تأتي التحولات العسكرية والسياسية المتسارعة التي شهدتها محافظات اليمن الجنوبية والشرقية الواقعة على بحر العرب، في إطار تهيئة ميدانية لمواجهة جديدة مع قوات صنعاء، تشارك في رسمها أطراف إقليمية ودولية، على رأسها الإمارات بالتعاون مع واشنطن والكيان الصهيوني بصورة منفردة ومباشرة.
و لا يبدو أن الانسحابات المتوالية مؤخرا لقوات “درع الوطن” الموالية للسعودية من مواقعها في المهرة وعدن ولحج وأبين صوب حضرموت النفطية، وتسليم مواقعها في المهرة للفصائل الإماراتية، مجرد إعادة انتشار عسكري اعتيادية، بل تقرأ في سياق أوسع لبناء جبهة موحدة تحت القيادة الإماراتية، خالية من أي نفوذ للقوات السعودية.
حيث سبق ذلك تسليم معسكرات ومخازن الأسلحة في “المنطقة العسكرية الأولى” التابعة للإصلاح بوادي حضرموت، للفصائل الموالية للإمارات عقب وصولها من عدن والضالع ولحج وأبين، الأسبوع الماضي، وإخلائها من أي تواجد عسكري أو أمني موال للإصلاح في خطوة تهدف لضمان سيطرة إماراتية متكاملة على تلك المناطق.
وفي هذا الخصوص، لم تخف الدوائر الإسرائيلية إعجابها بفصائل الانتقالي التابعة للإمارات، حيث أشاد الخبير الإسرائيلي “آفي أفيدان” السبت الماضي، بالسيطرة على “أكبر احتياطيات اليمن النفطية” في حضرموت، معتبرا إياها “نجاحات عسكرية بارعة” بهدف التفوق على القوات اليمنية في صنعاء، عن طريق “استراتيجية الكماشة التي اتبعتها الإمارات مع إسرائيل”، بدء من أرخبيل سقطرى وعدن وصولًا إلى مساحة حضرموت الواسعة، على حد تعبيره.
كما وصف “أفيدان” “المجلس الانتقالي” بـ”التحالف الطموح”، لا سيما مع العروض التي يقدمها رئيس المجلس “عيدروس الزبيدي” باستمرار للتطبيع مع الكيان الصهيوني مقابل دعم مشروع انفصال اليمن، بدعم وتمويل من أبوظبي، وترحيب “الزبيدي”، المسبق خلال 2020م بفتح سفارة “إسرائيلية” في عدن، واستعداده مع “طارق عفاش”، قائد الفصائل الممولة من الإمارات المتواجدة في المخا القريبة من باب المندب على تأمين الملاحة البحرية، في الوقت التي كانت قوات صنعاء تشن عمليات عسكرية تستهدف السفن المرتبطة بإسرائيل والمتجهة إلى الموانئ الفلسطينية المحتلة في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب، دعما لغزة.
وخلقت عروض القياديين الموالين للإمارات “الزبيدي”، و”عفاش”، حافزا إسرائيليا وأمريكيا خلال السنتين الماضيتين للتخطيط لاستخدام القوات التابعة للإمارات لفتح جبهة حرب جديدة محتملة على صنعاء، حيث يبدو أن الفصائل التابعة للإمارات أصبحت محل رهان أمريكي ـ إسرائيلي ـ بريطاني كأداة رئيسية في أي مواجهة قادمة مع صنعاء، وهو ما أكده “عفاش” في تعليق له حول سيطرة فصائل الانتقالي على معسكرات المنطقة الأولى بحضرموت ومحور الغيضة بالمهرة شرقي اليمن بأنها “إعادة لترتيب مسرح العمليات”، وذلك بعد يوم واحد من هجوم شنه ضد حزب الإصلاح متهما إياه بمحاولة التخلص من حزب المؤتمر ومن أسرة “عفاش”.
ولهذا السبب، لا تزال الإمارات تعيد ترتيب ورسم المشهد العسكري والسياسي في محافظات اليمن الجنوبية والشرقية بغرض تحويلها إلى مسرح للعمليات المتقدمة في حرب ترسمها واشنطن وتديرها وتنفذها أبوظبي عن طريق أدواتها المحلية، وبدعم وتمويل من الثروات اليمنية التي تنهبها الإمارات، بما يخدم الأجندة الأمنية الإسرائيلية، خصوصا بعد الاستحداثات والتحركات العسكرية الإماراتية الإسرائيلية الأمريكية المشتركة في جزيرة زقر، وما سبقها في ميون بالبحر الأحمر وباب المندب، وجزر أرخبيل سقطرى التي تم تحويلها منذ 2020م، إلى قواعد عسكرية ومراكز استخباراتية مشتركة بين الإمارات وإسرائيل.
بينما تظهر السعودية، التي قادت التحالف العسكري للحرب على اليمن منذ مارس 2015، بدور العاجز جراء فقدان جزء كبير من نفوذها الذي تآكل في المحافظات الشرقية لليمن، لا سيما في حضرموت، التي تحشد فصائلها إليها باعتبارها العمق الاستراتيجي لها، مع استمرارها في تنفيذ مناورات سياسية مع صنعاء عبر الوسيط العماني تحت عناوين السلام في اليمن، بينما تحركاتها الميدانية مع أمريكا وبريطانيا واضحة للعيان من خلال شراء صفقات الأسلحة الموجهة ضد الشعب اليمني.
وهكذا، يبدو المشهد السياسي والعسكري في جنوب وشرق اليمن، يسير وفق استراتيجية بناء قوة موحدة تخدم الأجندات والمصالح الامريكية البريطانية الإسرائيلية، وتأمينها بواسطة الإمارات، وفق ما يراه الخبير الإسرائيلي “أفيدان”، للتخفيف من العبء الأمني الذي يقع على الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لا سيما فيما يخص الملاحة البحرية، على حساب السيادة اليمنية واستقرار المنطقة.