المصدر الأول لاخبار اليمن

مؤامرة جديدة تستهدف البحر الأحمر.. مؤتمر الرياض يُشرّعن الوكالة وينتهك السيادة

الرياض | وكالة الصحافة اليمنية

 

تجاوز ما يسمى بمؤتمر “شراكة الأمن البحري اليمني (YMSP)”، الذي استضافته الرياض بالشراكة مع حكومة عدن التي أنشأها التحالف كونه مجرد اجتماع لتعزيز مزاعم “الأمن البحري”؛ فالتحركات لا يمكن فصلها عن التوترات الإقليمية الحالية، ولا سيما موقف سلطات صنعاء الداعم للمقاومة الفلسطينية. هذا المؤتمر، بمخرجاته المعلنة وغير المعلنة، يكشف عن مؤامرة جديدة لتقويض سيطرة صنعاء على السواحل اليمنية والضغط عليها للتراجع عن عملياتها العسكرية التي تستهدف سفن الاحتلال الإسرائيلي في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

 

ما وراء الواجهة المعلنة؟

في سياق متصل، لم تعد العلاقة بين سلطات الاحتلال الإسرائيلي والمملكة العربية السعودية مجرد همس في الأروقة الدبلوماسية، بل باتت واقعًا مكشوفًا يفرض نفسه في مسار المنطقة. فبرغم غياب العلاقات الرسمية، استمر التعاون بين الجانبين في الظل لسنوات طويلة، قبل أن يظهر إلى العلن بشكل أكثر وضوحًا في نوفمبر 2020، حين التقى رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على متن يخت في البحر الأحمر.

وأوردت صحيفة تايم أوف إسرائيل تقريرًا كشفت فيه جزءً من الدور المحوري لجهاز الموساد في هذه اللقاءات، حيث قدم غطاءً لوجستيًا وسياسيًا لحكومتين لم تعلنا عن علاقاتهما بعد. لم تكن هذه المبادرات مجرد لقاءات رمزية، بل جسدت تحولًا استراتيجيًا، إذ أدرك الطرفان وجود “مصالح مشتركة”، أبرزها مزاعم “احتواء النفوذ الإيراني”، ومواجهة “الشبكات المتطرفة”، فضلًا عن بناء مراكز نفوذ تكنولوجي في المنطقة، علاوة على الدعم السعودي للاحتلال الإسرائيلي في الحرب الإجرامية المستمرة على قطاع غزة، وآخرها فضيحة السفينة السعودية المحملة بالأسلحة للاحتلال.

ومن هذا المنطلق، يُمثل المؤتمر، في جوهره، أداة سياسية وعسكرية تستهدف محاصرة صنعاء وتقويض نفوذها، في محاولة لثنيها عن موقفها الداعم للمقاومة. إلا أن الهدف المعلن للمؤتمر، كما نشرته حكومة عدن، يتمثل في تعزيز مزاعم “الأمن البحري ومكافحة التهريب والقرصنة والاتجار بالبشر”.

ورغم أهمية هذه الأهداف كذرائع، يشير السياق الراهن إلى أبعاد أعمق؛ إذ يسعى المؤتمر إلى خلق كيان دولي يُسمى “الأمانة العامة المشتركة لأمن الملاحة البحرية” يتم فرضه بالقوة الدولية كبديل عن اليمن في إدارة المياه الإقليمية، وبما يمنح الرياض وشركاءها غطاءً قانونيًا للتحكم في الملاحة البحرية قبالة السواحل اليمنية، والحد من نفوذ صنعاء في بسط السيادة اليمنية على المياه الإقليمية اليمنية.

 

أبعاد ورسائل خفية

لا يمكن النظر إلى المؤتمر على أنه مجرد فعالية روتينية لمكافحة التهريب والقرصنة، بل هو خطوة استراتيجية متعددة الأهداف في ظل التصعيد الأمني في البحر الأحمر وخليج عدن، يمكن تلخيص أهدافه الخفية في النقاط التالية:

إضفاء الشرعية الدولية: يمثل المؤتمر محاولة من الرياض وواشنطن وشركائهما لإضفاء شرعية دولية على تحركاتهم ضد سلطات صنعاء في المياه الإقليمية اليمنية، بعد فشل التحالفين “الأميركي البريطاني” و”الأوروبي” في إيقاف عمليات صنعاء في البحر؛ فمن خلال حشد أكثر من 40 دولة، يتم تقديم قضية “الأمن البحري” كمسالة أمن دولي مشتركة، ولكن في الواقع، يهدف ذلك إلى تفعيل صراع محلي ودعم حكومة عدن كوكيل ينوب عن المجتمع الدولي في مواجهة عسكرية مخطط لها مع سلطات صنعاء.

بناء قوة بحرية منافسة: يهدف الدعم المالي واللوجستي لخفر السواحل التابع لحكومة عدن الموالية للتحالف إلى بناء قوة عسكرية وأمنية بحرية موالية للرياض وليس لحماية اليمن. هذه القوة، بالدعم والتدريب الدولي، يمكن أن تعمل كذراع بحري لمواجهة عمليات سلطات صنعاء في البحر الأحمر، وتكون قادرة على تنفيذ مهام المراقبة والاعتراض.

تحويل مسار المواجهة: يسعى المؤتمر إلى تحويل مسار المواجهة من مواجهة مباشرة بين سلطات صنعاء والتحالفات الدولية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي إلى مواجهة داخلية يمنية بين سلطة تدعم المقاومة الفلسطينية وأخرى تخدم الاحتلال ووكلائه.

نزع الغطاء السياسي: من خلال ربط عمليات سلطات صنعاء في البحر الأحمر بالقرصنة والتهريب والتهديد للملاحة الدولية، يهدف المؤتمر إلى نزع أي غطاء سياسي أو أخلاقي عن هذا الموقف، وعزله عن سياقه المرتبط بدعم المقاومة في غزة.

 

وأدار وموقف

تُعد المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة المنظمين الرئيسيين للمؤتمر، وتؤكد هذه الشراكة على الدور المحوري الذي تلعبه لندن والرياض في إدارة الملف اليمني، حيث قدمت الرياض تعهدًا بقيمة أربعة ملايين دولار، في حين تلعب لندن دورًا فنيًا ولوجستيًا عبر تقديم الدعم والتدريب لخفر السواحل، فيما تُعد حكومة عدن الطرف المحلي والواجهة الوكيلة للمؤتمر، وهي التي ستتلقى الدعم المباشر، وتتحمل مسؤولية تنفيذ مهام “الأمانة العامة المشتركة” على الأرض.

في المقابل، كان موقف سلطات صنعاء من المؤتمر البحري في الرياض واضحًا وحاسمًا، حيث قرأته على أنه تصعيد جديد ومحاولة لتقويض سيطرتها على المياه الإقليمية اليمنية، واعتبرته “غطاءً سياسيًا” لتحركات عسكرية تهدف إلى حماية مصالح الكيان الإسرائيلي.

تؤكد مصادر مقربة من صنعاء أن الدعم المعلن لخفر السواحل التابع لحكومة عدن يهدف بشكل أساسي إلى إنشاء قوة موالية للرياض، تكون مهمتها الأساسية تعطيل عمليات صنعاء في البحر الأحمر وخليج عدن. وفي هذا السياق، صدرت تحذيرات مباشرة قيادات ومسؤولين في صنعاء تؤكد أن أي تحرك عسكري يخدم الكيان الإسرائيلي سيجعل الرياض هدفًا مباشرًا للرد، ولعل أبرزها موقف قائد أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي الخميس الماضي.

وشددت سلطات صنعاء أن التهديد الحقيقي للملاحة الدولية ليس من عملياتها المساندة لشعب يتعرض للإبادة، وإنما من العدوان المتواصل على قطاع غزة، وأن الأهداف المعلنة للمؤتمر مجرد ذرائع. كما أكدت بشكل مباشر على استمرار عملياتها في البحر الأحمر وخليج عدن وفي العمق الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، معتبرة أن أي محاولة لتقويض هذه العمليات بمثابة تصعيد يُقابل بتصعيد، ما يعني أن المؤتمر ونتائجه لن يغيرا من استراتيجيتها، بل على العكس، يرسخ قناعتها بضرورة استمرار وتوسيع نطاق عملياتها.

 

تداعيات وتحديات مستقبلية

من المتوقع أن يواجه هذا المسعى تحديات كبيرة، لا سّيما وأن نفوذ حكومة عدن يظل محدودًا على الأرض، وتحديدًا في المناطق الساحلية الاستراتيجية التي تسيطر عليها سلطات صنعاء أو تمتد يدها إليها، مما يجعل قدرة حكومة عدن على فرض “الأمانة العامة” على المياه الإقليمية أمرًا صعبًا دون مواجهة مباشرة. وقد يؤدي هذا التنسيق بين حكومة عدن والتحالف الدولي إلى تصعيد عسكري جديد في المياه الإقليمية، إذا ما حاول الطرفان فرض سيطرتهما على الملاحة بالقوة، مما يهدد بزعزعة استقرار المنطقة أكثر.

قد يعجبك ايضا