تشكل التطورات العسكرية المتسارعة في اليمن، ولا سيما في مجال الطائرات المسيرة والصواريخ، مصدر قلق مزعج للكيان الإسرائيلي، كما توضح ذلك سلسلة من التقارير والتحليلات الصادرة عن وسائل إعلام ومؤسسات بحثية إسرائيلية مرموقة.. حيث تَكشِف هذه التقارير عن صورة معقدة لتهديد متطور ومستمر، تتحدى فيه القدرات العسكرية اليمنية المنظومة الدفاعية الإسرائيلية وتُلحق أضراراً ملموسة بالجبهة الداخلية والاقتصاد على حد سواء.
تطور نوعي في اليمن
وأشارت تحليلات صادرة عن معهد “مشغاف” الإسرائيلي المتخصص إلى تطور ملحوظ في الصناعة العسكرية المحلية اليمنية، حيث أكدت التحقيقات الإسرائيلية أن الطائرة المسيرة التي استهدفت مطار “رامون” الدولي كانت محلية الصنع، مما يسلط الضوء على قدرة متنامية على التصنيع الذاتي وتطوير الأسلحة.
ولا يقتصر الأمر على حجم الهجمات فحسب، بل هو تطور نوعي واضح؛ إذ إن وتيرة الإطلاق كبيرة خلال فترات زمنية قصيرة، كما أن اليمنيين، وفقاً لهذه التقارير، يدرسون بعناية قدرات الدفاع الجوي الإسرائيلي ويعملون بشكل متواصل على تحديها من خلال تطوير تكتيكات جديدة، مثل اختيار مسارات طيران أكثر تعقيداً وتنفيذ هجمات تعتمد على أساليب التشتيت والمفاجأة لاختراق الدفاعات.
الفشل الإستراتيجي الإسرائيلي وعدم جدوى الردع
وتقدم وسائل الإعلام الإسرائيلية، مثل موقع “ذا ماركر” وصحف “يديعوت أحرونوت” و”جيروزاليم بوست”، نقداً لاذعاً لاستراتيجية بلادهم في مواجهة التهديد اليمني.
حيث يتفق المحللون على أن الهجمات الإسرائيلية الواسعة في اليمن، بما في ذلك الاغتيالات المستهدفة لأعضاء في الحكومة، باهظة التكلفة ولكنها “لا تحقق نتائج” ولم تنجح في ردع الخصم.
بل على العكس من ذلك، فإن “قدرة اليمنيين على الصمود عالية جداً”، كما يستشهدون بحرب السنوات العشر التي خاضها التحالف السعودي الإماراتي والتي انتهت بإدراك “عمق المستنقع” والانسحاب دون تحقيق الأهداف. ويُقرّ بأن إنهاء المعركة في غزة فقط هو ما قد يؤدي إلى إغلاق هذا الملف، مما يعترف ضمناً بالصلة الوثيقة بين الجبهتين.
التأثير الاقتصادي والمعنوي الملموس
الضربات اليمنية ليست مجرد تهديد أمني نظري، بل لها تداعيات اقتصادية واستراتيجية مباشرة، حيث يؤكد موقع “ذا ماركر” أن اليمنيين “لا يزالون ينجحون في تعطيل اقتصاد إسرائيل بشكل كبير” بعد عامين من العمليات. فقد نجحت الهجمات في تعطيل مطارين رئيسيين، بما في ذلك مطار رامون، وميناء إيلات الحيوي، مما “يعطل وتيرة الحياة والاقتصاد”.
وجسدت حادثة استهداف صالة المسافرين في مطار رامون هذا “الفشل الإستراتيجي”، وقد يكون لها، حسب صحيفة “معاريف”، “آثار وخيمة على سمعة المطار وقطاع الطيران الإسرائيلي”،
حيث قد تدفع شركات الطيران العالمية التي عادت مؤخراً إلى إعادة النظر في قرارها، مما حدا بالبعض إلى المطالبة بإصدار “أمر 8” عاجل لشن حملة دعائية لطمأنتها.
وكشفت الهجمات عن ثغرات مستمرة في المنظومة الدفاعية الإسرائيلية. فبالرغم من عمل سلاح الجو “على مدار الساعة”، فإن الحماية “ليست محكمة بالكامل”.
وأقرت تقارير بأن هناك “انخفاضاً كبيراً في بنية الدفاعات الجوية” بعد التبادل مع إيران. والأهم من ذلك، أن التهديد اليمني أصبح “اليومي المركزي”، وهو الوحيد في المنطقة الذي يجبر ملايين الإسرائيليين على دخول الملاجئ “بمعدل مرة واحدة في الأسبوع”، مما يذكر بالفشل المستمر في هذه الساحة.
الثغرات الدفاعية والتكيف اليمني
وخلصت هذه التقارير إلى عدة استنتاجات جوهرية، أهمها أن التهديد اليمني جدي ومتطور ويجب أخذه على محمل الجد، فهو ليس ظاهرة عابرة بل تحدي مستمر وقادر على التكيف والمباغتة.
كما أثبتت فشل منهج الردع العسكري المباشر، حيث أن القصف والاغتيالات لم تحقق الهدف المنشود ولم تؤدِ إلى انهيار القدرة اليمنية على الاستمرار.
كما أن الأثر الاستراتيجي يتجاوز الجانب الأمني، إذ إن الضربات اليمنية تضرب بعمق في الاقتصاد والإحساس بالأمن لدى المواطن الإسرائيلي، وتؤثر على الصورة الدولية للدولة.
وأخيراً، فإن الحل قد يكون غير عسكري بحت، حيث تشير التقديرات إلى أن إنهاء الحرب في غزة قد يكون المفتاح لإغلاق ساحة اليمن، في اعتراف بالطبيعة السياسية المتشابكة لهذا الصراع.
ورداً على ذلك، بدأت تظهر أصوات، كصوت وزير الحرب الأسبق أفيغدور ليبرمان، تدعو إلى تغيير الاستراتيجية والتحول إلى عمل استخباراتي مكثف (“الموساد”) ودعم القوى المعارضة لصنعاء، في اعتراف ضمني بأن المواجهة العسكرية المباشرة وحدها قد استنفدت أغراضها ولم تحقق النجاح المنشود.
وبشكل عام، ترسم هذه التقارير صورة لقوة استطاعت فرض معادلة استراتيجية جديدة وخلق تهديد استراتيجي مستمر يعترف الطرف الإسرائيلي بتعقده وصعوبة التغلب عليه بالوسائل التقليدية.