المصدر الأول لاخبار اليمن

“حساب المواطن”… ماذا عنه؟ وماهي انعكاسات 2018 على الوضع المعيشي للمواطن السعودي؟

تقرير // هيفاء زعيتر

مع الساعات الأولى ليوم الخميس، 21 ديسمبر 2017، تلقى عدد من المواطنين السعوديين رسائل هاتفية تفيد بإيداع مبالغ ماليّة في حساباتهم المصرفية.

تزامن ذلك مع إعلان وزير العمل والتنمية الاجتماعية السعودي علي الغفيص “إيداع الدفعة الأولى من قيمة دعم “حساب المواطن” للمستحقين عن شهر ديسمبر، والتي بلغت ملياري ريال سعودي (ما يعادل 533 مليون دولار)، حسب وكالة الأنباء السعودية “واس”.

ما هو “حساب المواطن” الذي يشغل المواطنين السعوديين منذ فترة؟ وما علاقته بـ”رؤية 2030″ التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان؟ ماذا تكشف تلك الخطوة عن معدلات الفقر في السعودية وهل هي كافية حقاً لتحقيق التوازن بين التقشف الحكومي والمتضررين منه؟

 

ما هو “حساب المواطن” ولماذا تطرحه المملكة الآن؟

في الدليل الذي طرحته وزارة العمل والتنمية الاجتماعية السعودية مطلع العام الماضي، عرّفت برنامج “حساب المواطن” باعتباره “برنامج وطني أنشئ لحماية الأسر السعودية من الأثر المباشر وغير المباشر المتوقع من الإصلاحات الاقتصادية المختلفة من خلال تقديم بدل نقدي مباشر للمواطنين المستفيدين”.

ووعدت الوزارة بتقديم البدل النقدي قبل تنفيذ أي من الإصلاحات التي قد تمس بالمواطن، في حين أصدرت قائمة مفصلة بمن هو مؤهل من تلك الأسر لاستلام البدل ومن يستحقه.

ويأتي برنامج الدعم للتخفيف من الآثار المحتملة الناتجة عن تعديلات أسعار الكهرباء والبنزين وتطبيق ضريبة القيمة المضافة على بعض السلع، في وقت سيشهد الربع الأول من العام 2018 ارتفاع أسعار الوقود في السعودية بنسبة 80%، حسب “بلومبرغ”.

هذه الزيادة هي جزء من خطة الوصول بأسعار الوقود في المملكة إلى المستويات العالمية بين 2023 و2025، في حين سيشهد العام 2018 كذلك تطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5%.

من هنا برّرت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية البرنامج، الذي يشمل الأسر ذوي الدخل المتوسط والمنخفض فقط، باعتبار أن المرحلة السابقة للإصلاحات شهدت كذلك استفادة ذوي الدخل المرتفع وغير السعوديين من الدعم، ما أدى إلى الإفراط في الاستهلاك.

كيف يعمل البرنامج وبماذا يعد السعوديين؟

شملت الدفعة الأولى التي أعلن عنها الوزير قرابة 3 ملايين أسرة وفرد مستقل، بإجمالي 10.6 مليون مستفيد يشكلون 82% من المسجلين، فيما يُنتظر أن يتم تحويل الدفعة التالية في العاشر من يناير المقبل على أن “يتم الالتزام بتحويل الدفعات في العاشر من كل شهر ميلادي”.

وكانت الحكومة السعودية، قد أعلنت تخصيصها نحو 32.4 مليار ريال (أي 8.64 مليار دولار) للبرنامج، في موازنة العام المقبل التي اعتُبرت “الأكبر حجماً في تاريخ المملكة”.

وقد تم تقسيم المستفيدين لـ3 فئات: أصحاب الدخل المحدود، والمتوسط، وفوق المتوسط، الذين سيستفيدون من البرنامج بشكل جزئي. وحددت الأهلية بشرط حمل الجنسية السعودية والإقامة فيها.

كما قُسم المستفيدون إلى شرائح حسب مداخيلهم: الأولى ممن رواتبهم تصل حتى 8699 ريال، والثانية من 8700 وإلى 11999، والثالثة من 12000 إلى 15299، والرابعة من 15300 إلى 20159. أما الشريحة الخامسة فهي التي لا تستحق الدعم، وتحصل على مداخيل تفوق الـ20160 ريال.

ونشرت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية صور تفصيلية للأفراد المستفيدين وشروط الأهلية.

كما دعت الوزارة كل من لديه شكوى للتقدم بها في غضون خمسة أيام من تاريخ الصرف، في حين شهد حساب البرنامج على “تويتر” العديد من الشكاوى بشأن عدم استلام المبلغ من أشخاص كان قد سجلوا أسماءهم، وآخرين اعتبروا أن المصرف أخفى المبلغ الذي وصلهم.

وهي شكاوى أتى الجواب عليها بضرورة التروي والطمأنة بحل مشكلة كل من يثبت أنه يستحق الدعم.

 

ماذا كشف البرنامج عن الفقر في السعودية؟

في مقابلة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في شهر مايو الماضي على قناة “العربية”، أعلن أن عدد المستفيدين من برنامج “حساب المواطن” سيكون “أقل من 10 ملايين بقليل”، وهو عدد لم يبد قليلاً حين الإعلان عنه.

ولكن عدد من تقدموا لـ”حساب المواطن” فاق توقعات بن سلمان بشكل كبير، إذ أعلن وزير العمل أن 13 مليون شخص سعودي سجلوا في برنامج الدعم النقدي، ما يوازي 64% من المواطنين إذا ما أخذنا بالاعتبار تقدير “الهيئة العامة للإحصاء” عدد السعوديين بـ20.4 مليون نسمة.

هذه الأرقام أظهرت معطيات جديدة حول الفقر بقيت لفترات طويلة محل اجتهاد، في ظل عدم صدور أرقام رسمية يمكن التعويل عليها، ما عدا التقرير السنوي للشؤون الاجتماعية السعودية الذي يظهر عدد الأسر التي تحصل على مساعدات وكانت تقديراته محصورة ما بين 20 إلى 30%.

لطالما كانت السعودية تتهم بـ”إخفاء نسب الفقر” لديها، حسب صحيفة “واشنطن بوست” التي أشارت في وقت سابق إلى أن “ما بين مليونين وأربعة ملايين سعودي يعيشون على أقل من 530 دولاراً شهرياً (أي 17 دولاراً يومياً)أي 50 ريال سعودي يومياً”.

وكان المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان فيليب ألستون قد أعلن، خلال زيارته المملكة في أبريل الماضي، عن مشاهدات “صادمة” هناك.

وفي حين وصلت نسبة من سجلوا للحصول على دعم إلى 64% من السكان قبل بدء سياسة رفع الدعم وتطبيق الضريبة المضافة، فمن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة في العام المقبل.

 

هل سيحل “حساب المواطن” المشكلة؟

عند الإعلان عن “حساب المواطن”، استبعدت قواعد البرنامج  فئة “البدون” من التسجيل، بسبب عدم حملهم أوراق ثبوتية، وهذا ما ينعكس على تلك الفئة التي تتحدث تقارير كثيرة عن معاناتها المزمنة في المملكة.

من جهة أخرى، يكشف البرنامج عن مشاكل قادمة سيواجهها الوافدون في السعودية غير المشمولين بالبرنامج خلال العام المقبل. إذ ستزيد التكاليف المعيشية، كما ستتأثر تحويلاتهم لبلدانهم والتي كانت قد تخطت في يوليو الماضي الـ208 مليار دولار.

وبما أن الوافدين يشكلون أكثر من 30% من سكان المملكة، فإجراءات التقشف المقبلة ستنعكس عليهم وتدفعهم إلى مغادرة المملكة أو اللجوء إلى السوق السوداء، حسب ما يحذر الاقتصاديون.

وسط ذلك تبرز مخاوف كذلك على المستهدَفين من البرنامج، إذ برزت انتقادات من أن الميزانية الحكومية الجديدة تركت هامشاً واسعاً لتحديد المبلغ المخصص لدعم المستفيدين ما يعني أنه لن يكون ثابتاً وسيخضع للمزاجية الاقتصادية للسلطات.

وحتى لو تساوى مبلغ الدعم مع الزيادة التي ستطال السلع، يبقى على المواطنين مسؤولية التكيف مع المرحلة الجديدة وتعديل سلوكهم الاستهلاكي.

كما ظهرت مخاوف تفصيلية متعلقة بالبرنامج وتحديد قيمة الاستحقاق، إذ ستُحتسب الأخيرة على أساس الدخل الشهري للأسرة وليس قيمة الراتب، ما يعني أن إجراءات جديدة كتوقيف العلاوات السنوية وغيرها ستؤثر في الراتب، بحيث لن ينجح الدعم الموعود في تعويض انخفاض متوسط دخل الفرد.

ولأن البرنامج يأتي ضمن خطة بن سلمان الاقتصادية التي أعلن عنها في “رؤية 2030″، فقد طالته كذلك بعد الانتقادات المتعلقة بالخطة نفسها لجهة تسرعها وعدم جدواها، في وقت تزامنت فيه مع تصريحات فرنسية حول تقديم السعودية والإمارات نحو 130 مليون يورو لدعم قوة مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي.

وما يعزز الانتقادات بشأن خطة التقشف كذلك، هو الكلام المستمر عن تصاعد نفقات حرب السعودية في اليمن، وفي السياق ما نشره “معهد ستوكهولم للسلام” عن إنفاق السعودية على التسليح خلال أربع سنوات (2012 – 2016) ما يعادل 362.5 مليار دولار.

من هنا، ومع الأخذ بالاعتبار ما يقدمه برنامج “حساب المواطن” من دعم، إلا أنه يبقى مقتصراً على إجراءات موضعية لا تأتي ضمن خطة شاملة ومدروسة تُعنى بترشيد الإنفاق العام على كافة المستويات، في ظل مخاوف متصاعدة من استمرار انهيار أسعار النفط في السنوات المقبلة.

قد يعجبك ايضا