المصدر الأول لاخبار اليمن

منذ صيف 94م إلى اليوم.. لماذا لا يزال أبناء جنوب اليمن يدفعون الثمن؟

عدن | وكالة الصحافة اليمنية

 منذ حرب صيف 1994، وما ترتب عليها من انتهاكات وإقصاء الآلاف من وظائفهم المدنية والعسكرية، ومصادرة حقوقهم وممتلكاتهم من قبل القيادات الموالية للرئيس الأسبق علي عبد الله صالح “عفاش”، لا يزال يستذكرها أبناء المحافظات الجنوبية ويندبون مآسيهم إلى يومنا هذا.

تلك الأحداث الأليمة لا تزال تنزف في ذاكرة أبناء عدن والمحافظات الجنوبية، وتشكل عبئًا ثقيلًا على مسار حاضرهم ومستقبل أبنائهم؛ بسبب القيادات العسكرية والأمنية لنظام “عفاش”، التي استغلت نفوذها لنهب الممتلكات العامة والخاصة والاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي والعقارات، حتى أصبحت تلك المناطق، في نظر الفاسدين من لصوص الأمس، إقطاعيات خاصة بالمقربين من قبيلة “عفاش”، ممن استحوذوا على الثروات النفطية والمعدنية، وصولًا إلى تقسيم البحر قطاعات بينهم لنهب الثروة السمكية، وقد استطاعوا تأسيس إمبراطوريات مالية بمليارات الدولارات تديرها العشرات من الشركات الخاصة بهم، في حين تم إفقار أبناء تلك المحافظات ومنحهم الفتات، دون الالتفات إلى معاناتهم التي لا تزال مستمرة حتى اللحظة، ودون استفادتهم من الدروس خلال العقود الماضية.

 

التكفير والاغتيالات الممنهجة 

 

تمتلك المحافظات الجنوبية وأبناؤها سجلًا دمويًا حافلًا بالمآسي من الجرائم والانتهاكات بدءً بتكفيرهم وما تبعها من سياسة الاغتيالات الممنهجة، وليس انتهاءً بتهميش الكوادر الجنوبية وتسريحهم من وظائفهم وغيرها من المؤامرات التي يبدو أن الجنوبيين تناسوا منفذيها منذ إعلان الحرب على اليمن في مارس 2015، وما تلاها من إنشاء الإمارات لما يسمى “المجلس الانتقالي الجنوبي” في مايو 2017، بهدف إنهاء المكونات والقوى الجنوبية، لا سيما “الحراك الجنوبي”، ليحظى بنصيب من كعكة المناصب والموارد مع مجرمي الأمس – من يطلق عليهم الشارع الجنوبي “عصابة 7/7” في “المؤتمر والإصلاح” – وفق مخرجات ما يسمى “مشاورات الرياض” خلال 2022، والتي تم فيها إسقاط أوزار تلك القيادات ومنحها “شرف وحدة الأرض والإنسان” التي ناضل من أجلها الأحرار في شطري اليمن سابقًا حتى تحققت في 22 مايو 1990.

يتذكر الكثير من الجنوبيين – أو يتناسون – العشرات من المجازر المروعة الموثقة التي طالت الجنوب وأبناءه، وخلفت آلاف الضحايا بين قتلى وجرحى. والأكثر إيلاما هو تشريد الكفاءات المدنية والعسكرية ليدخل بعضهم في حالات نفسية صعبة، منهم “طيارون وفنيو صواريخ” الذين تحولوا إلى باعة على أرصفة شوارع عدن، بينهم العميد “صالح ناصر الناخبي”، أحد ضباط حرس الشرف المشاركين في رفع علم الوحدة اليمنية على سارية ساحة القصر الرئاسي في التواهي، ضمن سياسة الإقصاء الممنهجة التي نفذتها القيادات المقربة من “عفاش”، تعاظمت معها المآسي حتى الإعلان عن “الحراك الجنوبي” خلال 2007، وسط تجاذبات محلية وإقليمية وحلول شكلية للمسرّحين من وظائفهم، دون إعادة العقارات والأراضي المنهوبة إلى أصحابها.

 

698 ألف انتهاك

 

من أبرز تلك الانتهاكات والجرائم التي لا يزال أبناء الجنوب يستذكرون مآسيها في كل عام، مجزرة قرية قطانة، أو ما عرف عنها بـ”مجزرة المعجلة” في مديرية المحفد بمحافظة أبين، التي وقعت بشهر ديسمبر 2009، بواسطة الطيران الأميركي، وبموافقة رسمية من “رشاد العليمي” الذي كان يشغل حينها منصب وزير الداخلية في صنعاء. خلفت المجزرة قرابة 41 قتيلًا وجريحًا، جلهم من النساء والأطفال، بذريعة الحرب على الإرهاب، وهو ما خرج “العليمي” آنذاك لتبرئة أميركا من تلك الجريمة، وكأن الأمر لم يكن.

وتكررت المآسي بأشكال مختلفة، مثل سقوط 70 قتيلًا على الأقل بينهم أطفال، وعشرات الجرحى في انفجار مصنع للذخيرة بمنطقة “باتيس” في مديرية جعار بأبين، مطلع مارس 2011، بعد اشتباكات بين عناصر مسلحة وقوات الجيش التابع للحكومة، وفق تقارير إعلامية وحقوقية، وصولًا إلى استهداف مخيم عزاء في مدرسة “سناح” بقذائف الدبابات بتوجيهات من قائد “اللواء 33 مدرع”، خلفت 22 قتيلًا و23 جريحًا خلال العام 2013، خلال تسلم “الإصلاح” الحكومة في صنعاء.

ووثقت التقارير الحقوقية الجنوبية أكثر من 698 ألف انتهاك بحق المواطنين والمعارضين لفساد الشركاء الذين أساؤوا للوحدة اليمنية “نظام عفاش وحلفاؤه من حزب الإصلاح”، وذلك بين عامي 1994 و2014، توزعت بين اغتيالات وإقصاء وتهميش وتدمير ونهب للممتلكات، مع تحويل الثروات إلى غنائم حرب، إلى جانب إحياء النعرات المناطقية عبر تقريب قيادات من أبين وشبوة في مناصب عسكرية وأمنية حساسة على حساب بقية أبناء الجنوب، الذين تعرضوا للإقصاء والتهميش.

 

سجلات ملطخة بالدم

 

إن من يتصدرون المشهد السياسي والعسكري والأمني اليوم في قصر معاشيق عدن، ضمن ما يسمى “مجلس القيادة” التابع للتحالف، لا تزال سجلاتهم ملطخة بأبشع الجرائم والممارسات اللاإنسانية، الموثقة في الذاكرة الجنوبية، حين كانوا هم من يديرون الملف الأمني في عدن والمحافظات الجنوبية منذ العام 2007، وعلى رأسهم “العليمي”، وزير داخلية “عفاش” آنذاك، بالإضافة إلى وكلاء حزب الإصلاح، وعلى وجه التحديد القيادي العسكري في الحزب “علي محسن الأحمر”، وربما يتم إعادة ذلك من جديد من خلال نجل عفاش الأكبر أحمد علي، بمباركة إماراتية سعودية.

هؤلاء لا يزالون يتبادلون الأدوار في الملفات الأمنية والاقتصادية بتلك المناطق، بينما تستمر الإرهاصات التي تزيد معاناة المواطنين في الخدمات الأساسية والوضع المعيشي المنهار، وسط ترويج لإصلاحات اقتصادية هشة ومؤقتة، نتيجة تدخلات إقليمية وأميركية بريطانية مباشرة، أوصلت تلك المناطق إلى كانتونات متناحرة.

 

إلى متى؟

 

بعد ثلاثة عقود من المعاناة لأبناء الشعب اليمني شمالًا وجنوبًا على حد سواء، يبقى السؤال الأبرز يصدح من أعالي جبال ردفان وشمسان الشماء: “إلى متى سيستمر أبناء الجنوب يدفعون الثمن لمعاناة فرضت عليهم بقوة الدرهم والريال، عبر أدوات الأمس المنتهية صلاحياتهم منذ 21 سبتمبر 2014، وإعادتهم عبر الطارئون على المشهد الجنوبي الذين أصبحوا جسرًا لإيصالهم إلى المعاشيق تحت مسميات جديدة، بينما يتم إنتاج الأزمات تحت غطاء ما تسمى بالشرعية”؟

وإذا كان السلام الحقيقي يبدأ بالعدالة والاعتراف بالحقوق، فإن أي حلول مستقبلية يجب أن تنطلق من محاسبة الماضي، ورد الاعتبار للضحايا، وضمان عدم تكرار هذه المآسي، فبدون ذلك سيظل الجنوب يراوح مكانه حاملًا معه الجراح إلى المستقبل المجهول.

قد يعجبك ايضا