إمبراطوريات الفساد تحت غطاء الإنسانية: تغلغل أجهزة الاستخبارات في المنظمات الدولية
تقرير | وكالة الصحافة اليمنية
تشكل مناطق الحروب والأزمات الإنسانية في الشرق الأوسط، بيئة خصبة لتفشي الفساد، حيث يفتقر النظام الرقابي والمساءلة الفعالة، ويزداد الفساد داخل العمل الإنساني.
لطالما كانت ظاهرة الفساد داخل بعض المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ونظرة على الأحداث المشينة التي رافقت عمل المنظمات، تبرز فضائح برنامج النفط مقابل الغذاء في العراق خلال الفترة (1996-2003، حيث كشف التحقيق الذي قاده المحقق المستقل بول فولكر عام 2005 عن نظام معقد للعمولات والرشاوى من قبل النظام العراقي السابق لمسؤولين دوليين وشركات وجهات للتأثير على البرنامج. اتهم تحقيق الأمم المتحدة أكثر من 2200 شركة من مختلف الجنسيات بدفع رشاوى للعراق، كما شابت اتهامات بالفساد والمحسوبية بعض موظفي الأمم المتحدة أنفسهم.
إن الجانب الأكثر خطورة في عمل المنظمات هو الجانب المالي، فالمنظمات غير الربحية أو الجمعيات الخيرية تستخدم كواجهة شرعية لتمرير الأموال المشبوهة تحت غطاء التبرعات أو المساعدات الإنسانية، في ذات الإطار يتم عمل مشاريع إغاثية وهمية في مناطق الصراع لجمع لجمع التبرعات وتحويلها لأهداف غير مشروعة.
من جهة ثانية تلعب بعض المنظمات التي تعمل في مناطق النزاع الحساسة (مثل سوريا أو اليمن والعراق) دورًا في جمع معلومات استخباراتية دقيقة عن مواقع عسكرية أو تواجد جنود أو مقرات أمنية، أو تحركات سكانية، وحتى على مستوى البنية التحتية، وتقدمها للجهات الممولة لها، التي تستغل هذه المعلومات لصالح مخططاتها.
في نوفمبر الماضي، كشفت وزارة الداخلية في حكومة صنعاء عن تنفيذ عملية أمنية نوعية أطلقت عليها اسم “ومكر أولئك هو يبور”، أدّت إلى تفكيك شبكة تجسسية تعمل ضمن غرفة عمليات مشتركة تجمع الاستخبارات الأميركية (CIA) و”الموساد” الإسرائيلي والاستخبارات السعودية، وتتخذ من الأراضي السعودية مقرّاً لها.
وأوضحت الوزارة في بيان رسمي، أنّ العملية جرت على عدّة مراحل بعد رصد وتحريات دقيقة ومتابعة، حيث تسلمت هذه الخلايا أجهزة تجسس متطورة لتنفيذ مهام الرصد والتصوير ورفع الإحداثيات والمعلومات”،
كما قامت الخلايا التجسسية، بحسب ما أكد البيان، برصد مواقع البنية التحتية المدنية ومحاولة كشف أماكن التصنيع العسكري ومواقع إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة، التي تستهدف بها القوات المسلحة العدوّ الصهيونيّ، إلى جانب جمع معلومات عن قيادات مدنية وأمنية يمنية.
وكان رئيس وفد صنعاء المفاوض محمد عبد السلام قال في تصريح نُشر في يوليو 2019على حسابه بمنصة (اكس) إن منظماتٍ وجهاتٍ تعملُ مع أجهزة مخابرات دولية تبيع معلوماتها وبياناتها وإحداثياتها لدول العدوان تحت عنوان العمل الإنساني، مستخدمةً أسوأَ أنواع الخداع والتضليل، وعندما يتم تنبيهُها أن هذا خارجَ عملها الأساسي تدّعي مغالطاتٍ تخفي من خلالها جوهرَ المشكلة الحقيقية.
في فبراير 2022 كشفت وثيقة رسمية، فضيحة فساد جديدة لأهم منظمات الأمم المتحدة العاملة في اليمن، حيث تشير الوثيقة إلى تخصيص برنامج الغذاء العالمي لنحو مليون ونصف المليون دولار كموازنة على الاتصالات فقط خلال العام 2021.
والوثيقة نشرها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي نقلاً عن موقع تتبع أموال المنظمات الأممية حول العالم والمعروف بـ”اف تي اس”.
ويأتي نشر الوثيقة في وقت أعلنت فيه الأمم المتحدة وتحديداً الغذاء العالمي الذي يتربع على قائمة المنظمات التي تستحوذ على معظم الأموال الخاصة باليمن، تقليص المساعدات للأسر اليمنية إلى مليون فقط بدلاً عن عشرات الملايين.
في العراق سجل برنامج برنامج “النفط مقابل الغذاء” (ما قبل وبعد 2003) فضائح كبيرة، تعلقت بالعمل الأممي هناك، حيث تم تأسيس البرنامج من قبل الأمم المتحدة لتمكين العراق من بيع النفط لشراء الغذاء والدواء لتخفيف تأثير العقوبات، لتكشف التحقيقات فيما بعدعن تورط مسؤولين كبار في الأمم المتحدة، وشركات دولية في عمليات تلقي رشاوى وتلاعب في العقود لبيع وشراء النفط والمشتريات، ليسفر هذا الفساد عن هدر مليارات الدولارات.
الصحافي والكاتب ايريك فراتينى في كتابه “الامم المتحدة : تاريخ فساد” الذي نشر في 2005 ، يروى بالأسماء والألقاب ستون سنة من الغش، الفساد، المحسوبية، الاحتيال، الاعتداءات الجنسية، العنف، التعذيب، الرشوة، سوء التدبير، الإدارة الكارثية وغيرها من القضايا الكبيرة التحى تورطت فيها المنظمة وأمنائها العامون والمسؤولين الكبار فيها.
وجاء في الكتاب أن أكبر مظاهر التبذير والغش تظهر بوضوح في الوكالات الأممية المكلفة بمساعدة الأكثر حاجة إلى المساعدة ، حيث تصل قمة استغلال النفوذ والفساد في (برنامج النفط مقابل الغذاء) الذي تم تنفيذه بين عام 1996 و 2003، أنه تحول إلى أكبر عملية نصب واحتيال على الصعيد الدولي، وهذا النصب الدولي ادى الى ضحايا بمئات الآلاف من المواطنين العراقيين بسبب الجوع وسوء التغذية ، وعدم توفر العلاجات والادوية مما جعل الأمراض تفتك بالمواطنين العراقيين واكثرهم من الاطفال .
تختلف صور الفساد الذي تقدمه المنظمات من دولة إلى أخرى، ومن مكان إلى آخر، بحسب ظروف وإمكانيات البلد، فمن اختلاس المساعدات الإنسانية، إلى الرشوة في عقود إعادة الإعمار، مرورًا بسوء إدارة أموال الإغاثة، والتلاعب بالبيانات، وإهدار أموال المشاريع المجتمعية، مما يؤدي لتدني جودة الخدمات وتهميش المجتمعات، خاصة في ظل غياب الشفافية التي تفاقمت بعد عقود من الصراعات والفوضى في المنطقة العربية.
في سوريا وصل عدد منظمات “المجتمع المدني” بعد العام 2001 إلى 1486 منظمة وهو رقم كبير، فقد كشفت بيانات صادرة عن الأمم المتحدة عن صرف مكتبها بدمشق مبالغ خيالية دون مبررات سوى مصاريف وأجور عاملين من ضمنها مبلغ وقدره 7 ملايين دولار كأجور مكاتب وإقامة للعاملين في فندقين بدمشق، وبررت الأمم المتحدة إقامة موظفيها بالفنادق بالاحتياطات الأمنية.
السودان
في الخرطوم، سجل صندوق إغاثة السودان فضيحة فساد كبيرة، تورط فيها رئيس المنظمة واسرته، فقد كشفت الصحيفة الأمريكية،Blue Virginia عن تبرعه بأموال كبيرة من حساب المنظمة لصالح حملات انتخابية إضافة لحصوله على مخصصات غير مستحقة.
وأكدت الصحيفة أن رئيس المنظمة ” نيل كوركري” قدم ما لا يقل عن (23) تبرعاً بلغت جملتها (37) ألف دولار للسياسيين اليمنيين وكذلك المساندين للمثليين جنسياً، مشيرة إلى أن رئيس المنظمة وابنته منحا آلاف الدولارات 2016لحملة النائبة الجمهورية “باربارا كومستك” المنتمية لليمين المتطرف.
وأكد التقرير أن الصندوق منح النائبة الجمهورية مبلغ (1.1) مليون دولار في العام 2011 كما دفعت شركة كوركري لها مبالغ مالية تصل إلى (523) ألف دولار عامي 2014 و2015.
في نوفمبر العام الماضي، تم الإبلاغ عن نساء يتم ابتزازهن جنسيًا في السودان، مقابل الحصول على الطعام والمأوى وفرص العمل، وبحسب التقارير، وجدت بعض النساء الهاربات من الحرب والصراع في السودان أنفسهن في وضع يتطلب منهن التضحية بكرامتهن للبقاء على قيد الحياة، هذا الابتزاز يقف ورائه عاملون في منظمة أطباء بلا حدود.
ومنذ بداية 2020 وحتى نهاية 2022، سجلت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (مكتب تشاد)، وقوع 54 حالة اغتصاب في مخيمات اللاجئين، بحسب إفادة، المسؤول الإعلامي للمفوضية أنغارغون أريستوفال.
ويتلقى مكتب المنظمة الدولية للهجرة في تشاد 1000 شكوى سنويا من لاجئين يتعرضون للعنف الجنسي بشتى صوره (الاغتصاب والتحرش والبغاء القسري والتجارة الجنسية والزواج القسري) في المخيمات.
في فبراير 2018نشرت صحيفة “الصن” البريطانية، تقريراً تضمن اتهاماً لموظفين في الأمم المتحدة بارتكاب انتهاكات جنسية، ونقلت الصحيفة عن الرئيس السابق للعمليات في مركز تنسيق الطوارئ التابع للأمم المتحدة، أندرو ماكلاود، أنّه قدّر وقوع نحو 60 ألف حالة اغتصاب ارتكبها موظفون في الأمم المتحدة خلال العقد الماضي.
وأشار ماكلاود إلى أن نحو 3300 من المولعين جنسياً بالأطفال يعملون في المنظمة الدولية ووكالاتها، معتبراً أن المنظمات الخيرية حول العالم جنسياً، لأنها تتيح لهم التقرب من نساء وأطفال غير محصنين.
يرتكز عمل المنظمات الحكومية وغيرها، على جذب الشباب من مختلف الفئات، والعمل على استيعابهم في أنشطة ممولة تختلف أهدافها بحسب مصالح الجهة الداعمة.
بحسب خبراء، تحول عمل معظم المنظمات إلى غطاء لأعمال مشبوهة، يأتي في مقدمتها “الجاسوسية” خلال العقد الأول من القرن الـ 21، تستهدف هذه المنظمات دول العالم النامية بشكل أكبر، عن طريق الضخ المالي، من جانب حكومات أجنبية، أو جماعات تنوب عنها، عادة ما تكون ملوثة سياسياً، وتتستر هذه الأموال تحت دعاوى إنسانية وديمقراطية وتنموية واجتماعية.
أشار كتاب “داخل الشركة Inside the company” للكاتب الأمريكي فيليب آجي الذي كان ضابطًا في المخابرات الأمريكية خلال الستينيات عن اختراق الاستخبارات الأمريكية للعديد من منظمات المجتمع المدني في عشرات الدول حول العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة ومع تجسد الطموحات الإمبراطورية الأمريكية.
ويتخذ الاختراق الأمريكي لمنظمات المجتمع المدني، كما يتضح من كتاب ف. آجي، الأشكال التالية:
الشكل الأول: التجنيد الاستخباراتي لعدد من رموز النخبة السياسية في البلد المستهدفة وتمويلهم لاصطناع منظمات مدنية من الصفر تقوم بالتسويق للرؤى والسياسات الأمريكية في البلد.
الشكل الثاني: تمويل المنظمات القائمة بالفعل ماديًا لاتخاذ مواقف سياسية محددة سلفًا تفيد سياسات ومصالح الولايات المتحدة في البلد المستهدف.
الشكل الثالث: الدعم السياسي والمعنوي لمنظمات حقوق الإنسان – وهي أحد أكثر منظمات المجتمع المدني فاعلية – عن طريق دعوة القائمين عليها لمؤتمرات دولية، وتوظيفهم كمستشارين وأكاديميين في هيئات أمريكية ودولية بهدف ترقيتهم سياسياً واعلامياً في البلد المستهدف حتي يصبحوا مؤثرين في الرأي العام بشكل أو بآخر.