المصدر الأول لاخبار اليمن

لبنان رهينة الصدمات.. بين تواطؤ السلطة وإرادة الشارع

بيروت | وكالة الصحافة اليمنية

يشهد الشارع اللبناني موجة من الصدمة والاستنكار مع إعلان خبر إطلاق سراح جاسوس إسرائيلي من السجون اللبنانية، وتسليمه لإسرائيل دون أي شروط. هذه الحادثة، التي هزت وجدان اللبنانيين جاءت انعكاسًا مباشرًا لحقائق أكبر تكشفها آراء المحللين السياسيين وصرخات الرأي العام. فلبنان، كما يرى كثيرون، باتت تسير في مسار مرسوم يضع سيادتها على محك الاختبار.

 

صدمة تكشف التواطؤ

وقالت صحيفة الأخبار اللبنانية أن السلطات في بيروت سلّمت الأسير الإسرائيلي “صالح أبو حسين” عبر معبر رأس الناقورة، في خطوة لم يُعلن عنها من بيروت، بل جاءت من تل أبيب حيث أصدر مكتب رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو بيانًا يؤكد فيه “استعادة مواطن إسرائيلي” بعد “مفاوضات سرية”. هذه المفارقة الصادمة تكشف أن اللبنانيين لم يكونوا على علم بوجود هذا الأسير على أرضهم طوال عام كامل، وأن قرار التسليم بقي محصورًا في دائرة ضيقة لا تجرؤ على كشف نفسها للرأي العام.

تتفق غالبية التحليلات السياسية على أن الحكومة الحالية تظهر خضوعًا غير مسبوق للإملاءات الأمريكية، فالإفراج عن الأسير الإسرائيلي يُنظر إليه على أنه ليس استثناءً، بل جزءً من سلسلة متصلة من التنازلات التي باتت تُقدم على مذبح الأجندات الخارجية.

يصف المحللون السلطة بأنها “تتواطأ بشكل واضح” مع القوى الدولية على حساب دماء الشهداء وسيادة الوطن. هذه الرؤية تلقى صدى واسعًا في الشارع اللبناني، حيث يرى المواطنون أن البيانات الرسمية لم تعد تجدي نفعًا، وأن الأقنعة سقطت، وبات الخضوع مكشوفًا للجميع.

وفي تعليق له، اعتبر رئيس شبكة مرايا الدولية، فادي بودية، أن إطلاق سراح شخص إسرائيلي كان موقوفًا في السجون اللبنانية، وتسليمه إلى إسرائيل دون قيد أو شرط، لم يكن مجرد صدمة للرأي العام، بل كان بمثابة تأكيد واضح على مسار تتخذه الحكومة اللبنانية “باتجاه تسليم البلد إلى إسرائيل وأميركا دون قيد أو شرط”.

ويؤكد بوديه أن “الحكومة التي تتفاخر بإذعانها وخضوعها للإملاءات الأميركية والإسرائيلية لا يمكن أن نستهجن منها إخراج أسير إسرائيلي؛ فالمسألة ليست محصورة في حادثة واحدة، بل هي جزء من سلسلة خطوات ومواقف تظهر خضوع الدولة”. ويضيف أن “بيانات الاستنكار والشجب التي تصدر لا تقدم ولا تؤخر، فالأمور واضحة، والأسير الإسرائيلي قد خرج”، مؤكدًا أن “هذه الحكومة التي تتواطأ مع المحتلين يجب أن تسقط؛ لأنها تضرب بسيادة لبنان وبدماء شهدائه ومقاومته”.

 

ثمن التحرير والتنازل

تكمن المفارقة الأكبر في أن هذا التنازل لم يحصل في مقابل أي ثمن سياسي أو تفاوضي، فقد أكد المسؤولون الإسرائيليون للقناة 12 العبرية أن “إسرائيل لن تسلم أي أسير لبناني” مقابل أبو حسين، في الوقت الذي يحتجز فيه العدو ما لا يقل عن 16 أسيرًا لبنانيًا، غاب ذكرهم تمامًا عن أي بيان رسمي. وكأن استعادة أسير إسرائيلي أهم من مصير الأسرى اللبنانيين.

ويستغرب المحللون كيف أن حكومة لم تحقق إنجازًا واحدًا، يتم الإشادة بها من قبل الإسرائيليين والأمريكيين وبعض الأنظمة العربية. هذه الإشادات، برأيهم، يجب أن تدق ناقوس الخطر، وتؤكد أن لبنان “في الضفة الخطأ”. ويحذر الشارع اللبناني من أن هذه المهزلة في الحكم ستؤدي إلى المزيد من التنازلات، مشيرًا إلى أن هناك حديثًا عن إمكانية إصدار عفو إنساني عن أسرى إسلاميين، وهو ما يعني أن “هذا البلد بدأ يدخل في العصر الإسرائيلي والأمريكي”.

هذا المشهد، حسب صحيفة الأخبار، يذكر اللبنانيين بالسنوات الطويلة من التفاوض الذي كانت تديره المقاومة مع العدو، حيث كان إطلاق أي أسير إسرائيلي يقابله تحرير أسرى لبنانيين وعرب أو استعادة رفات الشهداء. ففي عمليات تبادل تاريخية:

  • عام 1991: أطلقت إسرائيل سراح 76 أسيراً مقابل الكشف عن مصير جنديين تبين أنهما قتيلان.
  • عام 2004: أطلق العدو سراح 400 أسير فلسطيني و23 لبنانياً، بينهم قياديون، إضافة إلى رفات 59 شهيداً، مقابل ثلاث جثث لجنود إسرائيليين.
  • عام 2008: أطلقت إسرائيل سراح عميد الأسرى العرب سمير القنطار وثلاثة أسرى آخرين، وأعادت رفات المئات من الشهداء مقابل جثتي جنديين إسرائيليين.

لقد تنازلت الدولة اللبنانية اليوم عن ورقة تفاوضية ثمينة مجاناً، لتكرّس صورة التبعية السياسية وتكشف عن غياب أي استراتيجية سيادية. في المقابل، يرى الرأي العام أن القرار الوطني لم يعد يصدر من الدولة، بل من المقاومة التي أظهرت قدرة على الدفاع عن كرامة شعبها وتحرير أسراها.

 

الأسلحة والسيادة

تتجسد إحدى أبرز نقاط الانقسام في النقاش حول سلاح المقاومة. فمن جانب، يرى قطاع من اللبنانيين، مدعوماً ببعض القوى السياسية، أن حصرية السلاح بيد الدولة هي السبيل الوحيد لإرساء الاستقرار وإنهاء حالة “الدويلة” داخل الدولة.

وعلى الجانب الآخر، يرى المحللون والمواطنون المؤيدون للمقاومة أن هذا السلاح هو الضمان الوحيد للسيادة. لا يثق هذا القطاع من الشارع بأن الدولة اللبنانية، في ظل ضعفها وخضوعها، قادرة على حماية المواطنين من التهديدات الخارجية. ويشير هؤلاء إلى أن نزع السلاح في هذه الظروف، حيث تتكشف مخططات تستهدف لبنان والمنطقة، هو بمنزلة تسليم الوطن للعدو. هذه المقاومة، التي لم توجه سلاحها يوماً إلى الداخل، يُنظر إليها كحصن أخير يحمي الوطن من الوقوع في فخ التطبيع.

 

التدخل الخارجي.. أوراق مكشوفة ومخاوف قائمة

تتواتر التحليلات حول الضغوط الهائلة التي تمارسها الولايات المتحدة وبعض دول الخليج على الحكومة اللبنانية. المحللون يؤكدون أن هذه الضغوط تجاوزت مفهوم العرف الدبلوماسي، لتصبح تهديدات صريحة بـ”ترك لبنان أرضاً مستباحة وسماءً مستباحة”. في هذا السياق، يُنظر إلى دعم إيران للمقاومة على أنه ليس تدخلاً، بل هو مساعدة حاسمة ومُعلنة في مواجهة الأطماع الإسرائيلية. يرى كثيرون في الشارع أن هذا الدعم هو “إيران التي لم تترك المقاومة”، والتي لا تبيع حلفاءها كما تفعل قوى أخرى. هذه الرؤية تُقنع قطاعاً واسعاً من اللبنانيين بأن القوة الحقيقية التي تحمي بلادهم تأتي من هذا المحور، وليس من قوى تدفع بلبنان نحو الهاوية.

 

مخططات الانهيار.. “مطرقة الله” ودفاع الشارع

في خضم هذا المشهد المعقد، تطفو على السطح تقارير استخباراتية صادمة. يتداول المحللون والمهتمون بالشأن الأمني وثائق مسربة من موقع “المركز الدولي للتحليل والتنبؤ السياسي” حول خطة أمريكية إسرائيلية سرية أُطلق عليها اسم “مطرقة الله”. يصف التقرير خطة من ثلاث مراحل تستهدف لبنان، وتتضمن إنزالاً لقوات خاصة، وقصفاً مكثفاً، وهجوماً إلكترونياً. هذا المخطط، الذي يجد فيه مؤيدو المقاومة دليلاً دامغاً على صحة موقفهم، يثير مخاوف الشارع من أن لبنان يواجه حرباً وجودية.

هذا ما يدفع المحللين إلى التأكيد على أن الشارع اللبناني بات أمام خيار لا يحتمل الوسط: إما أن يستسلم لتلك المخططات، وإما أن يقلب الطاولة ويعيد إحياء “روح المقاومة”. فالأيام المقبلة كفيلة بأن تظهر ما إذا كان لبنان سيستمر في مسار الخضوع أم سيختار الطريق الآخر، طريق القوة والسيادة؟

 

قد يعجبك ايضا