وجد الانتقالي الجنوبي التابع للإمارات نفسه مؤخرا عاجزا عن الوفاء بوعوده للجماهير بإعلان ما يسمى “الدولة الجنوبية”، بعد أن أوقعته مغامرته العسكرية الأخيرة في فخين متلازمين، فخ اجتياح مديريات وادي حضرموت والمهرة، وفخ الاعتصامات الشعبية التي أشعلها بنفسه في مدينة عدن وبقية المدن الرئيسية.
وتحولت المهمة الإماراتية لقيادات الانتقالي في السيطرة على منابع النفط في حضرموت الوادي والمهرة، مطلع ديسمبر الجاري، كمرحلة أخيرة من قبل أبوظبي لاستكمال سيطرتها على الموانئ والسواحل الجنوبية والشرقية لليمن، إلا أنها سرعان ما تحولت إلى فخ يعكس الأزمة العميقة بين الإمارات والسعودية في تلك المناطق التي تعتبرها الأخيرة مناطق نفوذ استراتيجية خاصة بها، حشدت على إثرها قرابة 30 ألفا من عناصرها المسلحة في العبر على تخوم وادي حضرموت.
لهذا السبب، اتجهت السعودية إلى تنفيذ عزلة سياسية واقتصادية على الانتقالي، وفق منا يعرف سياسية الطبخ بما يسمى “النار الهادئة”، بدأت بإيقاف إصدار تصاريح للسفن التجارية بالوصول إلى ميناء عدن، وتجميد ما تبقى من الوديعة التي أعلنتها الرياض للبنك المركزي في عدن، مقابل مغادرة فصائله المسلحة وادي حضرموت والمهرة، بهدف تحويل الانتقالي من لاعب سياسي إلى قوة محاصرة ومرفوضة إقليميا، وفق التحركات التي تجريها الرياض مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ورفض الحكومة الأمريكية أي قنوات تواصل مع الانتقالي.
من جهة أخرى، سعى الانتقالي التابع للإمارات إلى تحويل الاجتياح المسلح لوادي حضرموت والمهرة من خلال فرض الأمر الواقع عليها بمعرفة سعودية مسبقة، إلى شرعية شعبية جنوبية بدفع الانتقالي بالمئات من مؤيديه إلى مخيمات الاعتصام في عدن وبقية المدن الجنوبية تحت مزاعم المطالبة بإعلان ما يسمى “الدولة الجنوبية”، إلا أن هذه الخطوة أنشأت فخا داخليا بين الانتقالي ومؤيديه الذين رفعوا سقف توقعاتهم إلى حد الإعلان الفعلي للانفصال، مع العلم أن السعودية التي تقود الحرب على اليمن منذ مارس 2015، أمام المجتمع الدولي بوحدة واستقرار اليمن، ما يضعها أمام ضغوطات حقيقية من قبل حكومة صنعاء باعتبارها المسؤولة عن تمزيق اليمن.
وفي الإطار ذاته، وجد الانتقالي في موقف حرج أمام مؤيديه الذين دعاهم إلى إنشاء مخيمات الاعتصام، فأظهر عجزه التام في الإعلان عن تلك المطالبات منذ الأسبوعين الماضيين، وأصبحت تلك المخيمات مجرد سهرات غنائية ورقصات شعبية لمن يعانون الأوضاع المعيشية السيئة، وشاهدة على عجزه ووسيلة ضغط شعبية ضده، بعد أن كان يقصدها أداة ضغط على خصومه، مع تخوفه المستمر من تصنيفه متمردا باعتباره جزء من ما يسمى “الشرعية اليمنية المعترف بها دوليا”، التي أوصلته “مشاورات الرياض” إلى “مجلس القيادة” وشريكا في الحكومة خلال مارس 2022م، عقب إطاحة الرياض بالمستقيل “عبدربه منصور هادي” ووضعه بجوار القيادي “علي محسن الأحمر” تحت الإقامة الجبرية.
ونتيجة لذلك، يبدو الانتقالي عاجزا تماما عن الوفاء بوعوده لمؤيديه خلال المرحلة الراهنة وفق التقديرات الميدانية التي تشير إلى تصاعد التوترات العسكرية شرق اليمن، من المرجح وصول الأوضاع هناك إلى المواجهة المسلحة.
وعلى صعيد آخر، أكد الباحث الحضرمي “شادي باصرة” أن النهج القائم على فرض واقع جديد بقوة السلاح من قبل الانتقالي، لن يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج السيناريوهات الدامية التي شهدها جنوب اليمن خلال الأعوام الماضية، “1967 و1986 و1994 و2015″، دون تحقيق ما يسمى “الانفصال”، مما سيؤدي إلى المزيد من الدماء والتدخلات وضياع المكاسب التي كانت قد حققتها القضية الجنوبية.
كما، انتقد باصرة مغامرة الانتقالي العسكرية والسياسية، مؤكدا كان الأحرى منه الاتجاه نحو بناء نموذج قائم على الاقتصاد والخدمات، باعتبارهما طريق الاختراق الحقيقي الذي يفيد الناس، ويبني نموذجا ينتصر للكرامة الحقيقية للإنسان، ولقمة العيش، والاستقرار، والبناء المستدام.
وأشار إلى أن الحل المستدام في اليمن لن يأتي من منطلق الغلبة المؤقتة، بل من حوار واع وشفاف قائم على المصالح المشتركة القادرة على ضبط إيقاع المخاوف المتبادلة، الأمر الذي يبدو ظهر معه الانتقالي خلال الوضع الراهن أسير وعوده ومغامراته الفاشلة، مما يشكل تهديدا بإعادة القضية الجنوبية إلى المربع الأول.