في سياق تدهور مكانتها الدولية وتصاعد الانتقادات العالمية، شرعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ خطة غير مسبوقة لتعزيز ما تسميه “الدبلوماسية العامة” أو “الهاسبرا”. خصصت ما يسمى بـ”وزارة الخارجية الإسرائيلية” لهذه الحملة ميزانية قدرها 520 مليون شيكل (أكثر من 155 مليون دولار)، وتهدف إلى استهداف الرأي العام العالمي عبر استضافة وفود من المؤثرين، الصحفيين، السياسيين، والشخصيات الدينية من مختلف أنحاء العالم.
وتشير التقارير، ومن بينها ما نشرته صحيفة “كالكاليست” الاقتصادية، إلى أن هذه الميزانية هي الأكبر في تاريخ الوزارة، وقد أُقرت بموجب اتفاق سياسي قاده وزير الخارجية جدعون ساعر في نهاية عام 2024. وقد جرى توزيع المبالغ على ثلاثة مسارات رئيسية: 300 مليون شيكل للحملات الرقمية والإعلامية، و135 مليون شيكل لاستضافة الوفود الأجنبية، و85 مليون شيكل لأنشطة علاقات عامة إضافية.
أزمة الصورة
تصف خارجية الكيان الإسرائيلي هذه الخطة بأنها ضرورية لمواجهة “أزمة صورة” خانقة، تفاقمت مع تصاعد الانتقادات الدولية على خلفية الحرب الأخيرة وتداعياتها الإنسانية. وتتضمن الخطة استقبال نحو 400 وفد يضم أكثر من 5000 شخص خلال عام 2025، وهو ما يتجاوز بكثير متوسط 25 وفداً في السنوات العادية.
ومن أبرز هذه الوفود، من المتوقع أن يزور الكيان الإسرائيلي 250 مشرعاً أمريكياً من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بالإضافة إلى 1000 رجل دين أمريكي. كما تشمل الزيارات وفوداً إعلامية وصحفية من الولايات المتحدة، أوروبا، آسيا، وأفريقيا، بالإضافة إلى مجموعات من الناشطين في الجامعات العالمية. وتتضمن هذه الزيارات لقاءات مع مسؤولين في سلطات الاحتلال، فضلاً عن عروض مصورة أعدها جيش الاحتلال الإسرائيلي لتوثيق ما يسميه “فظائع حماس”.
ولتعزيز هذه الجهود، تناقش حكومة الاحتلال إنشاء قسم خاص للدبلوماسية العامة في وزارة خارجيتها، بهدف تنسيق الجهود بين البعثات الخارجية والحملات الإعلامية. ويُعتبر هذا القسم، بحسب المذكرات التوضيحية المرفقة بالقرار، “أداة أساسية تؤثر في سياسات وقرارات الحكومات الأجنبية عبر التأثير في الرأي العام”.
فشل حملات التلميع
على الرغم من الأموال الطائلة والحملات المكثفة، تشير استطلاعات الرأي والتقارير الإعلامية إلى أن صورة سلطات الاحتلال على الساحة الدولية ما تزال في أدنى مستوياتها. ويرى مراقبون أن الواقع على الأرض أقوى من أي محاولات للدعاية. فصور الحرب والدمار في غزة والضفة الغربية، إضافة إلى صور الأطفال تحت الأنقاض، والمجاعات الناتجة عن الحصار، تنسف كل محاولات التلميع.
كما أن صعود وسائل التواصل الاجتماعي كسر احتكار الإعلام التقليدي، وأصبح شهود العيان في غزة يبثون بالصوت والصورة، مما جعل من المستحيل التحكم بالسردية. وأدى ذلك إلى كشف الازدواجية الغربية في التعامل مع الاحتلال، مما عزز القناعة العالمية بأن الكيان الإسرائيلي دولة فوق القانون.
وتزامناً مع ذلك، تنامت حركات المقاطعة والاحتجاجات الطلابية في الجامعات العالمية، وتصاعدت الأصوات ضد الاحتلال من داخل المجتمعات الغربية. وفي مناطق مثل أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، أدت الحساسية التاريخية من الاستعمار والتمييز العنصري، والربط المتزايد بين سياسات سلطات الاحتلال ونظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) في جنوب أفريقيا، إلى فشل محاولات تلميع صورتها. وفي النهاية، يؤكد مراقبون أن فشل هذه الحملات يشير إلى فشل الدبلوماسية الإسرائيلية في تلميع ما لا يمكن تلميعه.