في عملية نوعية، تمكنت طائرات مسيرة أطلقتها سلطات صنعاء من اختراق منظومة الدفاع الجوي التابعة للكيان الإسرائيلي، لتضرب عمق صحراء النقب وتستهدف مطار “رامون” الدولي. لم يقتصر تأثير هذا الهجوم على الأضرار المادية والإصابات البشرية التي بلغت ثمانية أشخاص، بل تجاوز ذلك ليُحدث هزة عميقة في المعادلات الأمنية والاستخباراتية لسلطات الاحتلال.
المشهد الذي وثقه الإعلام العبري والمستوطنون على حد سواء، كشف عن حالة من الارتباك والذهول بعد اعتراف الاحتلال بوصول مسيرة إلى هدفها بدقة دون سابق إنذار أو تفعيل صفارات الإنذار، وهو ما دفع بجيش الاحتلال الإسرائيلي إلى الإقرار بفشل منظومته الدفاعية وبدء تحقيق عاجل في “الخلل الخطير” الذي سمح بهذا الاختراق. هذه الحادثة، التي وصفها خبراء عسكريون بأنها “فشل مزدوج” في الاكتشاف والاعتراض، تفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات جدية حول قدرة سلطات الاحتلال على حماية أهدافها الحيوية في مواجهة التكتيكات الهجومية المتطورة.
من الانفجار إلى الاعتراف بالفشل
في البداية، لم تبلغ سلطات الاحتلال عن أي إصابات، لكن مع تزايد التقارير الميدانية، أكدت القناة الرابعة عشرة الإسرائيلية أن هناك إصابتين على الأقل في صفوف الإسرائيليين. ووفقاً لهيئة البث الإسرائيلية، فإن المسيرة انفجرت بشكل مباشر في قاعة المسافرين بالمطار، ما أدى إلى وقوع أضرار مادية، واستدعى دفع فرق إطفاء وقوات طوارئ إلى الموقع.
ثم بدأت الأنباء تتوالى أمس الأحد، مع إعلان سلطات مطارات الكيان الإسرائيلي عن توقف كامل لحركة الإقلاع والهبوط في مطار رامون، وذلك في أعقاب أنباء أولية عن انفجار طائرة مسيرة. سرعان ما أكد إعلام الاحتلال أن طائرة مسيرة يمنية أصابت المطار إصابة مباشرة، مما أحدث أضراراً كبيرة وأسفر عن إصابة 8 أشخاص، حسب تأكيدات الإسعاف الإسرائيلي.
في تصريح أولي، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه اعترض كافة المسيرات التي أطلقت من الأراضي اليمنية باتجاه الأراضي المحتلة. وفي مشهد يوثق حالة الارتباك، أظهرت كاميرات المستوطنين تصاعد الدخان من المطار، بينما وثقت مقاطع فيديو هروب المغتصبين من المطار بعد استهدافه. من جهته، أقر جيش الاحتلال الإسرائيلي بفشل اعتراض الطائرة المسيرة، مؤكداً وجود تحقيق أولي في كيفية تمكن الطائرة من إصابة المطار دون تفعيل صفارات الإنذار. هذه الحادثة، بحسب هيئة البث الصهيونية، فاجأت جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث لم ترصد أنظمة الكشف التابعة لسلاح الجو الطائرة اليمنية إلا بعد وقوع الضربة.
بعد الحادثة، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن إغلاق المجال الجوي في محيط المطار ومنع التحليق في هذه الأجواء، مما يؤكد خطورة الموقف وحجم التهديد. فيما أشارت إذاعة جيش الاحتلال عن مصدر عسكري إلى أن طائرة مسيرة يمنية ضربت قاعة المسافرين في المطار، مؤكدةً بذلك دقة الأنباء الأولية.
ويأتي هذا الحادث بعد أن قالت سلطات الاحتلال إنها رصدت ثلاث مسيرات أطلقت من اليمن. وقد ذكرت في بيان لاحق أنها اعترضت مسيرتين خارج الأجواء الإسرائيلية، وأخرى داخلها. مع ذلك، تشير بعض التحليلات إلى احتمال وجود مسيرة رابعة لم يتم رصدها من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يفسر وصول هذه المسيرة إلى هدفها.
فشل استخباري وتكتيكات متقدمة
أثارت هذه العملية العديد من علامات الاستفهام حول جاهزية الدفاعات الجوية الإسرائيلية، إذ أكدت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي أن الطائرة المسيرة اليمنية دخلت المجال الجوي ووصلت إلى هدفها دون أن يتم اعتراضها أو اكتشافها، مشيرة إلى “خلل خطير في منظومة الكشف”. كما نقلت الإذاعة عن تحقيق عسكري وجود “أخطاء خطيرة” حالت دون رصد الطائرة.
وفي تحليل نشرته إذاعة جيش الاحتلال، رجح خبراء أن سلطات صنعاء استخدمت تكتيك “التشتيت” عبر إطلاق مسيرات متعددة في اتجاهات مختلفة، ما أربك الدفاعات الإسرائيلية وسمح للمسيرة التي استهدفت المطار بالتسلل عبر مسار مختلف وعلى علو منخفض جداً، ما يؤكد تطور الاستراتيجيات الهجومية اليمنية وقدرتها على تجاوز الأنظمة الدفاعية المعقدة.
مراحل الهجوم وخصائص الطائرة المسيرة
العدو الصهيوني لم يجد بدا من الاعتراف بوصول الطائرة بكاميرات المغتصبين وثقت لحظة إصابة الطائرة للمطار ومدى الأضرار الناتجة، وفي هذا الصدد أقر “جيش” العدو بوصول الطائرة اليمنية إلى مطار “رامون” دون التمكن من اكتشافها أو التصدي لها. مضيفا أنه أجرى تحقيقا في أسباب عدم تشغيل صافرات الإنذار ورصد الطائرة، معترفاً بوصول 6 طائرات مسيرة يمنية، فيما أعلنت القوات المسلحة عن 8 طائرات، الأمر الذي يكشف مدى تخبط الكيان الصهيوني وعجزه حتى عن إخراج الرواية كاملة، فمتحدث قوات صنعاء، العميد يحيى سريع أعلن عن 8 طائرات توزعت على النحو التالي: طائِرَة مُسيَّرَة على مَطارِ رامونَ، وثَلاث طائِرات مُسيَّرَة على هَدَفين عَسكريٍّين حساسين في النَّقبِ، وطائِرَة مُسيَّرَة على هَدَف حَيويٍّ في عَسقلانَ، وطائِرَة مُسيَّرَة على مَطارِ اللُّدِّ، وطائِرتان مُسيَّرتان على هَدَف حَيويّ في مَنطقةِ أَسدود.
وكشفت التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الصهاينة والإعلام العبري عن مدى الرعب والقلق الذي خيم في الكيان الإسرائيلي جراء تمكن قوات صنعاء، أمس الأحد، استهداف مطار “رامون” بطائرة مسيرة أصابت صالة الوصول بشكل مباشر محدثة أضرارا هائلة وإصابة 8 صهاينة بجروح بليغة. ففي تعليقه على الحادثة تعامل مراسل قناة 14 العبرية بسخرية من الوضع المزري للدفاعات الجوية الإسرائيلية حيث صرح قائلا: ” المسيرات اليمنية هي أول طائرات دولية تهبط في مطار رامون منذ افتتاحه”.
وفي تحليل معمق للحدث، يوضح اللواء فايز الدويري، الخبير العسكري والاستراتيجي، أبعاد هذا الاختراق وتداعياته، موضحاً أن نجاح المسيرة اليمنية في التسلل إلى عمق الأراضي المحتلة كان أمراً متوقعاً، نظراً لتصميمها المعتمد على تقنيات تجعل من الصعب رصدها. وأشار إلى أن الطائرات المسيرة الحديثة تستخدم مواد محددة وهياكل غير منتظمة بزوايا حادة، بالإضافة إلى أصباغ خاصة تمتص النبضات الرادارية، مما يقلل من البصمة الرادارية للطائرة ويصعب اكتشافها.
وفي سياق سردي متتابع، أوضح الخبير العسكري أن المعلومات الأولية تحدثت عن اكتشاف ثلاث مسيرات والتعامل معها قبل دخولها الأراضي الفلسطينية المحتلة. لكن المفاجأة كانت في وصول مسيرة رابعة إلى عمق الكيان الاسرائيلي، حيث قطعت مسافة 18 كيلومتراً ما بين مطار رامون ومطار إيلات، واستهدفت صالة المسافرين في المطار، مخلفة إصابتين وفقاً للتقارير الرسمية.
ويشير اللواء الدويري إلى أن استهداف مطار رامون يحمل دلالات استراتيجية، كونه مطاراً دولياً بديلاً لمطار إيلات، ويتمتع بمواصفات تسمح بهبوط الطائرات الكبيرة. ويُعد هذا المطار مسانداً لمطاري حيفا وبن غوريون (اللود سابقاً)، مما يجعله هدفاً ذا أهمية كبيرة.
وعن سبب تفضيل استهداف مطار رامون، يوضح الخبير العسكري أن الوصول إليه أسهل مقارنة بمطار بن غوريون، حيث يتطلب الوصول إلى الأخير قطع مسافة طويلة داخل الأراضي المحتلة، مما يمنح جيش الاحتلال الإسرائيلي فرصة أكبر لاعتراض الصواريخ أو الطائرات البطيئة. وأشار إلى أن المسيرة قد تكون قد وصلت عبر البحر، على مستوى طيران منخفض جداً، ما ساعدها على تجنب المنظومة الرادارية. وتُصنّف هذه الطائرات ضمن فئة “صماد”، التي سبق لواحدة منها أن وصلت إلى مدينة يافا قبل أكثر من عام، وأحدثت خسائر بشرية.
وفي معرض الإجابة عن سؤال حول ما إذا كانت المسيرات الثلاث الأولى بمثابة مناورة لتضليل الدفاعات الجوية، يرى اللواء الدويري أن هذا السيناريو محتمل. فإذا ثبت أن المسيرة الرابعة أُطلقت بعد وقت قليل من المسيرات الثلاث وسلكت مساراً مختلفاً، فإن انشغال الدفاعات الجوية بالتعامل مع المسيرات الأولى يكون قد منح المسيرة الرابعة فرصة الوصول إلى هدفها. ويصف اللواء الدويري هذا التكتيك بأنه “نوع من الذكاء للمخطط الذي استخدم هذه الطائرات”.
يختتم اللواء الدويري تحليله بالإشارة إلى أن هذا الهجوم يمثل “فشلاً مزدوجاً” لسلطات الاحتلال الإسرائيلي. الفشل الأول هو في الاكتشاف، والثاني في الاعتراض. وعلى الرغم من امتلاك سلطات الاحتلال منظومات دفاع جوي متعددة الطبقات مثل “القبة الحديدية”، إلا أن منطقة النقب تفتقر إلى تغطية جوية كاملة، نظراً لطبيعتها غير المأهولة.
ويؤكد الخبير أن الفشل الأكبر يكمن في عدم الاكتشاف، الذي حال دون توجيه القدرات الدفاعية للتعامل مع التهديد. ويضاف إلى ذلك فشل الطائرات المروحية المخصصة لمتابعة الأهداف الجوية. هذا الفشل في الرصد والاكتشاف هو ما سمح للطائرة المسيرة بالوصول إلى هدفها وإحداث الخسائر، مما يطرح علامات استفهام جدية حول فاعلية المنظومة الدفاعية لسلطات الاحتلال في مواجهة هذا النوع من الهجمات.
تطورات الموقف الميداني والإعلامي
التحليل الإخباري لم يقتصر على سرد الواقعة، بل امتد إلى قراءة أبعادها الاستراتيجية. فقد أكدت القناة 13 الصهيونية أن اليمنيين يحاولون فرض معادلة “العين بالعين والسن بالسن… مطار مقابل مطار”. هذه المعادلة، التي أشار إليها العميد يحيى سريع، الناطق العسكري باسم سلطات صنعاء، في بيان له، تؤكد أن العملية لم تكن مجرد رد على استهداف قيادات يمنية، بل تأتي في إطار استراتيجية متكاملة لدعم غزة، وتوجيه رسالة ردع واضحة. وتضيف صحيفة “معاريف” أن “اليمنيين يحاولون تركيز جهودهم على ضرب المطارات الدولية ‘الإسرائيلية’ وقد يكون لهذه الضربات وقعٌ على شركات الطيران”.
نشر الإعلام العبري فيديوهات وصوراً توثق اللحظات الأولى بعد الانفجار، حيث شوهد تصاعد الدخان من المطار وهروب المغتصبين. وقد أقر جيش الاحتلال بفشل اعتراض الطائرة التي أصابت المطار دون تفعيل الإنذارات، ما أدى إلى وقوع حرائق وإصابات. من جهته، أكد الإسعاف الإسرائيلي ارتفاع عدد المصابين إلى 8.
كشفت هيئة البث الصهيونية أن أنظمة الكشف التابعة لسلاح الجو فشلت في رصد الطائرة المسيرة، وأن الضربة فاجأت جيش الاحتلال الذي لم يصدر تقريره الأولي إلا بعد وقوعها. وأوضحت إذاعة جيش الاحتلال أن المسيرة دخلت المجال الجوي ووصلت إلى هدفها دون اكتشاف أو اعتراض، مشيرة إلى “خلل خطير في منظومة الكشف”. كما لفتت القناة 12 الصهيونية إلى أن فشل اكتشاف المسيرة يعد “حدثًا استثنائيًا” قد تترتب عليه تبعات خطيرة على سلطات الاحتلال.
وعلاوة على أن استهداف مطار “رامون” الاسرائيلي، جنوب فلسطين المحتلة، بطائرة مسيرة أطلقت من قبل قوات صنعاء، شكل فشلاً ذريعًا لمنظومات الدفاع الجوي والأنظمة الاستخباراتية لسلطات الاحتلال، وذلك في حدث نوعي كشف عن إمكانات كبيرة في التكيف والمباغتة من قبل القوات اليمنية. أقر جيش الاحتلال الإسرائيلي بفشل اعتراض الطائرة، مؤكداً وجود إصابات وحرائق في المطار الذي يعد بديلًا لمطار “إيلات” ويتمتع بمواصفات دولية.
الضربة تسببت في ارتباك واسع في الأوساط السياسية والعسكرية في الكيان الإسرائيلي. فقد وصف الجنرال المتقاعد يعقوب بن دافيد ما جرى في رامون بأنه “إهانة عسكرية بكل المقاييس”، مؤكداً أن المنظومات الدفاعية التي أنفقت عليها إسرائيل والولايات المتحدة مليارات الدولارات فشلت فشلاً ذريعاً. كما انتقد بشدة صمت القيادة السياسية والعسكرية، واصفاً إياها بأنها “تتهرب من المسؤولية عند الفشل”.
في سياق متصل، أشاد مراسل قناة 14 العبرية بالقدرات اليمنية بطريقة ساخرة، معلقاً: “المسيرات اليمنية هي أول طائرات دولية تهبط في مطار رامون منذ افتتاحه”، وهو ما يؤكد على حجم الفشل الذي أصاب منظومة الدفاع الإسرائيلية.
الضربة اليمنية لمطار رامون كشفت عن تحول نوعي في ميزان القوى الإقليمي، حيث برزت قدرة قوات صنعاء على استهداف العمق الاسرائيلي وإلحاق الضرر بالرموز المدنية والاقتصادية، مما يفرض إعادة حسابات شاملة على المستويين العسكري والسياسي. لاسيما وأن العملية، بحسب “جيروزاليم بوست”، تُعد إحدى الضربات اليمنية الخطيرة التي تظهر قدرة سلطات صنعاء على التكيف والمباغتة. رئيس بلدية “إيلات”، إيلي لانكري، أعرب عن قلق جدي من أن يؤدي تعطيل مطار رامون وميناء إيلات إلى شلل شبه كامل في المدينة، مما يهدد السياحة والاقتصاد المحلي.
من جهته، نقلت “يديعوت أحرونوت” عن رئيس بلدية “إيلات” قلقه من سقوط مسيرة “دون تحذير مسبق”، مضيفاً أن “ميناءنا معطّل وعملياته تؤول إلى الصفر بفعل عمليات الحوثيين”، مما يسلط الضوء على التأثيرات الاقتصادية الواسعة للعمليات اليمنية.
في المقابل، شهدت الضربة ترحيباً واسعاً في غزة، حيث وصفها الصحفي الفلسطيني محمد هنية بأنها دليل على “وفاء صنعاء للقضية الفلسطينية”. وباركت حركة المجاهدين الفلسطينية العملية، مشيدة بـ “الضربة اليمنية الجديدة”، ومؤكدة أن “العملية اليمنية أدت إلى إغلاق المجال الجنوبي أمام حركة الطائرات”. كما أشادت الحركة “بثبات وإصرار الشعب اليمني المجاهد وقيادته الشجاعة على مواصلة معركة إسناد الشعب الفلسطيني”، مشيرة إلى أن هذا الموقف “لن ينسى أبدًا مع الشعب الفلسطيني الذي خذله القريب والبعيد”.