المصدر الأول لاخبار اليمن

استراتيجية ما بعد الهزيمة.. كيف تُعيد واشنطن هندسة الحصار على اليمن؟


خاص / وكالة الصحافة اليمنية//

 

في تطور بالغ الخطورة يعكس تصعيدًا غير مبرر للحصار المفروض على اليمن، بدأت آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش “UNVIM” في جيبوتي بتنفيذ إجراءات تعسفية جديدة اعتبارًا من 4 يوليو 2025، تتضمن تفتيشًا ماديًا كاملًا لكل شحنة، وفتح كل حاوية على حدة، ورفض مرور أي حاوية لا تحمل وثائق مكتملة، في تصعيد غير مسبوق يُعد بمثابة خنق اقتصادي وإنساني منظم.

ومن الواضح جدًا أن الأمم المتحدة، التي من المفترض أن تكون محايدة، انحرفت بشكل صارخ عن هذا الدور، وبدأت تتصرف كأداة تنفيذية لإملاءات الولايات المتحدة، متجاهلةً التزاماتها تجاه المبادئ الإنسانية التي ترفعها؛ فالإجراءات الأخيرة التي اعتمدتها الـ “UNVIM” لا يمكن فصلها عن سياق العدوان الأمريكي “الإسرائيلي”، خاصة وأنها جاءت بعد مواقف اليمن الحازمة والداعمة للقضية الفلسطينية، لا سيما مع غزة في ظل العدوان “الإسرائيلي” عليها.

ليس هناك تفسير منطقي لتوقيت الإجراءات الجديدة سوى اعتبارها وسيلة لمعاقبة صنعاء على مواقفها الداعمة لغزة، ما يؤكد أن الأمم المتحدة تحولت إلى أداة طيعة في يد الولايات المتحدة الأمريكية، التي تُسخّرها لمعاقبة من يقف مع الشعب الفلسطيني في مواجهة الكيان الإسرائيلي.

 

من الحصار إلى العدوان الاقتصادي

 

هذه الإجراءات تأتي في سياق ما يمكن وصفه بامتداد لحرب اقتصادية تشنها واشنطن على اليمن، بعد فشلها العسكري؛ فبعد أن عجزت عن كسر إرادة اليمن ميدانيًا، ها هي تلجأ إلى أدوات الضغط الاقتصادي عبر المؤسسات الأممية ومنها الأمم المتحدة.

ليست هذه المرة الأولى التي يتجلى فيها انحراف الأمم المتحدة، ففي 5 ديسمبر 2023، وعقب دخول صنعاء في معركة “طوفان الأقصى” إلى جانب غزة ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي، أعلن “برنامج الغذاء العالمي” التابع للمنظمة الأممية تحت الضغط الأمريكي إيقاف المساعدات الغذائية في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة صنعاء، ما يشير بوضوح إلى أن الأمم المتحدة أصبحت رهينة بيد الولايات المتحدة الأمريكية، وموجهة لمعاقبة الشعوب لا مساعدتها.

مع استمرار الحصار الخانق على اليمن وتصعيد الإجراءات التعسفية بحق الشعب اليمني، برزت آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش “UNVIM” كواحدة من أبرز أدوات الحصار، لا كآلية رقابة محايدة كما يُروَّج لها. وفي الواقع، لم تعد هذه الآلية تخدم الغرض الذي أُنشئت من أجله، فقد أُنشئت بزعم منع تدفق الأسلحة إلى اليمن، ولكن مع مرور الوقت ووضوح أهداف الحرب الاقتصادية والسياسية على الشعب اليمني، تحولت هذه الآلية إلى غطاء أممي لحصار وخنق اليمن. وكان يفترض أن تنتهي مهمة هذه الآلية منذ سنوات، بعد أن ثبت عمليًا أنها لا تخدم السلام، بل تُستخدم كوسيلة لفرض الحصار بطريقة “قانونية”. واستمرارها إلى اليوم لا يعني سوى بقاء باب من أبواب الابتزاز السياسي والضغط الاقتصادي مفتوحًا على الشعب اليمني الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما أكدته إجراءاتها الجديدة التي أتت بلا مبررات، واستجابة للتوجيهات الأمريكية.

 

استراتيجية حصار

 

منذ بدء العدوان على اليمن في العام 2015، لم تقتصر الحرب على الضربات العسكرية، بل امتدت إلى خنق اقتصادي ممنهج استخدمت فيه أدوات متعددة، وكان من أبرزها آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش “UNVIM”.

ورغم أن هذه الآلية أُنشئت بزعم منع دخول الأسلحة إلى اليمن، إلا أن الوقائع أثبتت أنها كانت جزءً من استراتيجية الحصار على الشعب اليمني، من خلال وضع العراقيل أمام دخول السفن التجارية، ولا سيما السفن النفطية، تحت ذريعة “التفتيش والتحقق”.

وبدلًا من تسهيل مرور السلع والبضائع الإنسانية، استخدمت اليونفيم صلاحياتها خلال سنوات العدوان على اليمن في تأخير السفن لأيام وأسابيع، ما تسبب في أزمات خانقة داخل اليمن، خصوصًا في الوقود، حيث كانت كل شحنة تمر بإجراءات مرهقة من التحقق والتفتيش، حتى مع استيفائها لكافة الشروط والوثائق، في حين كانت الآلية تتذرع دومًا بالحاجة للمراجعة أو التحقق الأمني، دون تقديم مبررات فعلية، والهدف هو تقنين الحصار على اليمن.

لم تكن آلية الـ “UNVIM” محايدة، بل مارست دورًا منحازًا ساهم في تعميق الأزمة الإنسانية، بينما كانت تتغاضى عن الأثر الكارثي لتأخير دخول الوقود والسلع الغذائية إلى مناطق سيطرة حكومة صنعاء. كما لم تُسجَّل أي حالة موثقة لتهريب أسلحة عبر السفن التجارية، ما يكشف أن التفتيش لم يكن سوى غطاء لتقييد الإمدادات، وتضييق الخناق على المدنيين في المناطق الواقعة تحت سلطة صنعاء.

 

صنعاء تندد وتحذر

 

وأمام هذا التصعيد الخطير، وجهت وزارة الخارجية في صنعاء رسائل رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، محذرة من خطورة الإجراءات الجديدة التي بدأت آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش “UNVIM” بتطبيقها مؤخرًا، وفق ما صرح به وزير خارجية صنعاء جمال عامر اليوم، الذي شدد على أهمية إلغاء جميع الإجراءات المستحدثة المتشددة التي فرضتها الآلية مؤخرًا، والعودة الفورية إلى الإجراءات التيسيرية التي تخدم الهدف الإنساني الأصلي للآلية، والتي تضمن تفويج الحاويات وفق الأولوية وتفتيشها بدون فتح كامل، خاصة البضائع غير المحظورة أو الواردة من مصادر موثوقة، لضمان سرعة وفاعلية تدفق السلع.

ورغم وضوح تلك الرسائل وتحذيراتها، إلا أن الأمم المتحدة اختارت الصمت ولم ترد، ما يؤكد مجددًا انحيازها وفقدانها للحياد، ويعزز ما سبق أن أكدته صنعاء مرارًا: أن هذه المؤسسة الدولية لم تعد وسيطًا نزيهًا، بل أصبحت أداة تُدار بقرارات أمريكية وتستخدم لتصفية الحسابات السياسية.

وزير خارجية صنعاء عبّر بوضوح عن هذا الموقف، حين أكد أن تجاهل الأمم المتحدة للرسائل الرسمية الصادرة من صنعاء يكشف مدى انحيازها وازدواجيتها، ويثبت أن صمتها ليس بريئًا، بل مقصود وموجَّه ضد الشعب اليمني.

وفي موقف يعكس جدية صنعاء في التعامل مع هذه التطورات، حذر وزير الخارجية من أن استمرار هذا التجاهل لن يكون مقبولًا لدى الشعب اليمني، ولن يخدم مساعي الأمم المتحدة في اليمن ولا في المنطقة عمومًا.

 

رسالة واضحة

 

الرسالة التي وجهتها صنعاء اليوم واضحة ولا تحتمل التأويل: على الأمم المتحدة أن تعيد النظر في سلوكها، وأن تتوقف عن استخدام آلياتها كأدوات حصار. وعدم الرد على رسائل صنعاء لم يعد يُفسَّر إلا كتواطؤ وشراكة في العدوان الأمريكي “الإسرائيلي” على اليمن.

من هذا المنطلق، ستتعامل صنعاء مع إجراءات الـ “UNVIM” الجديدة في البحر الأحمر التي طالبت صنعاء في رسالة وزير خارجية صنعاء إلى الأمين العام للأمم المتحدة بإلغائها لانتفاء الحاجة إليها وعدم خدمتها للغرض الذي أُنشئت من أجله.

قد يعجبك ايضا