بعد 77 عامًا.. صنعاء تُعيد تعريف مناسبة حقوق الإنسان في يومه العالمي
صنعاء | وكالة الحصافة الصحافة اليمنية
في مشهد يختلف كلياً عن الطابع الاحتفالي الذي يرافق عادةً فعاليات اليوم العالمي لحقوق الإنسان حول العالم، اختارت صنعاء إحياء الذكرى السابعة والسبعين للحدث العالمي عبر فعالية خطابية حملت طابعاً نقدياً صريحاً للمنظومة الدولية ولسجل الدول الكبرى في المنطقة العربية.
الفعالية التي نظمتها وزارة العدل وحقوق الإنسان جاءت، وفق منظميها، باعتبار هذا اليوم “محطة للمساءلة لا للاحتفال”، ومناسبة لإبراز الوقائع التي عاشها اليمن والمنطقة العربية والإسلامية خلال العقود الماضية، حيث على تباينٌ واضح بين النصوص الحقوقية المثالية، والواقع الدموي على الأرض.
سياق مختلف.. احتفال يحوّل المناسبة إلى محاكمة عالمية
قدّمت صنعاء نفسها عبر هذه الفعالية نموذجاً مغايراً لطريقة إحياء اليوم العالمي لحقوق الإنسان، حيث ركزت على ما سمّته “أكبر الفجوات بين المبادئ والواقع”، مستعرضةً شواهد من اليمن وفلسطين ولبنان وسوريا، حيث تتعرض شعوب المنطقة وفق المتحدثين، لأبشع الانتهاكات على يد من يفترض أنهم حرّاس القيم الحقوقية.
وأكد القائم بأعمال رئيس الوزراء في حكومة صنعاء، محمد مفتاح، أن المنظومة الدولية “تروّج لمعاهدات لا تلتزم بها”، وأن من يقف وراء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “هو ذاته من يمارس انتهاكات واسعة النطاق في المنطقة”، في إشارة إلى الدول الغربية والاحتلال الإسرائيلي.
وربط مفتاح بين العام 1948 الذي صدر فيه الإعلان، وبين الجريمة التاريخية التي شهدها العام ذاته والمتمثلة بـ”منح الشرعية الدولية لقيام الكيان الصهيوني على أرض الشعب الفلسطيني”، معتبراً ذلك “أول نقض دولي صريح لمفهوم الكرامة الإنسانية”.
اليمن أحد أكبر شواهد الانتهاكات
في كلمته، أعاد مفتاح التذكير بأن اليمن يعيش منذ أحد عشر عاماً تحت وطأة العدوان والحصار، وما رافقهما من جرائم استهدفت المدنيين والبنية المدنية، إضافة إلى قضية الأسرى التي وصفها بأنها “جرح مفتوح يتعمد المعتدون تعطيل حله”، مشيراً إلى التشابه بين أوضاع الأسرى اليمنيين في سجون التحالف، وأوضاع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
كما اعتبر أن الجرائم الإسرائيلية في غزة، المدعومة من القوى الغربية، تقدم “دليلاً إضافياً على سقوط الإعلان العالمي عملياً”، خصوصاً مع تشكّل أكبر جسر جوي وبحري لدعم الاحتلال بالسلاح.
إدانة لازدواجية المعايير
من جانبه، أوضح نائب وزير العدل وحقوق الإنسان القاضي إبراهيم الشامي، أن اليمن لم يُحيِي المناسبة بوصفها عيداً، بل “كوقفة لمساءلة العالم” عن صمته إزاء ما يتعرض له المدنيون منذ أكثر من عقد من الزمن.
وأشار إلى أن اليمن تحول إلى “مختبر لأسلحة محرمة دولياً” وإلى ساحة لانتهاكات ممنهجة دون مساءلة.
وقال الشامي إن النظام الدولي بات يعيش “أزمة مصداقية وجودية”، معتبراً أن الفعالية اليوم تأتي للتأكيد على أن صنعاء “تنحاز إلى الحق الإنساني أينما كان، وتقف مع فلسطين كل فلسطين، قولاً وموقفاً وانتماءً”.
بدوره، أكد رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان علي تيسير، أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “وُلِد في سياق استعماري”، حيث كانت الدول المصادقة عليه تمارس في الوقت ذاته احتلال الشعوب وانتهاك سيادتها.
وذكّر تيسير بأن العام 1948 شهد أيضاً “أكبر جريمة تاريخية” تمثلت بإقرار الأمم المتحدة لقيام الكيان الصهيوني على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.
أما رئيس مركز عين الإنسانية، أحمد أبو حمراء، فشدد على أن “المنظومة الحقوقية لم تتحرك للدفاع عن اليمنيين، وإنما فقط عندما يتعلق الأمر بضغط سياسي على خصوم الولايات المتحدة”، متسائلاً عن معنى الاحتفال بالإعلان العالمي بينما تُرتكب الإبادة في غزة علناً وبغطاء دولي.
صنعاء: نحو مفهوم جديد لحقوق الإنسان
أجمعت الكلمات على أن ما يجري اليوم في اليمن وفلسطين ولبنان وسوريا يكشف هشاشة النظام الدولي وفقدانه للحياد، داعيةً إلى إعادة صياغة قانون دولي جديد لحقوق الإنسان “بعيداً عن الهيمنة الأمريكية والأوروبية”، يقوم على مبادئ العدالة والمساواة وسيادة الشعوب.
واختتمت الفعالية برسالة مفادها أن صنعاء تسعى لتقديم مقاربة مختلفة لمفهوم حقوق الإنسان، تُعلي من الواقع والشواهد الميدانية على حساب الخطاب الاحتفالي، وتدعو إلى تحرك عالمي يضع حدّاً للجرائم المرتكبة بحق المدنيين، في اليمن وفلسطين وسائر المنطقة، ويعيد الاعتبار للقيم التي يفترض أن الإعلان العالمي جاء لحمايتها.