احتفت الأمة الصينية بالذكرى الثمانين لانتصارها في حرب المقاومة ضد العدوان الياباني، تلاقت مسارات ثلاثة قادة رسمت مواقفهم المشهد السياسي العالمي، وهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الصيني شي جين بينغ، والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون. مشهد تكتلت فيه الإرادات السياسية، وتحولت فيه ساحة “تيانانمن” إلى منصة لإظهار قوة محور جديد يجمع بين موسكو وبكين وبيونغ يانغ. هذا التجمع لم يمر مرور الكرام، إذ سرعان ما أثار عاصفة من التكهنات والتحليلات الغربية التي وصلت إلى اتهامات صريحة من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بـ”التآمر ضد الولايات المتحدة”.
تحويل الاحتفال إلى ساحة مواجهة
العرض العسكري المهيب الذي أقيم في ميدان “تيانانمن”، كان فرصة سياسية غير معلنة لتأكيد الشراكات الاستراتيجية بين القوى الثلاث. بوتين وكيم جونغ أون، بوقوفهما إلى جانب الرئيس الصيني، بعثا برسالة واضحة إلى العالم، مفادها أن التنسيق بين هذه الدول يتجاوز مجرد العلاقات الدبلوماسية التقليدية. تحولت المشاركة في مراسم الاحتفال إلى رمزية عميقة، حيث أصبحت القاعة الكبرى للشعب مسرحاً لمحادثاتٍ صاغت ملامح تحالفات جديدة في وجه ما يُنظر إليه على أنه ضغوط غربية متزايدة.
وفي هذا السياق، رفض مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، بشدة الاتهامات الأمريكية، ملقياً الضوء على التناقض بين الواقع والتحليل الغربي. أوشاكوف، في مقابلة مع قناة “روسيا 1″، فكك الرواية الأمريكية بكلمات حاسمة، مؤكداً أن القادة الثلاثة لم يكونوا في وضع “نسج مؤامرات” أو “حياكة أي شيء”. لقد قدم أوشاكوف صورة لديناميكية العلاقة بين القادة الثلاثة، مشدداً على أن تركيزهم كان ينصب على الاحتفال التاريخي لا على التخطيط لـ”مؤامرة” مزعومة.
الحقائق تتجاوز الروايات السطحية
ويكشف المشهد أن ما اتُهم بأنه “مؤامرة” ما هو إلا تجسيد لسياسات خارجية متقاربة. روسيا، التي تواجه عقوبات غربية، تجد في الصين حليفاً اقتصادياً قوياً، في حين أن كوريا الشمالية، التي تعيش عزلة دولية، تعتمد على دعم هذين القطبين. التجمع في بكين لم يكن مصادفة، بل كان تتويجاً لجهود مستمرة لتعزيز العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف، وهو ما يضع الأقوال والاتهامات في سياقها الصحيح.
تصريحات ترامب، التي وصفها أوشاكوف بأنها قد تكون “مزحة”، تُظهر حجم القلق الذي يساور الإدارة الأمريكية من التقارب المتزايد بين هذه الدول. ولعل هذا يمثل انعكاساً ملحوظاً لعمق الصراع على النفوذ العالمي، حيث تسعى كل قوة إلى بناء شبكة تحالفاتها الخاصة. وفي هذا المشهد، يتضح أن ما يراه البعض “مؤامرة” هو في الحقيقة استجابة طبيعية لتحديات جيوسياسية مشتركة، تهدف إلى إعادة تشكيل موازين القوى الدولية بعيداً عن الهيمنة الأحادية. إن الحدث في بكين لم يكن نهاية القصة، بقدر ما كان فصلاً جديداً في ملحمة التحولات الكبرى التي يشهدها العالم.