المصدر الأول لاخبار اليمن

من العمري إلى كهبوب: رحلة تحويل المعسكرات اليمنية إلى قواعد متقدمة لحماية الملاحة الإسرائيلية

عدن | وكالة الصحافة اليمنية

على خط الممرات البحرية الأخطر في العالم، يتشكل اليوم مشهد جديد في قلب الجغرافيا اليمنية هو الأخطر منذ عقود. مشهد ينفذه الأميركي والإسرائيلي بأدوات إماراتية، وبواجهة مليشيات محلية تحمل أسماء مثل “المقاومة الوطنية” و”ألوية العمالقة”، لكنها في جوهرها أذرع عسكرية تم شراؤها وتدريبها لتكون الحارس الأمين للمصالح الصهيونية في البحر الأحمر وباب المندب.

 

الأهداف الخفية: السيطرة والتمزيق 

بالتوازي مع هذه التحركات، تكشف المؤامرة الأميركية الإسرائيلية عن أهدافها العميقة، والمتمثلة بتحويل المواقع الاستراتيجية في الساحل الغربي – مثل جبال كهبوب العسكرية – إلى نقاط ارتكاز عسكرية صهيونية دائمة.

فيما جاءت السيطرة على معسكر العمري، الذي يربط بين ثلاث مديريات استراتيجية هي باب المندب والوازعية والمخا، ضمن المخطط الأميركي الإسرائيلي نفسه.

فالسيطرة على هذه المواقع ليست مجرد عملية عسكرية تحرم صنعاء من السيطرة عليها، بل هي جزء من لعبة أكبر تشارك فيها الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات لضرب سيادة اليمن وتمزيق نسيجه الوطني وفرض هيمنة مطلقة على مضيق باب المندب، الذي يمثل شريان الحياة للاقتصاد العالمي وأحد أهم المفاتيح الجيوسياسية التي تسعى واشنطن وتل أبيب للسيطرة عليها منذ عقود.

ويأتي التحرك الإسرائيلي الأميركي في هذا الجانب بعد أن أدرك الكيان الصهيوني أن أمنه القومي لن يكتمل في ظل سيطرة قوة معادية على هذا المضيق الحيوي، الذي ظل نقطة ضعف استراتيجية لإسرائيل منذ حرب 1973 عندما أغلق اليمن المضيق بالتعاون مع مصر، مما أدى إلى شل حركة الملاحة الإسرائيلية وتعطيل ميناء إيلات، وكما يجري حاليًا منذ 2023.

دروس باب المندب جعلت إسرائيل تعمل بكل طاقتها عبر حليفتها الولايات المتحدة لضمان ألا يتكرر هذا السيناريو مرة أخرى، وهذا ما يفسر الوجود العسكري الأميركي المتنامي في الجزر اليمنية مثل حنيش وميون وسقطرى، حيث تقوم واشنطن بإنشاء قواعد عسكرية متقدمة تحت غطاء محاربة الحوثيين، بينما الهدف الحقيقي هو حماية المصالح الإسرائيلية وضمان سيطرة الكيان الصهيوني على الممرات البحرية الحيوية.

 

الذراع التنفيذية للمخطط 

في سياق متصل، يبرز دور الإمارات كأداة طيعة في تنفيذ المخطط. فتحت شعار “دعم الشرعية”، تقوم أبو ظبي بتمويل وتسليح ميليشياتها، بينما الهدف الحقيقي هو تسليم المواقع المحررة للقوات الأمريكية والإسرائيلية.

جزر سقطرى وحنيش وميون خير دليل، حيث تحولت إلى قواعد عسكرية مغلقة تخدم أجندة التوسع الصهيوني، حيث توجد تقارير مؤكدة عن هبوط طائرات أمريكية تحمل معدات عسكرية وأجهزة تنصت متطورة في جزيرة حنيش الكبرى، التي تبعد 40 كيلومترًا فقط عن ميناء المخا، مما يؤكد أن الوجود الأمريكي ليس مؤقتًا بل هو جزء من استراتيجية طويلة الأمد لتحويل اليمن إلى قاعدة عسكرية كبرى تخدم المصالح الصهيونية.

خبراء عسكريون يرون أن الهدف الرئيسي من هذا المخطط هو تأمين باب المندب لصالح إسرائيل، التي تعتبر هذا المضيق شرياناً حيوياً لأمنها الاقتصادي والعسكري، فإسرائيل التي تعاني من عزلة جغرافية في منطقة معادية تريد تحويل باب المندب إلى ممر آمن تمامًا لسفنها التجارية والعسكرية، خاصة بعد العمليات العسكرية اليمنية المساندة لغزة، والتي كشفت مدى هشاشة الموقف الإسرائيلي في المنطقة، وهذا ما يفسر الضغوط الأمريكية المكثفة على اليمن عبر حلفائها الإقليميين لضمان سيطرة قوات موالية لواشنطن على المناطق المطلة على المضيق، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى إقامة درع عسكري متكامل في الساحل الغربي اليمني يشمل معسكري العمري وكهبوب وجزر البحر الأحمر، بحيث يتم تحويل هذه المواقع إلى قواعد دائمة للجيش الأمريكي أو قوات عميلة تديرها واشنطن بشكل غير مباشر، تماماً كما حدث في قاعدة برنيس المصرية التي بُنيت بأموال إماراتية ولكنها تعمل لصالح الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في المنطقة.

 

من التجسس إلى التمويل 

وبين طيات المؤامرة، ينشط الدور الإسرائيلي في إنشاء نقاط مراقبة وتنصت عبر الميليشيات المدعومة.

كما تعمل شركات إسرائيلية وإماراتية على إنشاء مشاريع مدنية وهمية، بينما الهدف الحقيقي هو توسيع النفوذ الاقتصادي والعسكري في المنطقة.

وفي تفاصيل أكثر إثارة، تكشف الصور الفضائية أن جزر ميون وسقطرى وحنيش قد تحولت إلى قواعد عسكرية متقدمة. ففي ميون، يُدار مدرج جوي بطول 3 كيلومترات بأيدي أمريكية وإسرائيلية، وقادرة على استقبال الطائرات العسكرية الثقيلة، وبحسب صور الأقمار الصناعية وتقارير استخباراتية مسربة، تضم أنظمة رادار متطورة قادرة على مراقبة مسافة تصل إلى 400 كيلومتر داخل البحر الأحمر وخليج عدن، وهو نفس النمط الذي استخدمته إسرائيل في إريتريا عندما أنشأت قواعد مراقبة في أرخبيل دهلك.

أما في سقطرى، فقد تحولت الجزيرة منذ عام 2020 إلى ثكنة عسكرية، حيث يتمركز فيها مئات الجنود الإماراتيين وخبراء عسكريون إسرائيليون تحت غطاء “مشاريع إنسانية”، بينما في الحقيقة يجري إنشاء مهبط طائرات مسيرة ومنصات مراقبة بحرية، مرتبطة بشبكة القيادة والسيطرة الإسرائيلية في ميناء إيلات.

وفي جزر حنيش، التي استعادتها اليمن من إريتريا في التسعينيات، تعمل الإمارات اليوم على تحويلها إلى نقاط تموين ومراقبة بحرية، وهي نفس الجزر التي شهدت في السنوات الأخيرة توافد سفن حربية إسرائيلية تحت غطاء “التعاون الأمني ضد القرصنة”.

 

الاحتلال المقنع

السفن الإسرائيلية لم تعد تمر سرًا في البحر الأحمر، فبفضل الحماية الإماراتية والمجاميع المسلحة في الساحل الغربي، بات مرور السفن التجارية والعسكرية الإسرائيلية قبل العام 2023م، من ميناء إيلات عبر مضيق باب المندب إلى المحيط الهندي أمراً مأموناً، بل يتم تأمينه عبر دوريات مشتركة بين القطع البحرية الإماراتية والأمريكية، وتشارك في ذلك فرقاطات إسرائيلية ترسو أحيانًا في موانئ إريتريا قبل مواصلة الإبحار جنوبًا.

هذه التحركات ليست معزولة، بل هي جزء من مشروع “الحزام الأمني الصهيوني” الذي يمتد من إيلات إلى باب المندب مرورًا بجزر اليمن وقواعده العسكرية الجديدة.

الخطير أن السيطرة على هذه المواقع لا تتم عبر الاحتلال المباشر المعلن، بل عبر نموذج “الاحتلال المقنّع”، حيث تقوم مليشيات العمالقة والمقاومة الوطنية بالسيطرة على الأرض تحت شعار تحريرها من الحوثي، وتفتح الأبواب أمام الضباط الأجانب والمعدات الإسرائيلية والأمريكية.

وفي معسكرات كهبوب والعمري ورأس العارة، تم رصد معدات اتصالات وتشويش أمريكية الصنع، إلى جانب منصات إطلاق طائرات مسيرة بعيدة المدى، وهو ما يؤكد أن هذه المواقع تتحول تدريجياً إلى قواعد متقدمة للعمل العسكري والاستخباري في البحر الأحمر وخليج عدن.

التاريخ يقدم لنا نسخة طبق الأصل لما يحدث اليوم، فقد فعلت بريطانيا شيئًا مشابهًا في عدن أواخر القرن التاسع عشر، حين سيطرت على الميناء تحت ذريعة “حماية التجارة”، ثم حولته إلى قاعدة عسكرية تخدم إمبراطوريتها.

واليوم يعيد الأمريكي والإسرائيلي نفس السيناريو، لكن بذكاء أكبر وبتكلفة أقل، حيث يتم استئجار الأيدي اليمنية المأجورة للقيام بالمهمة، بينما تبقى القوة الأجنبية في الخلفية.

هذه الخطة طبقتها إسرائيل أيضاً في القرن الأفريقي حين استخدمت إريتريا كمنصة مراقبة للبحر الأحمر، وتحالفت مع إثيوبيا للسيطرة على الموانئ، والآن تنفذ النسخة اليمنية من نفس المخطط عبر الإمارات.

 

الأبعاد الاقتصادية والاستخباراتية للمؤامرة

المؤامرة لا تقتصر على البعد العسكري، بل تشمل بعدًا اقتصاديًا واستخباراتيًا عميقًا، حيث تعمل شركات إماراتية وإسرائيلية على إنشاء مشاريع سياحية وموانئ “مدنية” في سقطرى والمخا والخوخة، لكن الهدف الحقيقي هو ربط هذه الموانئ بخطوط الملاحة الإسرائيلية وتوفير مراكز تموين وصيانة لسفنها، وهو نفس التكتيك الذي استخدمته واشنطن في جزر المحيط الهادئ حيث تحولت الموانئ المدنية إلى قواعد بحرية في غضون سنوات.

في الوقت نفسه، تقوم أجهزة الموساد و CIA بتجنيد عناصر داخل المليشيات المحلية لضمان ولائها المطلق، وتوفير معلومات استخباراتية عن أي تحرك يمني وطني قد يهدد المشروع.

الأخطر من ذلك أن بعض هذه المواقع تحولت إلى منصات تجسس على حركة الملاحة الإيرانية في خليج عدن، وعلى الموانئ السودانية والإريترية، وهو ما يكشف أن المشروع ليس موجهاً ضد صنعاء وحدها، بل هو جزء من استراتيجية إسرائيلية أمريكية أوسع للسيطرة على كامل البحر الأحمر والتحكم بمصير التجارة العالمية، ومنع أي قوة إقليمية أو دولية من استخدام هذا الممر دون إذن من تل أبيب وواشنطن.

إذا اكتمل هذا المشروع، فإن اليمن سيفقد سيادته على أهم أوراقه الاستراتيجية، وسيجد نفسه محاطًا بقواعد أجنبية في كل جزيرة وميناء، وستصبح قراراته السياسية والعسكرية رهناً بإرادة القوى التي تحتل الساحل الغربي.

وما يزيد الطين بلة أن حكومة النفاق شريكة في هذه الجريمة بالصمت والتواطؤ، بل وتشارك في تلميع صورة المليشيات الإماراتية باعتبارها “قوات تحرير”، بينما هي في الحقيقة قوات احتلال بالوكالة، تنفذ أوامر الموساد والبنتاغون حرفياً.

 

استعادة اليمن 

تتمركز المعركة اليوم في استعادة اليمن من براثن المشروع الأمريكي الإسرائيلي الإماراتي، الذي يتقدم بخطوات ثابتة نحو تحويل الساحل الغربي إلى خط دفاع أول عن إسرائيل، وجعل باب المندب ممراً صهيونيًا آمنًا.

وما لم يتحرك اليمنيون لفضح هذه المؤامرة ومواجهتها، فإن الأجيال القادمة ستجد أن ميون وسقطرى وحنيش والمخا والخوخة لم تعد يمنية، بل أصبحت أجزاء من خارطة الأمن الإسرائيلي الأمريكي، تماماً كما فقدت شعوب أخرى جزرها وموانئها تحت ذرائع واهية.

 

قد يعجبك ايضا