تشهد المحافظات الجنوبية والشرقية لليمن، ولا سيما حضرموت والمهرة، تصاعداً ملحوظاً في التحركات العسكرية السعودية والإماراتية، وسط حديث متزايد عن توترات ميدانية قد تقود إلى مواجهة مباشرة بين الطرفين، غير أن قراءة أعمق لمسار الأحداث وتطوراتها الأخيرة تشير إلى أن ما يجري لا يتجاوز كونه إعادة ترتيب للأدوار وتقاسماً جديداً للنفوذ، في مرحلة ما بعد التفاهمات التي جمعت الرياض وأبوظبي، والتي أفضت إلى إخراج مسلحي حزب الإصلاح من هاتين المحافظتين.
ومؤخراً دفعت السعودية بتعزيزات عسكرية كبيرة من قوات ما يسمى بـ”درع الوطن”، شملت دبابات وآليات مدرعة، تحركت من منطقة نجران مروراً بصحراء الربع الخالي وصولاً إلى مدينة شرورة المحاذية للحدود مع محافظة حضرموت، وتزامن ذلك مع بدء انتشار هذه القوات في عدد من مديريات الوادي والصحراء، عقب انسحاب وحدات تابعة لما يُسمى بـ “المجلس الانتقالي الجنوبي” .
في المقابل، كثّف “المجلس الانتقالي” المدعوم إماراتياً من تحركاته العسكرية، إذ أفادت مصادر محلية بمشاهدة تعزيزات كبيرة لما يُسمى باللواء الرابع عمالقة على الطريق الدولي، قادمة من محافظة شبوة باتجاه حضرموت، في إطار مساعٍ لتعزيز انتشار قواته في مناطق استراتيجية مثل العبر والخشعة بوادي حضرموت.
ورغم أن هذه التحركات المتبادلة تُقدَّم على أنها مؤشر على اقتراب مواجهة شاملة، إلا أن معطيات المشهدين الميداني والسياسي توحي بأن الطرفين يتحركان ضمن سقف تفاهمات غير معلنة، تهدف إلى تثبيت مناطق النفوذ وإعادة توزيع السيطرة، خصوصاً في المناطق الحيوية المرتبطة بالثروات النفطية وخطوط الإمداد البرية.
وتأتي هذه التطورات في سياق مرحلة جديدة أعقبت إخراج مسلحي حزب الإصلاح من حضرموت والمهرة باتفاق سعودي–إماراتي، ما أتاح للطرفين مساحة أوسع لإعادة هندسة المشهد العسكري والسياسي بما يتوافق مع مصالح كل منهما، دون المساس بالإطار العام للتفاهم القائم بينهما.
ورغم تصاعد حدة الخطاب الإعلامي بشأن احتمال اندلاع “معركة فاصلة”، إلا أن مؤشرات ميدانية وسياسية عدة ترجّح أن ما يجري يندرج ضمن صراع نفوذ محسوب، تسعى من خلاله الرياض وأبوظبي إلى إعادة رسم خارطة السيطرة على الأرض، دون الانزلاق إلى صدام مفتوح قد يربك الترتيبات القائمة.
ورغم ما يبدو على السطح من تنافس سعودي–إماراتي في شرق اليمن، فإن مسار الأحداث يؤكد أن الخلاف بين الطرفين لا يمس جوهر المشروع الجاري تنفيذه، بل يقتصر على آليات إدارة النفوذ وحدود السيطرة لكل طرف، فالرياض وأبوظبي تلتقيان عند هدف استراتيجي واحد يتمثل في تفكيك اليمن ومنع إعادة وصل شماله بجنوبه، حتى وإن تم ذلك عبر إزاحة أدوات محلية كانت تُستخدم سابقاً، مثل مسلحي حزب الإصلاح .
ويكشف التنسيق السابق بين الطرفين لإخراج مسلحي الإصلاح من حضرموت والمهرة عن وجود تفاهمات عميقة تتجاوز الخلافات المعلنة، إذ شكّل هذا الإجراء خطوة مفصلية لإعادة ترتيب المشهد بما يخدم المشروع الذي تعملان عليه السعودية والامارات في اليمن ، والذي يأتي ضمن مشروع أكبر يتمثل في إعادة هندسة المنطقة بما يتوافق مع مصالح “إسرائيل” .