المصدر الأول لاخبار اليمن

فول الصويا.. السلاح الصيني الصامت كيف يضرب العمق الاقتصادي الأمريكي؟

بكين. واشنطن | وكالة الصحافة اليمنية

 

كشفت تقارير اقتصادية عالمية عن نقطة توتر غير مسبوقة ضمن مسار الخلافات التجارية المتصاعدة بين واشنطن وبكين، لم تأتِ الضربة الصينية هذه المرة من قطاع التكنولوجيا الفائقة أو أسواق المعادن الحيوية، بل من قلب المزارع الأمريكية. حيث تحوّل محصول فول الصويا، الذي كان يمثل شريانًا حيويًا لغالبية المزارعين، إلى “رصاصة اقتصادية” موجهة نحو القطاع الزراعي في الولايات المتحدة، بحسب تحليل أوردته صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية. هذه الحرب الجديدة تُخاض بسلاح زراعي، إذ تستخدم بكين الحبوب كورقة ضغط في مواجهة الرسوم الجمركية، مما يثير تساؤلات حول حجم الأزمة التي يواجهها المزارع الأمريكي اليوم، وما إذا كانت سلطات بكين قد حسمت هذه الجولة بدهاء استراتيجي.

 

فول الصويا.. عصب الاقتصاد والورقة الأقوى

ووفقاً ما ذكرت وكالة “بلومبرغ” الإخبارية، يُعدّ فول الصويا وقودًا خفيًا يدير جزءًا ضخمًا من الاقتصاد العالمي، لكونه مصدرًا أساسيًا لزيت الطهي ودقيق الأعلاف الذي يغذي قطاعًا هائلاً من الماشية والدواجن في الصين، بالإضافة إلى دخوله في صناعات الوقود الحيوي ومنتجات صناعية أخرى. على مدى عقدين، كان المزارع الأمريكي هو المورد الأول لهذا “الذهب النباتي” إلى الصين. وقد وصل اعتماد واشنطن على المشترين الصينيين إلى نحو 60% من صادراتها من فول الصويا، مسجلاً مبيعات تجاوزت 12 مليار دولار في عام واحد، مما جعله شريان حياة حيويًا للمزارعين في ولايات الوسط الأمريكي الغربي.

 

قرار المقاطعة.. زلزال في العمق الأمريكي

في تطور مفاجئ، أكدت “شبكة رؤية الإخبارية” أن المشهد انقلب رأساً على عقب مع تصاعد التوترات التجارية. فبينما كان المزارعون يستعدون لموسم الحصاد، أوقفت الصين استيراد أي شحنات من المحصول الأمريكي هذا الموسم. هذا القرار، الذي يبدو بسيطًا في ظاهره، تحوّل إلى زلزال اقتصادي في عمق الريف الأمريكي، حيث توقفت الطلبات فجأة، وانهارت الأسعار في الأسواق المحلية، ووجدت قاعدة انتخابية رئيسية في الولايات المتحدة نفسها أمام موسم “بلا مشتر”، وهو ما يهدد بـ “خسائر مالية كبيرة” للمزارعين، خصوصًا في ظل تراجع أسعار الحبوب.

 

استراتيجية بكين الذكية

جاءت هذه الخطوة كـ “رد استراتيجي ذكي” من بكين على تصعيد الخلافات التجارية من واشنطن، والتي تضمنت رسومًا جمركية وقيودًا تكنولوجية. وبدلاً من اللجوء إلى الصدام المباشر، لجأت سلطات بكين إلى سلاح المقاطعة، حيث توقفت ببساطة عن الشراء واتجهت لتعزيز علاقاتها التجارية في الجنوب، وتحديداً نحو البرازيل والأرجنتين، لضمان تزويد مصانعها بالأعلاف والزيوت. وفي هذا السياق، أبرمت الصين عقوداً لشراء نحو 1.3 مليون طن من فول الصويا الأرجنتيني مؤخرًا، وهو ما يمثل ضربة جديدة للمزارعين الأمريكيين الذين يخسرون مليارات الدولارات من المبيعات، بحسب تقارير لـ “CNN الاقتصادية” و”رويترز”.

وتفيد “الرابطة الأمريكية لفول الصويا” أن الولايات المتحدة خسرت سوقًا تقدر قيمته بأكثر من 12 مليار دولار سنويًا، وهي ضربة موجعة لا تقتصر على الأرقام المالية فحسب، بل تمس بشكل مباشر المزارعين في ولايات الغرب الأوسط، الذين يعانون من انخفاض الأسعار بنحو 40% وارتفاع تكاليف الإنتاج والديون.

وفي محاولة لاحتواء الغضب المتزايد في أوساط المزارعين، أكدت “شبكة رؤية الإخبارية” أن الإدارة الأمريكية استخدام عائدات الرسوم الجمركية لتقديم مساعدات مالية طارئة للقطاع الزراعي، رغم أن صرف هذه المساعدات قد يتأخر.

بهذه المقاطعة، لم تطلق سلطات بكين رصاصة واحدة، لكنها أطلقت صدمة اقتصادية من الحقول الأمريكية نفسها، مستهدفة أضعف نقطة ممكنة، وهي قلب الولايات الزراعية التي تمثل قاعدة دعم سياسي مهمة، مُرسلة رسالة سياسية حاسمة مفادها: “من يفرض الرسوم عليه أن يتحمل العواقب”. وتُظهر هذه الخطوة أن الحروب الاقتصادية في زمن تبدل موازين القوى، لا تُخاض بالبنادق وإنما بالسيطرة على الموارد الحيوية مثل فول الصويا.

 

قد يعجبك ايضا