تقرير/وكالة الصحافة اليمنية//
تشهد المنطقة العربية تحولات جيوسياسية عميقة، يبرز خلالها الدور السعودي كفاعل رئيسي في محاولة إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية، بهدف خدمة المشروع الأمريكي “الإسرائيلي”، وذلك عبر تبني استراتيجيات تدخل مباشرة كما يتجلى في اليمن، وغير مباشرة كما يظهر في لبنان وسوريا والعراق، وصولاً إلى السودان وليبيا.
حرب اليمن وتبني استراتيجية القوة الناعمة
بعد التدخل السعودي العسكري في اليمن في مارس 2015، أثبتت الحرب فشلاً ذريعًا في تحقيق أهدافها المعلنة، ما كشف عن محدودية القوة العسكرية المباشرة للمملكة.
دفع هذا الفشل السعودية إلى تبني استراتيجيات غير مباشرة لتنفيذ الدور الموكل إليها من الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يهدف إلى تفكيك محور المقاومة.
تعتمد هذه الاستراتيجيات على القوة الناعمة، المتمثلة في استخدام الوكلاء المحليين، وهو ما ظهر بوضوح في سوريا والعراق، وصولاً إلى السودان وليبيا.
لبنان: مركزية الصراع وأدوات الضغط السعودية
يعد لبنان، بموقعه الجيوسياسي، حلقة مركزية في الصراع الإقليمي الدائر بين محور المقاومة والمشاريع الغربية- “الإسرائيلية”.
في هذا السياق، برز الدور السعودي بوضوح في تنفيذ المشروع الأمريكي و”الإسرائيلي” من خلال ممارسة الضغط الهادف إلى تفكيك المقاومة وإعادة رسم التحالفات. اعتمدت السعودية في ذلك على أدوات الضغط الاقتصادي والسياسي والعسكري.
فقبل المعركة الأخيرة بين حزب الله و”إسرائيل”، لعبت السعودية دورًا محوريًا في تعطيل تشكيل الحكومات اللبنانية المتعاقبة، خاصة في الفترة التي سبقت التصعيد العسكري. هذا التعطيل لم يكن عشوائيًا، بل كان جزءًا من استراتيجية متكاملة لـ: إضعاف حزب الله عبر شلّ مؤسسات الدولة وحرمانه من الغطاء السياسي؛ وتدمير الاقتصاد اللبناني لخلق بيئة من الاحتقان الشعبي ضد المقاومة؛ وتمهيد الطريق لتدخل خارجي أو حرب إقليمية تنهي وجود حزب الله كقوة عسكرية وسياسية.
وفي سياق متصل، أجبرت السعودية الحريري على تقديم استقالته المفاجئة من الرياض عام 2017، ثم عادت لتمنعه من تشكيل الحكومة عام 2021 عبر رفض منحه “الغطاء السياسي” إلا بشروط، منها تقليص نفوذ حزب الله في التشكيلة الوزارية. وفي يوليو 2021، اعتذر الحريري عن تشكيل الحكومة بعد رفض الرئيس ميشال عون منح حزب الله “الثلث المعطِّل” (حق النقض). دعمت السعودية تحالفات مسيحية (مثل “القوات اللبنانية”) وسنية (مثل تيار “المستقبل”) لعرقلة أي حكومة تضم وزراء موالين لحزب الله، حتى لو كانوا كفاءات “محايدة”. رفضت الرياض أي صيغة تضمن تمثيلًا لحزب الله في الحكومة، ووصفتها بـ”الميليشيا المسلحة غير الشرعية”.
تدمير الاقتصاد اللبناني كسلاح سياسي ومحاولة ضرب شرعية المقاومة
مارست السعودية ضغوطًا اقتصادية غير مسبوقة على لبنان، حيث أوقفت التحويلات المالية منذ عام 2016، وفرضت عقوبات على مسؤولين بزعم ارتباطهم بحزب الله، بما في ذلك تجميد الأصول وحظر التعامل معهم. كما قطعت المملكة مساعداتها عن لبنان تحت ذرائع تسميها “الإصلاحات”، في محاولة واضحة لتحميل حزب الله مسؤولية كل الأمور المتوترة. إلى جانب ذلك، علّقت السعودية ودول خليجية أخرى إيداعات مليارية في المصرف المركزي اللبناني، مما أفقد الليرة 90% من قيمتها بين 2019-2024، وربطت الرياض أي دعم مالي بـ”إصلاحات” تشمل نزع سلاح حزب الله.
كما عرقلت السعودية المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، حيث أشرفت على شروط قاسية من الصندوق، منها تجميد رواتب موظفي القطاع العام (الذين يعتمد عليهم أنصار حزب الله). وحاولت السعودية استغلال الأزمة المعيشية لضرب شرعية المقاومة عبر الترويج، من خلال وسائل إعلام وكلائها المحليين ووسائلها الإعلامية وفي مقدمتها قناة (العربية)، أن سبب الأزمة هو “فساد حزب الله وسيطرته على الدولة” في محاولة لتهييج الشارع اللبناني ضد المقاومة.
التطبيع ونزع سلاح المقاومة في لبنان
بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين “إسرائيل” وحزب الله، تمارس السعودية ضغوطًا مباشرة عبر وكلائها في لبنان (مثل تيار “المستقبل” وبعض الأطراف المسيحية) لدفع البلاد نحو التطبيع مع “إسرائيل”. تستغل الرياض الظروف السياسية والعسكرية والأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان حاليًا لابتزاز الحكومة التي جاءت وفق الرغبات السعودية والأمريكية، حيث تشترط الرياض لتقديم المساعدات بإصلاحات تهدف إلى تقويض نفوذ حزب الله، بما يتوافق مع الأجندة الأمريكية.
العراق: إضعاف فصائل المقاومة ودعم الفوضى
بعد هزيمة تنظيم داعش عام 2017، برزت فصائل المقاومة العراقية كقوة أمنية وسياسية رئيسية قادرة على مواجهة الاحتلال الأمريكي والتأثير بشكل كبير في تقوية محور المقاومة ودعم القضية الفلسطينية.
لكن هذا الصعود أثار مخاوف واشنطن و”تل أبيب”، فعملتا مع السعودية على إضعاف هذه الفصائل عبر أدوات متعددة، تتراوح بين الضغط السياسي والعسكري والتمويل الخفي للجماعات المعادية للمقاومة. اعتمدت السعودية على شبكة من الزعامات العشائرية في المناطق السنية (الأنبار، نينوى، صلاح الدين) والأحزاب السياسية مثل حزب تقدم الذي يرأسه محمد الحلبوسي، رئيس مجلس النواب السابق، لضرب الوحدة الوطنية وإضعاف نفوذ فصائل المقاومة. إضافة إلى ذلك، عمدت السعودية إلى استخدام الاحتجاجات كأداة لزعزعة الاستقرار تحت غطاء المطالب الاجتماعية، ومثال ذلك احتجاجات 2019-2020 التي دعمت فيها السعودية متظاهرين في البصرة وبغداد عبر تمويل شخصيات محلية لتحويل الاحتجاجات ضد الفساد إلى مواجهات مع فصائل المقاومة، وإثارة موضوع حصر السلاح بيد الدولة (نزع سلاح المقاومة)، وهو هدف أمريكي سعودي مشترك لإخراج العراق من معادلة محور المقاومة والتي يأتي في الإطار العام المتمثل في تفكيك محور المقاومة.
سوريا: دعم الجماعات الإرهابية وتغيير النظام
منذ العام 2011، لعبت السعودية دورًا رئيسيًا في دعم الجماعات الإرهابية في سوريا، بما في ذلك جبهة النصرة التي يقودها أحمد الجولاني، كجزء من المشروع الأمريكي “الإسرائيلي” لزعزعة استقرار المنطقة وتفكيك محور المقاومة. هدف هذا التدخل إلى ضرب العمق الاستراتيجي للمقاومة عن طريق إفقاد سوريا كحلقة وصل بين إيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية، وهو ما تحقق أخيرًا حيث استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها وكلاؤها، وفي مقدمتهم السعودية، الإطاحة بنظام بشار الأسد وإيصال الجولاني إلى الحكم، وتحويل سوريا إلى دولة وظيفية تخدم المشروع الأمريكي “الإسرائيلي”.