تقرير/خاص/وكالة الصحافة اليمنية//
في مشهد كان من المفترض أن يكون عرضا للقوة البحرية الأمريكية التي لا تقهر، تحولت عودة حاملة الطائرات النووية “يو إس إس هاري إس ترومان” (CVN-75) من البحر الأحمر إلى قاعدتها في نورفولك بولاية فرجينيا إلى سيناريو مرير من الإخفاقات الاستراتيجية والتقنية والخسائر المادية الباهظة التي تجاوزت مليارات الدولارات.
وفقًا لتقارير دولية، كشف موقع “إنديان ديفينس ريفيو” المتخصص في الشؤون العسكرية، عن دخول البنتاغون في دوامة مراجعات استراتيجية وعملياتية بعد أن فشلت مهمة “ترومان” في تحقيق أي من أهدافها المعلنة، بل تركت وراءها غموضًا استراتيجيًا ومخاوف متجددة بشأن جاهزية البحرية الأمريكية لمواجهة تهديدات القرن الحادي والعشرين، خاصة في ظل تصاعد التحديات غير التقليدية التي فرضتها “جبهة اليمن” التي واصلت إطلاق المسيرات والصواريخ الباليستية طوال فترة انتشار الحاملة، دون أن تتمكن القوات الأمريكية من كبح هذه التهديدات أو تأمين حركة الملاحة الدولية في مضيق باب المندب.
ذلك ما أكدته أيضا تقارير مراقبة حركة السفن التجارية التي أظهرت أن عشرات السفن لا تزال تعيد توجيه مساراتها حول رأس الرجاء الصالح لتجنب المخاطر في البحر الأحمر، ما يعكس فشل الردع البحري الأمريكي في تحقيق أحد أهم أهدافه.
التقرير الذي اعتمد على مصادر داخل البنتاغون وبيانات من الأسطول السادس الأمريكي أشار إلى أن “ترومان”، وهي واحدة من أكبر حاملات الطائرات في العالم بقيمة تصل إلى 9 مليارات دولار وتستطيع حمل ما يصل إلى 90 طائرة بينها مقاتلات “إف/إيه-18 سوبر هورنيت” وطائرات الإنذار المبكر “إي-2 هوك آي”، عانت من سلسلة من الإخفاقات التقنية والحوادث الداخلية التي شابت أداءها في البحر الأحمر، بما في ذلك حوادث سقوط طائرات أثناء عمليات الإقلاع والهبوط، وهو ما يضيف إلى سجل البحرية الأمريكية المليء بالحوادث المماثلة، مثل حادثة غرق المدمرة “يو إس إس ماكين” عام 2017 بعد اصطدامها بسفينة شحن قرب سنغافورة، أو حريق حاملة الطائرات “يو إس إس بونوم ريتشارد” عام 2020 الذي كلف 3 مليارات دولار لإصلاحها.
المصادر العسكرية التي تحدثت إلى الموقع كشفت أن البنتاغون أمر بمراجعة شاملة لعمليات حاملات الطائرات بعد أن أظهرت “ترومان” علامات تنبيهية على تراجع القدرات التشغيلية، بما في ذلك أعطال في أنظمة الدفع النووي ومشاكل في أنظمة التشغيل الإلكترونية التي تعيق قدرتها على تنفيذ مهامها في بيئات عالية الخطورة.
الأمر الأكثر إثارة للقلق في أروقة البنتاغون، بحسب التقرير، هو أن الوجود الأمريكي الضخم في البحر الأحمر بقيادة “ترومان” فشل في تغيير المعادلة الأمنية، حيث ظلت “جبهة اليمن” في إشارة لقوات صنعاء نشطة وقادرة على التحكم بحركة الشحن عبر باب المندب، بل واستهدفت سفنًا مرتبطة بإسرائيل أو الحلفاء الغربيين بصواريخ باليستية ومسيرات، دون أن تتمكن الحاملة أو المدمرات المرافقة لها من تعطيل هذه القدرات بشكل كامل.
هذه النتائج تثير تساؤلات حول جدوى الاعتماد على حاملات الطائرات العملاقة في مواجهة تهديدات غير تقليدية، خاصة أن تكلفة نشر “ترومان” وحدها تصل إلى 6.5 مليون دولار يوميًا، وفقًا لتقديرات مركز “ستانفورد للأمن والتعاون الدولي”، بينما تكلفة الصواريخ والمسيرات التي تطلقها قوات صنعاء لا تتجاوز بضعة آلاف من الدولارات، ما يظهر اختلالًا صارخًا في معادلة “التكلفة مقابل الفائدة” لصالح التهديدات غير المتكافئة.
التقرير استند أيضًا إلى بيانات من “معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن” (IISS) والتي أظهرت أن البحرية الأمريكية تعاني من تراجع في القدرات اللوجستية والاستعداد القتالي مقارنة بمنافسيها، خاصة الصين التي توسعت في بناء أسطولها الحربي ليتجاوز 355 سفينة، بينما تواجه الولايات المتحدة أزمات في صيانة أسطولها الذي يضم 11 حاملة طائرات، منها 6 فقط في حالة استعداد كامل في أي وقت.
كما أن تقارير “مكتب المحاسبة الحكومية” (GAO) الأمريكي كشفت في 2023 أن 75% من حاملات الطائرات الأمريكية تعمل بعمر افتراضي متجاوز، ما يزيد من أعطالها.
هذه الأزمات تجلت بوضوح في مهمة “ترومان”، حيث فشلت في حماية السفن التجارية من الهجمات، مما دفع شركات الشحن الكبرى مثل “ميرسك” و”إم إس سي” إلى الاستمرار في تحويل مساراتها حول رأس الرجاء الصالح، وهو ما يكلف الاقتصاد العالمي خسائر إضافية تقدر بـ 10 مليارات دولار سنويًا بسبب زيادة زمن الرحلة واستهلاك الوقود، وفقًا لتقديرات “منظمة التجارة العالمية”.
ختاما، يؤكد التقرير أن عودة “ترومان” من البحر الأحمر لم تكن مجرد نهاية لمهمة فاشلة، بل أصبحت نموذجًا لـ “إذلال استراتيجي” للبحرية الأمريكية.