كيف تحوّلت البوصلة في الداخل الإسرائيلي من نقاشات “اليوم التالي لغزة” إلى حسابات “اليوم التالي لنتنياهو”؟
غزة | وكالة الصحافة اليمنية
تعيش الأوساط الأمنية والسياسية والإعلامية في الكيان الإسرائيلي حالة من الانقسام والقلق العميق، لا يقتصر تأثيرها على مسار العدوان في قطاع غزة فحسب، وإنما يمتد ليشمل مستقبل القيادة و”مفهوم الأمن” التقليدي للكيان. وتتزايد المؤشرات على أن الحديث انتقل من “اليوم التالي للحرب” إلى “اليوم التالي لرئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو”، وفقاً لصحيفة “هآرتس”، في انعكاس لتأثير الضربة الاستراتيجية التي تلقتها سلطات الاحتلال بعد السابع من أكتوبر 2023.
الأمن المأزوم في غلاف غزة
تُبرز التطورات الأمنية والداخلية مدى تآكل الثقة في قدرة جيش الاحتلال على ضمان أمن المستوطنين حتى في المنطقة المحيطة بقطاع غزة. ففي نقاش أمني، كشفت صحيفة “يسرائيل هيوم” على لسان آفي برئيلي، عن رفض “جيش الاحتلال الإسرائيلي” لمقترح “جهاز الشاباك” حول نقل عناصر المليشيات المدعومة في غزة إلى معسكرات مغلقة في غلاف القطاع بعد انتهاء الحرب. وجاء تبرير قائد المنطقة الجنوبية للاعتراض بأن الخطر الذي من الممكن أن تشكله هذه العناصر على المستوطنين أكبر من مفهوم التعهد بحمايتهم، خاصة بعد رصد جهاز الاستخبارات “أمان” دلائل تشير إلى هروب عدد منهم، في أعقاب وعود بعفو من “حركة حماس”. هذا التحذير الصادر عن قيادات أمنية عليا يؤكد أن الإخفاق الأمني يمثل تحدياً هيكلياً طويل الأمد يهدد بعمق مفهوم الردع والأمن الداخلي.
كما تعزز حالة التوتر تلك، الواقع الميداني الذي دفع إلى إغلاق محطة قطار سديروت منذ مايو 2023 لأسباب أمنية، وتأخر إعادة فتحها بعد تعرضها لأضرار صاروخية خلال هجوم “حركة حماس “، وفق ما ذكرته “عبري لايف”.
مسار تفاوض بالغ الصعوبة
في المسار السياسي، تظهر التناقضات بين أطراف التفاوض مدى صلابة الموقف الفلسطيني في مقابل محاولات سلطات الاحتلال للالتفاف على متطلبات “حركة حماس “. فقد أفادت “القناة 14 العبرية” بأن “حركة حماس ” تصر على انسحاب إسرائيلي كامل وعلى ضمانات دولية، في الوقت الذي يكتفي فيه وفد سلطات الاحتلال “التقني” بعرض “خطة ترامب لوقف الحرب على غزة كأساس للمفاوضات”.
وكشفت المصادر “الأمنية الإسرائيلية” أن الكيان مستعد لانسحاب تكتيكي من 70% من قطاع غزة، وليس لانسحاب كامل كما تطلب “حركة حماس “. ورغم هذا التباين الجوهري، نقلت صحيفة “هآرتس” لأول مرة تفاؤل المنظومة الأمنية بالتوصل إلى اتفاق في غزة، وهو ما قد يشير إلى ضغوط داخلية وخارجية تدفع نحو التسوية.
وفي سياق هذه المفاوضات، كشف المحلل العسكري أمير بوحبوط عبر “عبري لايف” أن مشاركة رئيس المخابرات التركية في المحادثات تمثل مرحلة جديدة في التدخل التركي في الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن هذه الخطوة “تتم بموافقة، ودفع، وضغط من ترامب”. كما أشارت “القناة 12 العبرية” نقلاً عن الإعلام المصري، إلى أن “حركة حماس ” وضعت الأسير الفتحاوي مروان البرغوثي على رأس قائمة الأولويات للإفراج عنه، وهو ما يظهر البعد الاستراتيجي للمطالب الفلسطينية التي تتجاوز حدود القطاع.
تداعيات الإخفاق و”اليوم التالي لنتنياهو”
أفرزت وقائع الحرب تياراً داخلياً يركز على تداعياتها على المشهد السياسي في الكيان. فبدلاً من النقاش حول “اليوم التالي في غزة”، يتناول الخبراء “اليوم التالي لنتنياهو”، تحت هذا العنوان أفردت صحيفة هآرتس مساحة واسعة لمقال بقلم إيلانا هيمرمان.
وينقل المقال نقاشاً بين “كبار الخبراء” في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية كان مركزاً حول “كيف يعيدون إعمار “دولة” بعد أن قام النظام بزرع الدمار في كل زاوية جيدة فيها؟”، بدلاً من مناقشة “اليوم التالي لقناع الفظائع في غزة”.
ويشير التقرير إلى أن الخبراء يستعدون “لإعادة ترميم سلطة القانون في إسرائيل” وتفاصيل التعيينات الإشكالية، متجاهلين بشكل كبير ما وصفته الكاتبة “بجريمة الإبادة الجماعية” التي ترتكبها دولة الكيان، وما يحدث في الضفة الغربية من “مذابح ارتكبها يهود برعاية جيش اليهود، والطرد الجماعي للسكان”.
وتلخص الكاتبة هذا التناقض الحاد بالإشارة إلى أن الخبراء والمدنيين “يُعرفون كل يوم من جديد الصمت في إسرائيل على خلفية ما يحدث في غزة”، وأن السؤال المطروح هو: “ماذا سيفعلون مع حقيقة أنه توجد الآن مجموعات في المجتمع مثل الحريديم القوميين، غير الملتزمين بقيم وثيقة الاستقلال؟”.
وفي هذا الصدد، تشير الكاتبة إلى أن الإخفاق الأكبر يكمن في صرف الانتباه عن القضية الجوهرية، وهي أن “دولة إسرائيل اليهودية كما هي، لا يوجد لها ترميم آخر”، وأن الموضوع الذي سيقف على أجندة “اليوم التالي” هو “أن تقوم دولة مختلفة”.
تحديثات ميدانية
على الصعيد العسكري، تتكشف بين الحين والآخر تفاصيل تشير إلى قوة ما تمتلكه “حركة حماس “، حيث كشفت “عبري لايف – إذاعة الجيش” عن تفاصيل شحنة أسلحة ضُبطت احتوت على أسلحة “مُخلّة بالتوازن”، شملت: 15 صاروخاً مضاداً للدبابات + قاذف RPG، و4 طائرات مسيرة (منها 2 طائرات مسيرة انتحارية)، و29 عبوة، إلى جانب كميات كبيرة من القنابل اليدوية والمسدسات والرشاشات. هذه التفاصيل تعكس استمرار تدفق القدرات النوعية التي تُمكّن “حركة حماس ” من الحفاظ على قدرة قتالية عالية.
وفي المقابل، أعلنت “عبري لايف” عن أن قائد القيادة الجنوبية، اللواء يانيف أسور، وقائد القوات البرية، اللواء نداد لوتان، أمرا بإنشاء لجنة خبراء لفحص انفجار قنبلة يدوية عرضي وقع في جنوب قطاع غزة وأدى إلى إصابة ثلاثة من جنود الاحتياط، منهم اثنان بجروح خطيرة. هذه الحوادث العرضية تشير إلى مستوى التوتر والإرهاق الذي يعاني منه أفراد “جيش الاحتلال الإسرائيلي” في الميدان.
ما يحدث في الداخل الإسرائيلي يمثل إدراكاً متزايداً بأن الهزيمة لا تُقاس فقط بمدى تحقيق الأهداف العسكرية المعلنة، بل بمدى تآكل الركائز الأمنية والأخلاقية والسياسية للكيان. وبينما يتفاوض الاحتلال على انسحاب تكتيكي محدود، تتركز النقاشات الداخلية حول انهيار منظومة السيطرة والبحث عن حلول لإعادة ترميم “سلطة الاحتلال” في كيان يواجه أزمة وجودية عميقة، الأمر الذي يؤكد أن تأثير “حركة حماس ” قد تجاوز حدود القطاع ليضرب في الصميم البنية الداخلية لسلطات الاحتلال.
الحديث اليوم عن "اليوم التالي" لنتنياهو وحكومه واليمين بأكمله…
أما غزة فيومها التالي قرره الغزيون "اليوم" بالصوت والصورة مباشرة على الهواء أمام أعين العالم…
غزة ورغم الابادة مرفوعة الرأس، ومجرمو الحرب يكفكون دموعهم مطأطأي الرؤوس…
سبحان الله والحمد لله— د. ابراهيم حمامي (@DrHamami) January 19, 2025