المصدر الأول لاخبار اليمن

مجزرة ثقبان.. حين تأخر العشاء وجاء الصاروخ بطعم الدم والنار (4)

عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//

في حيّ ثقبان، شمال العاصمة صنعاء، كان المساء دافئًا على غير العادة.. كان كل شيء هادئًا، البيوت يغمرها سكون العائلات، وأصوات الأعراس تتردد في الأرجاء.. في منزل بسيط، جلس صدام حسين عبيد، فتى السادسة عشرة، إلى جانب شقيقتيه الصغيرتين.. لم يكن في البيت سواهم؛ كانت الأم وبقية النساء قد خرجن إلى حفل زفاف قريب، ووعدن بالعودة سريعًا لتناول العشاء سويًا.

صاروخ أمريكي.. وجريمة مكتملة الأركان

قال صدام وهو يعد الأطباق الصغيرة: “حين تعود أمي سنأكل معًا، لا تبدأن بدوني”، ضحكت شقيقته الصغيرة، وسألته إن كان سيترك لها قطعة الحلوى القادمة من العرس.. ضحك بدوره، لم يكن يعرف أن الضحكة ستكون الأخيرة.. وتلك الوجبة لم تُقدّر لها أن تُؤكل.. بدلاً منها، حطّ الصاروخ الأمريكي.

لم تكن هناك قاعدة عسكرية، ولا مخزن سلاح، ولا موقع حربي.. كان ذلك مجرد بيت يمني متواضع يأوي أسرة بسيطة، باتت هدفًا مباشرًا في الجريمة الأمريكية البريطانية التي طالت 3 منازل بحيّ ثقبان في مساء الأحد الأسود.

لم يدرِ صدام من أين جاءت الصواريخ، لكنه شعر بالأرض تتمزق تحت جسده، والجدران تتهاوى، والزجاج يتناثر في الهواء كالسكاكين، ألقى بجسده فوق شقيقتيه.. لم يكن يريد شيئًا سوى أن يحميهما، ثم.. ساد الصمت، كان المشهد أقسى من أن يُوصف.. ركام، نيران، صراخ، وأشلاء.

حين وصلت فرق الإنقاذ، لم يكن صدام يتحرك.. جسده المسجى وسط الركام كان يعلّق على حلوى لم تأتِ، وعلى عشاء تحوّل إلى فاجعة.

استشهد على الفور، بينما شقيقتاه نُقلتا في حالة حرجة إلى غرفة العناية المركزة، ما بين الحياة والموت.. ترسمان بخيوط الألم ملامح جريمة لا يمكن نسيانها ولا تبريرها.

كانت ليلة فرح… فصارت مأتماً

غير بعيد، كانت الأم عائدة من حفل الزفاف، تحمل معها الفرح، وقطعة حلوى لأطفالها، لكنها ما إن اقتربت من الحي حتى تبددت الملامح.. دخان كثيف، صراخ جيران، وبيتًا لم يعد له وجود.

لم تكن تدري أن الحفل الذي تركت من أجله أطفالها سينتهي ببكاء لن ينقطع.. سقطت على الأرض، صرخت بأسماء أطفالها، وركضت بين الأنقاض.. الرد الوحيد جاء من صفارات سيارات الإسعاف، ومن الجدران التي صارت قبورًا صامتة.

أرقام لا تحكي الوجع

وزارة الصحة والبيئة في صنعاء أعلنت أن حصيلة المجزرة في الحي المنكوب بلغت 12 شهيدًا، معظمهم نساء وأطفال، و4 مصابين.

لكن الأرقام لا تُترجم الحزن.. لا تُخبرنا كيف تحطمت ألعاب الطفلتين، أو كيف تطايرت الدمية، ولا تروي لنا كيف خنقت الصدمة قلب أم عادت من الفرح لتدفن ولدها.

خذلان الأمّة… وصمت العالم

صدام لم يحمل سلاحًا، لم يقاتل أحدًا.. لكنه قُتل بصاروخ أمريكي الصنع، في جريمة تباهت بها حكومتا واشنطن ولندن.

لكن من يبكي صدام؟ من يسأل عن وجبة العشاء التي لم تُؤكل؟ من يهتم بفتاتين صغيرتين، بين أنابيب الأوكسجين في غرفة معقمة، لا تعرفان أن شقيقهما الذي ألقى بجسده فوقهما قد استشهد وهو يحتضنهما؟

في الوقت الذي كانت عائلة عبيد تُنتشل من تحت الركام، كان زعماء 57 دولة عربية وإسلامية في قصورهم، لم يُصدروا حتى بيان إدانة واحد.. مليارا مسلم على وجه الأرض، لم يخرج أحدهم إلى الشارع في مظاهرة يرفع اسم صدام أو يصرخ من أجل شقيقتيه.

أما المجتمع الدولي، فقد استعاد عباراته المعلبة: “القلق”، “نراقب”، “ندعو للتهدئة”..  بينما الطائرات الأمريكية والبريطانية تمارس إرهابها في وضح النهار وعتمة الليل البهيم، وتغتال المدنيين بذريعة الردع أو الرد.

صورة واحدة تختصر كل شيء

جسد صدام المسجى تحت أنقاض المنزل، وأنامل شقيقته الصغيرة تخرج من بين الحطام، ودمية شقيقته الأخرى ملطخة بالدماء.. وصوت والدته المنهارة تصرخ: “كنا فقط في حفل زفاف!”

كل هذا المشهد، أبلغ من تقارير الأمم المتحدة، وأكثر إدانة من كل بيانات مجلس الأمن، وأصدق من صمت الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.

حين تسقط إنسانية العالم

في حيّ ثقبان، لم تسقط قذيفة فحسب، بل سقطت إنسانية العالم، وسقطت معها أقنعة التحضّر والديمقراطية، وسقطت عواصم العرب في صمتٍ مدوٍّ.

في تلك الليلة، لم تُقصف بيوت فحسب.. قُصف الأمان، وقُصف الطفولة، وقُصف الحلم البسيط لعائلة يمنية كانت تنتظر العودة من حفل زفاف وعشاءها في سلام.

صدام حسين عبيد، مجرد اسم جديد يُضاف إلى قائمة لا تنتهي من الشهداء اليمنيين، إنه قصة كاملة عن وطن يُذبح بصمت، عن فتى مات وهو يحاول حماية شقيقتيه، وعن مجتمع دولي يراقب ويصمت.. لأنه لا يسمع سوى صوت القوة، لا صرخة طفل بين الأنقاض.

قد يعجبك ايضا