في مشهدٍ يتجاوز القصف والمعارك المفتوحة، تكشف غزة عن وجهٍ أخطر من الحرب؛ حربٍ صامتة تُدار في الظل، يعتمد فيها الاحتلال الصهيوني على “الاغتيال بالوكالة” كأداة مدروسة لبثّ الخوف وتفتيت المجتمع من الداخل، بعيدًا عن الكلفة العسكرية والسياسية المباشرة.
تقريرٌ حديث للمركز الفلسطيني للإعلام سلّط الضوء على نمطٍ متدرّج بات يتكرّس في القطاع، يقوم على توظيف عصابات إجرامية وأذرع غير رسمية لتنفيذ عمليات قتل واغتيال بحق نشطاء المقاومة، تحت غطاء الجريمة الجنائية أو الخلافات الداخلية.
أسلوبٌ يُخفي بصمات الاحتلال، ويُربك الرأي العام، ويحوّل الجريمة إلى أداة استنزاف بطيئة لا تقل فتكًا عن الحرب العلنية.
“القتل الصامت”.. أداة مركزية في حرب غير معلنة
الخبير العسكري والاستراتيجي أكرم سريوي يؤكد أن الاحتلال وسّع اعتماده على العملاء المحليين والعصابات الإجرامية كركيزة أساسية في ما يصفه بـ“الحرب غير المعلنة”، بهدف إضعاف البنية الداخلية للمجتمع الفلسطيني دون الانجرار لمواجهات مباشرة.
ويشرح أن عمليات التصفية تُنفّذ بواجهات جنائية مُضلِّلة، ما يسمح للاحتلال بالتنصّل من المسؤولية، ويُشوّش على حقيقة المستفيد من تصاعد وتيرة الاغتيالات.
ويشير سريوي إلى أن تشغيل هذه العصاباتومنها ما يُعرف بعصابة “أبو شباب”يندرج ضمن سياسة قديمة متجددة تستهدف ضرب الثقة داخل المجتمع، وخلق فوضى أمنية تُستثمر لاحقًا لتبرير مزيد من القمع والتدخل، في ظل غضّ طرف متعمّد عن السلاح والجريمة مقابل تشديد الخناق على أي نشاط مقاوم.
استنزاف بلا بصمات وتكلفة منخفضة
من جانبه، يوضح اللواء محمد الشرقاوي أن “القتل بالوكالة” يُعد من أخطر أشكال الحرب غير التقليدية، حيث تتحول الضحية إلى رقم في سجل العنف الداخلي بدل كونها هدفًا لسياسة احتلالية ممنهجة.
ويؤكد أن إدارة هذه الشبكات تتم استخباراتيًا بدقة، لتغذية الشكوك وتفكيك الحاضنة الشعبية للمقاومة، مع تحقيق مكاسب استخباراتية واختبار ردود الفعل دون فتح جبهات جديدة.
ويحذّر الشرقاوي من أن أخطر ما في هذا النهج هو تحويل الاغتيال إلى فعل يومي بلا ضجيج أو تبعات دولية، ما يفاقم الخسائر الإنسانية والنفسية، ويدخل المجتمع في دوامة خوف وعدم استقرار طويلَي الأمد.
المواجهة تبدأ بالوعي
ويتفق الخبيران على أن التصدي لهذه السياسة لا يقتصر على الإجراءات الأمنية، بل يتطلب وعيًا مجتمعيًا عاليًا، وتعزيز الوحدة الداخلية، وفضح الدور الإسرائيلي إعلاميًا وقانونيًا في رعاية الجريمة المنظمة.
فـكشف “القتل بالوكالة” ليس مجرد تشخيص لأسلوب عدواني جديد، بل خطوة حاسمة في معركة الوعي وحماية الجبهة الداخلية للمقاومة.