بعد عقود من المطالبات الفلسطينية شهد العالم في 21 سبتمبر 2025م ، اعتراف كلٌّ من بريطانيا وأستراليا وكندا الرسمي بدولة فلسطين مع توجه العديد من الدول الغربية للاعتراف بدولة فلسطين ، في ظل انتقادات واسعة حول مدى قدرة هذا الاعتراف على إحداث تغيير ملموس على الأرض، خصوصًا في ظل الواقع الذي تعيشه فلسطين من إبادة جماعية يرتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلي في غزة ، واحتلال شبه تام للضفة مع توجهات لضمها إلى السيادة ” الاسرائيلية ” .
فالاعتراف لن يوقف الإبادة الجماعية الجارية في غزة، ولن يمنع “إسرائيل ” من استكمال ضم الضفة الغربية الى السيادة “الإسرائيلية ” وهو ما تأكده تصريحات المسؤولين في كيان الاحتلال الاسرائيلي ومنهم ما يسمى بوزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير الذي دعا في تصريح له إلى الرد على هذا الاعتراف باتخاذ خطوات فورية مضادة بينها فرض السيادة “الإسرائيلية” على ما اسماه ( يهودا والسامرة) الضفة المحتلة ،وتفكيك السلطة الفلسطينية” .. مشددا على أنه اعتزم تقديم اقتراح لفرض السيادة خلال اجتماع الحكومة القريب .
أما رئيس وزراء كيان الاحتلال الاسرائيلي بنيامين نتنياهو فاعتبر الدعوات لإقامة دولة فلسطينية تهديد لوجود الكيان الاسرائيلي .. مشددا على أن “إسرائيل” مستمرة بديناميكية قوية في المعركة لتحقيق الحسم النهائي والقضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإعادة جميع الأسرى المحتجزين في غزة وفق تعبيره .
كل هذه التصريحات تُظهر بوضوح أن الاحتلال الاسرائيلي لا يقيم وزناً لهذا الاعتراف ، وهو ماض في إبادة الشعب الفلسطيني في غزة ، وفرض سيادة “إسرائيل ” على الضفة الغربية ، في ظل عدم وجود آلية تنفيذية من الدول المعترفة بفلسطين للضغط وفرض هذه الدولة ، حتى وأن كانت هذه الدولة لا تمتلك أي من مقومات السيادة .
مشروع “إسرائيل” لضم الضفة الغربية
الحقيقة ان هذا الاعتراف لن يغير في الواقع شيء فـ “إسرائيل ” ماضية في فرض سيادتها على الضفة الغربية، متجاوزة أي حدود مؤقتة أو اتفاقيات سابقة ، وفي يوليو 2025، أقر الكنيست “الإسرائيلي” قرارًا يدعم ضم الضفة الغربية، ما يعكس التوجه الرسمي نحو تنفيذ هذا المشروع .
إضافة إلى ذلك تشهد الضفة الغربية زيادة ملحوظة في بناء المستوطنات “الإسرائيلية” ففي عام 2024، تم التقدم بـ28,872 خطة ومناقصة لبناء وحدات سكنية جديدة، مع 18,988 وحدة في القدس الشرقية و9,884 وحدة في باقي الضفة الغربية. هذا يمثل زيادة بنسبة 250% مقارنة بعام 2018 .
وفي يوليو 2025 ، أيد مايسمى بـ “الكنيست الإسرائيلي” مقترحا يقضي بضم اضفة الغربية وذلك بأغلبية 71 نائبا من إجمالي 120، مع البدء بتنفيذ خطوات عملية لفرض السيادة على الضفة الغربية، بما في ذلك إقامة 22 مستوطنة جديدة في منطقة إي واحد ، و13 تم شرعنتها ، من البؤر الاستيطانية السابقة ، مع توسيع شبكة الطرق الاستيطانية لربط المستوطنات ببعضها البعض وبـ “إسرائيل” وفرض قيود صارمة على الفلسطينيين، بما في ذلك هدم المنازل، وفرض حظر التجول، والإعتقالات الجماعية .
وقبل يوم من اعتراف بريطانيا وكندا واستراليا بالدولة الفلسطينية فرضت قوات الاحتلال الإسرائيلي على أهالي بلدات “بيت إكسا” و”النبي صموئيل” و”حي الخلايلة”، شمال غرب القدس المحتلة، الحصول على تصاريح لدخولها، واعتبرت الدخول الى هذه القرى دخولاً إلى “إسرائيل “.
والحقيقة أن “إسرائيل “تتخذ خطوات عملية لفرض سيادتها على الضفة الغربية، مما يجعل الحديث عن قيام دولة فلسطينية مجرد ، كلام لا يمت الى الواقع بأي صلة ،خصوصاً مع إستمرار “إسرائيل” في إرتكاب المجازر في غزة ، ومحاولات التهجير القسري لسكانها ، والتوجهات إلى إحتلال غزة .
ما الذي تبقى من دولة فلسطين للاعتراف بها؟
رغم الاعتراف الرمزي لبعض الدول الغربية بدولة فلسطين، فإن الواقع على الأرض يشير إلى أن فلسطين فقدت معظم عناصر الدولة الفعلية ، ويمكن القول أن ما تعترف به الدول الغربية ليس دولة قائمة بذاتها، بل كيان رمزي يفتقر للسيادة الفعلية، في حين تستمر “إسرائيل” في فرض سيطرتها بالقوة على الأرض الفلسطينية .
بيع الوهم للفلسطينيين والدعم لـ “إسرائيل”
رغم إعلان بريطانيا وأستراليا وكندا وغيرها من الدول الغربية الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلا أن الواقع يكشف عن مفارقة صارخة : بعض هذه الدول ومعها عدد من القوى الغربية، تواصل تقديم الدعم العسكري واللوجستي والسياسي لـ “إسرائيل” ما يعزز قدرتها على مواصلة الإبادة الجماعية في غزة ، واستكمال الضم للضفة ، وفي مقدمة هذه الدول “بريطانيا” ، وهو ما يفقد هذه الدول مصداقيتها ، وحقيقة انها تريد تقديم أي دعم ملموس للشعب الفلسطيني .
ووفق التقارير فانه منذ بداية عام 2025، استمرّت المملكة المتحدة في توريد الأسلحة إلى “إسرائيل” رغم تعليق بعض تراخيص التصدير في سبتمبر 2024 ، وتعتبر المملكة المتحدة شريكاً رئيسياً في برنامج الاف 35 ، حيث تنتج المملكة المتحدة مكونات الطائرات التي تستخدم في إبادة الشعب الفلسطيني ، وتصديرها الى “إسرائيل ” عن طريق برنامج المخزون العالمي الذي تديره وزارة الدفاع الامريكية .
هل اعتراف بريطانيا بفلسطين يعفيها من مسؤوليتها التاريخية
ومع ان بريطانيا اعترفت اليوم بفلسطين فإن هذا الاعتراف الرمزي لا يمحو أو يقلل من مسؤوليتها التاريخية تجاه الشعب الفلسطيني ، فالبريطانيون لعبوا دورًا محوريًا في تمكين المشروع الصهيوني في فلسطين ، وخلال الانتداب البريطاني (1917–1948)، أصدرت المملكة المتحدة وعد بلفور الشهير الذي دعم إنشاء “وطن قومي لليهود” في فلسطين، دون مراعاة حقوق الشعب الفلسطيني الأصلي ، هذا الوعد كان حجر الأساس لما سمي لاحقًا قيام دولة “إسرائيل ” ، وول الاحتلال البريطاني لفلسطين، لما وجدت “إسرائيل” ولما فقد الفلسطينيون أراضيهم وحقوقهم الوطنية .
الاعتراف البريطاني الحالي بدولة فلسطين خطوة رمزية لا تعوض التاريخ ولا تعيد الحقوق المسلوبة ، و”بريطانيا” التي تعد أحد أذرع الصهيونية ومؤسِّس مشروع “إسرائيل الكبرى”، ما زالت تحمل جزءًا من المسؤولية عن المعاناة المستمرة للشعب الفلسطيني وعن الانتهاكات المستمرة في الأراضي المحتلة .