديدة من التصعيد.
ويرى خبراء في الأسواق المالية أن هذه السياسات قد تؤدي إلى إدخال الاقتصاد الأميركي في مرحلة “ركود تضخّمي”، أي مزيج من تباطؤ النمو وارتفاع الأسعار، وهي الحالة الأسوأ اقتصادياً لأنها تحدّ من قدرة صناع السياسات النقدية على المناورة.
ويعزز هذه الفرضية الأداء المتراجع للدولار منذ عدة أسابيع، حيث تسود حالة من عدم الاستقرار نتيجة القرارات التجارية المتقلبة لإدارة ترامب، التي غالباً ما تعلن ثم تتراجع، ما يزيد من منسوب الضبابية في الأسواق.
في المحصلة، لا تبدو الأسواق الأميركية متأقلمة مع تجدد نبرة التصعيد التجاري، كما لا يجد الدولار دعماً كافياً في ظل تآكل الثقة بسياسات الإدارة.
وإذا استمرت هذه المقاربة في فرض الرسوم وإثارة التوترات، فإن التأثير لن يكون محصوراً في أرقام المؤشرات أو نسب التراجع، بل قد يتحوّل إلى تحول هيكلي في موقع الولايات المتحدة داخل الاقتصاد العالمي، لا سيما مع استعداد قوى اقتصادية بديلة، كالصين والاتحاد الأوروبي، لشغل الفراغات التي قد تتركها واشنطن.