في معادلة بحرية جديدة.. قوات صنعاء تستهدف نقاط الضعف في شبكة الكيان المؤقت البحرية والاقتصادية.
تقرير | وكالة الصحافة اليمنية
مصطلح “سكارليت راي” في حسابات المواجهة لا يمكن التوقف عنده كرمز تعريفي لسفينة شحن تابعة للكيان فحسب، فقواعد المواجهة لابد تعطي المصطلح بعداً سياسياً أعمق. وهي- أي السفينة- لاسيما في سياق المواجهة مع العدو الاستراتيجي للأمة تعد رمزاً لمرحلة جديدة، حيث تتلاشى حيل التمويه وتتجلى قدرة قوات صنعاء على الكشف عن الحقائق واستهداف نقاط الضعف في شبكة الكيان المؤقت البحرية والاقتصادية.
ولا يفوتنا أن هذا الإنجاز النوعي، والذي يأتي في سياق مواجهة ملتهبة مع العدو الصهيوني، ليعكس إرادة صلبة على المضي قدماً في دعم المقاومة الفلسطينية. الاستهداف، الذي يأتي في سياق الوفاء بما هددت به قوات صنعاء من رد على جريمة اغتيال رئيس وزراء حكومة صنعاء أحمد غالب الرهوي، يحمل في طياته رسالة عميقة بأن الدماء لا تُنسى وأن الرد على أي عدوان يأتي في الميدان. هذا الربط المباشر بين الفعل والرد يؤكد أن سلطات صنعاء تربط جبهاتها الداخلية والخارجية في منظومة واحدة، وأن أي اعتداء على قادتها أو شعبها لن ينجو من العقاب الرادع، وسيقابل بتصعيد أكبر في مواجهة من يُعتبر المسؤول الأول عن إشعال فتن المنطقة.
أسس معادلة بحرية جديدة
كشفت العملية عن طبيعة جديدة للمواجهة، حيث لم تعد محصورة في نقاط جغرافية تقليدية. استهداف “سكارليت راي” جاء في منطقة شمال البحر الأحمر، على مسافة بعيدة عن مناطق العمليات المعتادة، وهو ما وصفه “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” بـ “المفاجئ والمختلف تماماً”. هذا البعد الاستراتيجي يؤكد وجود قدرات يمنية متنامية، قادرة على توسيع دائرة التأثير العملياتي لتشمل عمق الملاحة التي تخص الكيان المؤقت، مما يفرض عليه واقعاً جديداً من التهديد الدائم وغير المتوقع.
في تطور نوعي يكسر حاجز المدى ويضع أسس معادلة بحرية جديدة، استطاعت البحرية اليمنية، رغم كل محاولات التمويه والتشويش التي أحاطت بتحركات ناقلة النفط “سكارليت راي”، أن تصيبها بدقة صاروخية حاسمة. الاستهداف أكد قدرة فاعلة على تجاوز منظومات الحماية والتحصين التي يعتقد الكيان المؤقت أنها تحميه في أعالي البحار.
الناقلة، التي ترفع علم ليبيريا، تبيّن أنها مملوكة لرجل الأعمال “الإسرائيلي” عيدان عوفر، وهو ما أكدته مصادر إعلامية من داخل الكيان المؤقت نفسه. هذا الكشف أزاح الستار عن محاولات إخفاء الملكية وتغيير الأعلام، في مسعى واضح لتفادي الاستهداف. لكن هذا التمويه لم يصمد أمام اليقظة البحرية، لتُظهر العملية أن محور المواجهة بات يمتد إلى كشف خيوط الملكية المتخفية وراء شركات وهمية وأعلام دول مختلفة.
في المقابل، صمت الكيان المؤقت عن تأكيد الإصابة المباشرة يشي بمحاولة التعتيم على مدى خطورة هذه الضربة. هذا الصمت الرسمي يقابله قلق واضح في الأوساط البحرية والاستخباراتية الدولية، والتي تصف العملية بأنها “استعراض واضح للقوة” وتثير تساؤلات حول فعالية أنظمة الدفاع.
الحرب الإلكترونية والمراقبة البحرية
وفي جولة استطلاعية للمدى الذي احدثته العملية اليمنية، أكد موقع The Maritime Executive المتخصص في شؤون الملاحة البحرية أن السفينة الصهيونية “سكارليت راي”، التي استهدفتها القوات البحرية اليمنية يوم أمس الاثنين في البحر الأحمر، كانت خاضعة لعملية تشويش ملاحية متعمدة منذ عدة أسابيع، الأمر الذي لم يحل دون رصدها وإصابتها بدقة.
وأوضح الموقع أن بيانات نظام التعريف الآلي (AIS) أظهرت أن السفينة كانت قبالة ميناء ينبع، وأن إشاراتها لم تُلتقط منذ ظهر الأحد، وهو ما يشير إلى محاولة متعمدة لإخفاء موقعها ومسارها عن أجهزة التتبع.
وأشار التقرير إلى أن موقع استهداف السفينة يبعد عن اليمن أكثر من 600 ميل بحري (حوالي 1111 كيلومتراً)، وهو ما يؤكد امتلاك القوات البحرية اليمنية لقدرات متقدمة في مجال الحرب الإلكترونية والمراقبة البحرية، مكّنتها من تجاوز إجراءات التشويش والتمويه التي لجأت إليها الشركة المالكة للسفينة.
ووفقاً لتقارير استخباراتية، فإن التشويش قد يكون ناتجاً عن تدابير وقائية اتخذتها الشركة المالكة لإخفاء السفينة عن الرادارات اليمنية، في ظل تزايد الاستهدافات البحرية للسفن الصهيونية منذ أواخر 2023. في المقابل، لم تستبعد مصادر عسكرية أن يكون التشويش ناجماً عن عمليات حرب إلكترونية يمنية استهدفت تعطيل أنظمة السفينة لمتابعتها بدقة وإرباك حركتها.
وكانت القوات البحرية اليمنية قد أعلنت استهداف وإصابة السفينة النفطية الصهيونية “سكارليت راي” بصاروخ باليستي قبالة سواحل البحر الأحمر، في عملية نوعية جديدة، بينما التزم كيان العدو الصهيوني الصمت حتى الآن.
البحرية اليمنية قدرات متنامية
في سياق متصل، أبدى معهد واشنطن لسياسة “الشرق الأدنى” قلقاً بالغاً من العملية البحرية اليمنية الأخيرة التي استهدفت ناقلة النفط الصهيونية “سكارليت راي”، معتبراً أن الهجوم شكل مفاجأة نوعية من حيث الموقع والدلالة الاستراتيجية.
وأوضح المعهد أن مسرح العملية جاء هذه المرة خارج نطاق المواقع المعتادة للعمليات اليمنية، مؤكداً أن الضربة الصاروخية امتدت إلى مناطق أبعد نحو الشمال مما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التوسع في نطاق الاستهدافات.
وأشار إلى أن هذا التطور يعكس تنامياً لافتاً في القدرات اليمنية، ويؤشر إلى أن مسار المواجهة لم يعد محصوراً في نقاط محدودة، بل أصبح مفتوحاً على احتمالات أوسع مرتبطة بمآلات الصراع في غزة وممارسات الكيان الصهيوني بحق الفلسطينيين.
كما لفت المعهد إلى أن العمليات اليمنية المقبلة قد ترتبط بشكل مباشر بما يجري من عدوان صهيوني سواء على فلسطين أو على اليمن، ما يعني أن تل أبيب أمام معادلة ردع جديدة قد تفرضها صنعاء في أي لحظة.
الناتو.. مراجعة شاملة
وفي ضوء التطورات التي تشهدها مواجهات البحر الأحمر ومضيق باب المندب، أفاد موقع The War Zone الأمريكي المتخصص بالشؤون الدفاعية أن العمليات البحرية اليمنية الأخيرة أجبرت الولايات المتحدة وحلف الناتو على إعادة تقييم عقيدتهم القتالية البحرية.
وأوضح الموقع أن البحرية الأمريكية بدأت خطوات تطوير صاروخ بحري جديد ليحل محل صاروخها الحالي سي سبارو المطور – ESSM بلوك 2، في مشروع مشترك يجري بالتعاون مع 11 حليفاً من حلف الناتو، استجابة لما اعتبرته “دروساً قاسية” تكشفها العمليات اليمنية ضد مدمرات وسفن أمريكية وغربية.
وأشار المحللون إلى أن التهديدات اليمنية المعقدة، التي تجمع بين الطائرات المسيّرة والصواريخ متعددة الاتجاهات، أظهرت محدودية صواريخ ESSM المحدثة، ما يستدعي تصميم منظومات دفاعية بحرية أكثر مرونة وأطول مدى، مع القدرة على إعادة التزود أثناء العمليات البحرية.
وأكد الموقع أن البرنامج الجديد يهدف إلى تطوير صواريخ بحرية حديثة قادرة على مواجهة الصواريخ الفرط صوتية والطائرات المسيّرة المسلحة، بالإضافة إلى سد الثغرات التي كشفتها العمليات اليمنية أمام القطع البحرية الغربية.
ولفت التقرير إلى أن القوات اليمنية أعادت رسم قواعد الاشتباك في البحر، مما أجبر مراكز القرار في الناتو على تطوير استراتيجيات جديدة لم تكن مطروحة سابقاً، وجعل اليمن لاعباً مركزياً يفرض معادلاته العسكرية، ويشكل مصدر إرباك حقيقي للأساطيل الغربية، رغم محدودية إمكانياته.
وأشار التقرير إلى أن هذه التحولات أثرت مباشرة على الصناعات العسكرية الغربية، التي تتسابق لتقديم حلول عاجلة لمواجهة واقع جديد فرضه اليمن في البحر الأحمر، في وقت يعجز فيه الكيان الصهيوني عن حماية سواحله الجنوبية ومنع تعطيل خطوطه الملاحية، ما يؤكد أن زمن الهيمنة الأحادية في البحار يتراجع أمام حضور اليمنيين في ساحة المعركة وممرات السيادة الحيوية.
تهديد بالغ الخطورة
“التهديد اليمني للسفن المرتبطة بالكيان الإسرائيلي يُقيّم بأنه “بالغ الخطورة”، جاء في تأكيدات موقع “سيتريد ماريتايم نيوز” البريطاني المتخصص في الشؤون البحرية، حيث أشار الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بالموقع، جاري هورد، إلى أن الهجوم الصاروخي الذي شنته القوات المسلحة اليمنية على ناقلة النفط الصهيونية “سكارليت ري” شمالي البحر الأحمر، أظهر مدى اتساع نطاق التهديد الذي يمثله اليمنيون، واعتبر أن العملية “واسعة النطاق شمالاً ومثيرة للاهتمام”.
ونقل الموقع عن مركز المعلومات البحرية المشتركة (JMIC) تحذيره لصناعة النقل البحري، بالتأكيد على أن اليمنيين يمتلكون القدرة على استهداف السفن التجارية المرتبطة بالكيان الإسرائيلي في عمق البحر الأحمر وخليج عدن، وهو ما يفرض تحدياً متصاعداً على أمن الملاحة.
معادلة بحرية جديدة
في خضم التوتر المتصاعد، تتكشف حقائق جديدة على مسرح المواجهة في البحر الأحمر، فما كان يُنظر إليه كقواعد اشتباك محددة، تحوّل اليوم إلى مسرح مفتوح يفرض فيه اليمنيون إرادتهم ويدخلون معادلة جديدة. لم يعد استهداف سفينة شحن حدث يمكن وصفه بالفعل العابر، فهو رسالة عميقة ودامية تُكتب بماء السيادة، وتؤكد أن الكيان المؤقت لم يعد في مأمن حتى في أبعد أعماق البحار.
الضربة الموجعة التي تلقتها الناقلة “سكارليت راي” لم تكن مجرد إصابة فنية، بل كانت استعراضاً للقوة الاستراتيجية، وفضحاً لحقيقة أن محاولات التمويه والتخفي خلف الأعلام المستعارة لم تعد تجدي نفعاً أمام عيون اليقظة اليمنية. فقد أثبتت العملية أن الكشف عن الملكيات المتخفية أصبح جزءاً لا يتجزأ من الحرب، وأن اليقظة البحرية أصبحت قادرة على تجاوز كل حيل التعتيم، لتضع يدها على نقاط الضعف في شبكة الكيان المؤقت البحرية والاقتصادية.
تلك العملية النوعية، التي امتدت إلى شمال البحر الأحمر، على مسافة تكسر حاجز المدى وتتجاوز كل التوقعات، تفرض تحدياً استراتيجياً على كل القوى العسكرية في المنطقة. فما وصفه “معهد واشنطن” بـ”المفاجئ والمختلف تماماً” هو في حقيقة الأمر إعلان واضح عن تنامي قدرات قوات صنعاء في مجال الحرب الإلكترونية والمراقبة البحرية، والتي باتت قادرة على تجاوز منظومات الدفاع الغربية المتقدمة. لقد أصبحت صنعاء اليوم لاعباً محورياً، يفرض قواعده الخاصة، ويجبر حلفاء الكيان المؤقت، وفي مقدمتهم حلف الناتو، على مراجعة عقائدهم القتالية وتطوير استراتيجيات جديدة لمواجهة تهديدات لم تكن مطروحة من قبل.
ففي خضم هذه الديناميكية، لم يعد بإمكان أي جهة تجاهل أن البحرية اليمنية في قوات صنعاء قد أعادت رسم قواعد الاشتباك، وأنها تفرض واقعاً جديداً على كل من يُشارك في الملاحة البحرية المرتبطة بالكيان المؤقت. هذا التحول العميق يؤكد أن صنعاء، رغم كل التحديات، باتت تمتلك إرادة صلبة على المضي قدماً في دعم المقاومة، وأن دماء شهدائها لن تُنسى، وأن الرد على أي عدوان يأتي في الميدان، ويكون صداه مدوياً في أعالي البحار، ويكشف عن زمن يتراجع فيه مفهوم الهيمنة الأحادية، ويصعد فيه صوت الحق والمقاومة.