المصدر الأول لاخبار اليمن

قصة الصراع النفطي بين السعودية والكويت: جذور العداوة المكتومة

تقرير وثائقي: وكالة الصحافة اليمنية// في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي أنهى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان زيارة رسمية قصيرة إلى الكويت، لم يناقش خلالها مع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح الملفات السياسية الأكثر حساسية في المنطقة، وهي الأزمة الخليجية الناتجة عن حصار قطر وتشكيل تحالف خليجي – عربي لمواجهة إيران، بل اكتفى الطرفان […]

تقرير وثائقي: وكالة الصحافة اليمنية//

في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي أنهى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان زيارة رسمية قصيرة إلى الكويت، لم يناقش خلالها مع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح الملفات السياسية الأكثر حساسية في المنطقة، وهي الأزمة الخليجية الناتجة عن حصار قطر وتشكيل تحالف خليجي – عربي لمواجهة إيران، بل اكتفى الطرفان بمناقشة الحقول النفطية المشتركة بين البلدين.

لغز الساعات القليلة للزيارة التي أُثيرت أنباء عن فشلها كان من المفترض أن يُنهي الخلاف الطويل بين الكويت والسعودية بشأن حقول النفط المشتركة في المنطقة المحايدة “المقسومة” في مدينتي الوفرة والعبدلي، بعد أن أوقفت السعودية التصدير منهما بشكل مفاجئ عام 2014 ودون إعلام الجانب الكويتي، مما تسبب بخسائر فادحة للجانب الكويتي لوح على إثره بالاتجاه إلى محكمة العدل الدولية في حال استمراره.

جذور الصراع المكتوم

أعادت زيارة ولي العهد إلى الواجهة جذور الصراع السعودي الكويتي على المنطقة المحايدة الذي يعود إلى بداية العشرينيات من القرن الماضي، ففي عام 1920 حدث نزاع مسلح بين الكويت ونجد بشأن الحدود بينهما، انتهى بعقد اتفاقية العقير عام 1922 التي ما زالت وثيقة أساسية أرست الحدود الإقليمية بين الطرفين.

بموجب الاتفاقية أُحدثت منطقة محايدة مساحتها 2.228 ميل مربع أي ما يعادل 32% من مساحة الكويت الحاليّة و0.2% من مساحة السعودية، وتقاسم الطرفان بالتساوي السيادة وإنتاج النفط في المنطقة المقسومة، وكذلك جميع الموارد الطبيعية الموجودة فيها.

لكن هذه الاتفاقية لم تعالج التوترات بين البلدين، فقد ظل الخلاف قائمًا خاصة بعد أن فرضت السعودية حصارًا على الكويت استمر عدة سنوات (1923 – 1937) غايته التأثير على الكويت في سبيل الحصول على مكاسب أخرى في المنطقة، أي التنازل عن السيادة مقابل حصول الكويت على إيرادات تحددها اتفاقات مماثلة لاتفاق أبو سعفة الموقع مع البحرين.

تجددت الخلافات بين عامي 1957 و1958 عندما منحت السعودية والكويت امتيازات لشركات البترول في المنطقة المحايدة، واستمرت أيضًا رغم اتفاقية عام 1965 التي أقرَّت مبدأين: المبدأ الأول جديد، وهو تقسيم المنطقة إلى قسمين متساويين: القسم الشمالي تابع لسيادة الكويت والقسم الجنوبي تابع لسيادة السعودية.

أما المبدأ الثاني فهو قديم وفقًا لبنود اتفاقية العقير، حيث أكدت الاتفاقية تنظيم استغلال الثروات الطبيعية بجميع أنواعها بما فيها الحقول النفطية والغازية سواء كانت برية أم بحرية، وبقاء امتيازات النفط سارية المفعول، بحيث يحترم كل طرف حقوق الآخر في الجزء الذي يضم إلى إقليمه، المتعلقة بالملكية المشتركة للثروات الطبيعية، وهذا هو الوضع القانوني الحاليّ للمنطقة.

لكن ما بقي عالقًا بعد هذه الاتفاقية وحتى اليوم هو عدم وضع تسوية لجزيرتي أم المراديم وكارو اللتين تطالب الكويت بضمهما إلى سيادتها، بينما تطالب السعودية بممارسة السيادة المشتركة مع الكويت عليهما، لذلك لم تستطع الاتفاقات بين الطرفين معالجة الوضع سواء تعلق الأمر بالسيادة أم بتقاسم وإدارة الثروات الطبيعية.

سياسة المملكة في إدارة الحقول النفطية

لم يُطفئ لهيب الخلاف اتفاقيات دولية موقعة منذ عشرات السنوات، حيث اندلعت التوترات مجددًا منذ العقد الماضي، حين ثار غضب الكويت جراء قرار سعودي لتمديد امتياز شركة “شيفرون” لمدة 30 عامًا، أي حتى 2039، وذلك دون استشارة الجانب الكويتي، ما اعتبرته الكويت يمس سيادة الدولة على أراضيها.

لذلك امتنعت عن إصدار تصاريح العمل لموظفي الشركة ومنح رخص لاستيراد المواد والمعدات اللازمة، الأمر الذي يعني الاستغناء عن خدماتها، وكانت الكويت تخطط لإخراج الشركة لإنشاء مصفاة الزور النفطية بطاقة إنتاجية 615 ألف برميل يوميًا، في نفس المنطقة التي تقع فيها مكاتبها.

تذمر السعوديون من هذه الإجراءات التي يعتبرونها غير مشروعة لأن بتقديرهم لا يجوز تطبيق القوانين الكويتية على حقل الوفرة المشترك، والواقع أن اتفاقية 1965 تنص على “للكويت الحق في تطبيق قوانينها وتعليماتها الإدارية على حقل الوفرة الواقع في النصف الشمالي للمنطقة التابع لها من حيث السيادة”، وهكذا انسحبت “شيفرون” وتوقف الإنتاج.

في نفس الفترة نشب خلاف جديد بشأن أعمال تطوير حقل الدرة البحري الذي يحتوي على 200 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي و310 ملايين برميل من النفط، وتشارك فيه إيران أيضًا، لكن السعودية تصر على تحويل الإنتاج إلى مجمع الخفجي النفطي الخاضع لسيادتها قبل اقتسامه، ومنها تحصل الكويت على حصتها، بينما تريد الكويت أخذ حصتها مباشرة من الحقل، ما أدى إلى توقف أشغال التطوير منذ عام 2013 وأوقفت السعودية الإنتاج عام 2014.

جاء قرار إغلاق حقل الوفرة بالتزامن مع قرار السعودية بإغلاق حقل الخفجي الذي يحتوي على 6.3 مليار برميل، وتبلغ طاقته الإنتاجية 300 ألف برميل يوميًا، وتتولى استغلاله “شيفرون” والشركة الكويتية لنفط الخليج، معللة القرار بمشاكل ترتبط بمعدات الإنتاج من جهة، ومخاوف بيئية بعد بروز مشاكل بيئية نتيجة انبعاث غازات من الصعب معالجتها فنيًا حينها.

ومن الناحية الرسمية قررت السعودية والكويت في اجتماع مشترك في مايو/أيار 2015 غلقه لإجراء عمليات الصيانة لمدة أسبوعين، لكنه لم يعد إلى العمل لحد الآن، وهو ما اعتبرته الكويت خطوة منفردة تخالف اتفاق البلدين على مهلة إنذار لـ5 سنوات قبل خطوة مماثلة، بينما اشتكت الكويت من تكبدها خسائر جسيمة نتيجة الإغلاق.

لكن هناك عدة أسباب أدت إلى هذا الإغلاق في أكتوبر/تشرين الأول 2014، أهمها هجرة نفط هذا الحقل المشترك إلى حقل السفانية السعودي، لذلك يقترح ديوان المحاسبة الكويتي تشكيل لجنة مشتركة لتقصي الحقائق ووضع الحلول الممكنة، ويرى الكويتيون ضرورة حفر 240 بئرًا في محيط السفانية لإيقاف هذا النزيف، أما السعودية فلا توافق على إنشاء هذه الآبار لأنها لا تعترف أساسًا بهجرة الخام من الخفجي إلى السفانية، أكبر حقل مغمور في العالم.

وكان حقل الوفرة يُدار بصورة مشتركة من الشركة الكويتية لنفط الخليج وشركة “شيفرون” نيابة عن السعودية، بينما تدير حقل الخفجي شركة “أرامكو” السعودية العملاقة للنفط والشركة الكويتية لنفط الخليج، ويبلغ احتياطي هذا الحقل 3.4 مليار برميل، وبدأ إنتاجه في عام 1954 بطاقة قدرها 220 ألف برميل يوميًا.

حقول معطلة بأمر سعودي تجني خسائرها الكويت

تضخ المنطقة المحايدة نحو 700 ألف برميل نفط يوميًا، وتقدر احتياطاتها النفطية بنحو 60 مليار برميل، إضافة لاحتياطيات غير مستغلة من الغاز الطبيعي تصل إلى 25 مليار متر مكعب، وتصدر 3 أنواع من النفط الخام، هي خام الخفجي الذي يجري إنتاجه من الحقول البحرية، أما النوعان الآخران فهما خامات الوفرة والإيوسين اللذان يجري إنتاجهما من الحقول البرية المشتركة بين الدولتين والتي تديرها شركة “شيفرون”.

ويمثل نفط المنطقة أهمية كبرى للكويت مقارنة بالسعودية، وذلك من الزاويتين الإنتاجية والمالية، حيث تصل حصة الكويت من نفط المنطقة إلى 9.8% من إنتاجها الكلي، ويغطي نحو 23.7% من عجز الميزانية العامة، في حين لا تعادل حصة السعودية سوى 2.5% من إنتاجها الكلي، وهو ما يشكل 8.1% من عجز الميزانية العامة.

من هذا الجانب تحملت الكويت خسارة مالية أكبر بكثير من الخسائر التي تتحملها السعودية جراء توقف العمل في الحقل المشترك، خاصة بعد عودة أسعار النفط للهبوط، لكن في مارس/آذار الماضي أعلنت الكويت اتفاقًا مع السعودية على استئناف الإنتاج النفطي بالمنطقة المحايدة في الخفجي، بكميات تتواءم مع الاعتبارات البيئية.

وبالنظر إلى سياسة المملكة تجاه جيرانها يتبين أن غلق جميع الحقول النفطية البرية والبحرية المشتركة في الوقت الحاضر ناجم عن قرارات سعودية مباشرة أو غير مباشرة، حيث ترى السعودية أن وقف الإنتاج في المنطقة المحايدة يكبد الكويت كلفة لا تستطيع تحملها وستضطر إلى التنازل لها عن ملكيتها مقابل الاشتراك في مداخيل استغلالها.

وقد جعلت القرارات السعودية الصراع الحاليّ بين البلدين سياسيًا واقتصاديًا في آن واحد، فبحسب تقرير لمعهد الجزيرة للدراسات يتمثل الجانب السياسي في أن معاهدة العقير ومعاهدة عام 1965 والترتيبات الحدودية الأخرى لم تعالج جوهر المشكلة، وهو مطالبة كل طرف بكامل المنطقة، أما الجانب الاقتصادي فيرتبط بالخلافات الحادة بشأن إدارة الحقول النفطية وكيفية استغلالها.

وحتى الآن تعيش السعودية عدة خلافات حدودية غير معروفة مع كل دول مجلس التعاون الخليجي الـ5، فوراء كواليس المصالح المشتركة لدول النفط غالبًا ما تُطالب السعودية برد أراضٍ ليست لها، وبينما تصمت بعض الدول عن مطالبتها بأراضيها تُصر أخرى على إجراء تعديل لاتفاقيات سابقة، أو تغييرها لتسوية هذه الخلافات.

وبين الفينة والأخرى تطرأ خلافات حدودية ناجمة عن آلية توزيع نفط المنطقة المحايدة، بعد أن ضاعفت الكويت من إنتاجها في الحقل المشترك، إذ اضطر وزير النفط الكويتي علي العمير للإقرار في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 بأن أزمة توقف النفط في المنطقة المحايدة بين السعودية والكويت سياسية وليست فقط فنية.

وبسبب قوتها العسكرية وقدرتها الاقتصادية والمالية وتأثيرها الخليجي وعلاقاتها الدولية، تحاول السعودية تطبيق نفس الترتيبات التي اتبعتها في منطقة فشت أبو سعفة، ففي عام 1958 عقدت الرياض والمنامة اتفاقًا يقضي بتنازل البحرين عن سيادتها على هذه المنطقة مقابل موافقة السعودية على تقاسم الإيرادات النفطية الصافية لحقل أبو سعفة.

حين امتزجت المصالح الاقتصادية بالمشاكل السياسية

توقف الإنتاج في الحقول النفطية المشتركة الواقعة في المنطقة المحايدة بين الكويت والسعودية نتيجة عوامل بيئية تارة وإدارية تارة أخرى، وذلك وفقًا لما تقوله المصادر الرسمية، لكن هنالك عوامل أخرى خاصة اقتصادية وسياسية تدعو السعودية إلى استئناف الإنتاج تارة وإلى الإبقاء على الحقول مغلقة تارة أخرى، والغلبة بتقديرها للخيار الثاني.

وشهدت الفترة الأخيرة تطورات جديدة تؤثر بشدة على هذه الحقول في مقدمتها الدور الكويتي في الأزمة الخليجية، فقد سعت الكويت إلى البقاء على الحياد وسعت للتوسط في الخلاف، لكن السعودية لا ترى في هذا الدور مكسبًا لها بل قد يكون مضرًّا بمصالحها، وتربط تلك التحركات بسعي الكويت إلى تقوية علاقاتها مع الدوحة.

وعلى هذا الأساس يدخل عدم استئناف الإنتاج النفطي في المنطقة المقسومة في إطار الضغط السعودي على الكويت بهدف إعادة النظر في هذه العلاقات، فلو كانت الكويت ضمن دول الحصار لتنازلت السعودية عن الكثير من شروطها، بل لما أقدمت أساسًا على غلق الحقول المشتركة، وهو ما يحدث مع إحدى دول الحصار وهي البحرين، حيث لا تتردد السعودية في منحها حصة أكبر من تلك التي تم الاتفاق عليها، كما لا تنوي أرامكو تقليص الإنتاج في هذا الحقل بل بالعكس تمامًا.

في تحرك ربما يعزز الخلاف السياسي بينهما، وقعت الكويت مؤخرًا على خطة تعاون دفاعي مع تركيا في ما قيل إنه يهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية فيما يخص التجارة والاستثمارات البينية، يُضاف إلى ذلك اختلاف وجهات النظر بين البلدين الخليجيين بشأن العلاقات مع إيران المنافس اللدود للسعودية، حيث حافظت الكويت على خطوط الحوار مفتوحة مع إيران، بل هنالك توجه كويتي نحو تخفيف التوتر مع إيران.

ومع بدء الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران، التي يبدأ سريانها اليوم، والمتمثلة بحظر الصادرات النفطية، يُفترض أن يعود الإنتاج إلى المنطقة المقسومة أو إلى بعض حقولها لتعويض الإنتاج الإيراني، لكن الرياض تفضل زيادة إنتاج حقولها بدلًا من الحقول المشتركة مع الكويت.

كما تمارس الإدارة الأمريكية بالتهديد تارة وبالتذكير بالجميل تارة أخرى ضغوطًا على المملكة لزيادة إنتاجها النفطي وتخفيض الأسعار، يُضاف إلى ذلك أن السعودية في حالة حرب باليمن، وهذه تمثِّل محاولة لتقويض النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، وتتفهم الإدارة الأمريكية جيدًا علاقة الحرب بأسعار النفط، لذلك لم تقدم على أي إجراء عملي يضر بالمصالح السعودية.

ومن الناحية الاقتصادية تؤثرعودة الإنتاج إلى المنطقة المقسومة تأثيرًا سلبيًّا على أسعار النفط، فتنخفض قيمة شركة “أرامكو”، وهذا لا يعني هبوط الإيرادات المتوقعة من قرار خصخصة الشركة الذي تعثر مؤخرًا، بل كذلك فشل السياسة الاقتصادية التي وضعت قواعدها رؤية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان “المملكة 2030.”

لا بد إذًا من رفع أسعار النفط لتغطية الأعباء المالية الداخلية والحربية، وهنا يدخل التريث السعودي في عودة الإنتاج إلى المنطقة المقسومة في إطار السياسة النفطية السعودية المبنية على أساس مصالح البلد بالدرجة الأولى، أو ربما لم يعد ممكنًا الاستمرار بالشراكة التي أصبحت مضرة للطرفين السعودي والكويتي.

قد يعجبك ايضا