المصدر الأول لاخبار اليمن

غزة واليمن: يضع الله سره وقوته بأشرف خلقه.. نصر مبين ونهاية إسرائيل جارية

تحليل/د.ميخائيل عوض/وكالة الصحافة اليمنية//

من أساطير الزمن الجاري التي تَبُز ما سبقها من أساطير للشعوب ومقاوماتها والحروب وفروعها، تكتب غزة صفحات مجد في كتاب تاريخ الإنسانية، وحروب المقاومات والتحرير، في وجه أعنف وأخطر حرب تتعرض لها كتلة بشرية.
فلم يسبق أن جَندَّت إسرائيل كل عزيمتها وقوتها، وجندَّت إلى جانبها كل قدرات أمريكا، والنظام الانجلو ساكسوني، وهو مهيمن وسائد عالمياً حاكماً، والأقوى عبر التاريخ.
غزة بمساحة٣٦٠ كلم، وبعدد سكان ٢,٢ مليون، مكشوفة ومسطحة ومستطيلة على البحر، محاصرة منذ عشرين سنة ونَيف، ومحرومة من كل فرص الحياة الطبيعية، وتحت السيطرة الالكترونية والتجسسيَّة الإسرائيلية، بمساندة أمريكا وبريطانيا، وأجهزة الأمن والسيطرة العربية والإسلامية!

هذه الغزة، وعلى ما هي عليه أنتجت عملية طوفان الأقصى العجائبية.
عجائبية في مكانها وزمانها، وتخطيطها وتنفيذها، وبرجالها وأهلها، وبمَن استَهدَفت، وبما حققت، وما كشفته من هزال إسرائيل وجيشها وأمنها وتفوقها السيبراني والناري.
ذاتها إسرائيل التي هَزَمت، وطَوَّعت، وابتزَت، وفرضَت تطبيعها على دول بمقاييس غزة؛ “هرقلية” وعظمى لمساحاتها ولعدد سكانها وقدراتها، وتعداد وسلاح جيوشها، ولإنفاقها على شراء الأسلحة والمرتزقة، وبناء الجيوش وقواعدها وأنواع سلاحها.
أسطورية، وعجائبية غزة في زمن “اللاأساطير، واللاعجائب”.

ثم اتمَّت روايتها، الأسطورة المعاشة في قدراتها على التحمل والصبر وتقديم التضحيات والعيش في ظروف قاسية لم يسبق أن عاشتها كتلة بشرية قط.
حصار وتجويع وتدمير وقتل بدم بارد، وطائرات الـ F35، وأمهات القنابل زِنة الواحدة منها ٢٠٠٠ رطل، هي أعظم ما أنتجته مصانع الحرب العالمية، تقصف خيم لنازحين، وأبنية مهدمة ومقصوفة، وعائلات جائعة في العراء، لا تملك ما يقيها حر النهار ولا برد الليل.
وقد تخلى عنها أهلها وعربها ومسلميها، ووقف العالم بحكوماته ومنظماته ومحاكمه متفرجاً عاجزاً، لم يفعل شيئاً مما كان يزعمه ويباهي فيه. إلا شباب وطلاب في أمريكا وأوروبا، تفاعلوا وحفزتهم عقولهم ومعارفهم، وما أجادوه من استخدام وسائط التواصل، لكشف وإسقاط سردية إسرائيل، التي نفخت الرؤوس كذباً وفبركات لقرن ونيَّف.

يا للهول! سنة وسبعة أشهر، بساعاتها، بلياليها، ونهاراتها. لم تغادر سمائها الطائرات، ولا توقف القصف والقتل، وبرغم الجحيم المعاش حقيقة لا المتخيل، وقدمت لأهلها عروض مغرية؛ نقل عبر البحر و/أو بالطائرات الفارهة، واستعمار جزيرة، وتهجير إلى دول العالم معززين مكرمين. فقد اجترح ترمب حلاً عقارياً، لأشرف وأوضح قضية وطنية قومية دينية وإنسانية، وبذل جهداً، وجنَّد دولاً وقادة ومنظمات، ولم يجد فرداً واحداً من غزة يقبل الرحيل والتهجير.
استشهد قادتها، ومنظمي مقاومتها وعائلاتهم، وشطبت عائلات بكاملها من السجلات، ولم يقبل أحد منها ومن الفصائل مجرد نقاش في عروض الحماية والترحيل ومغادرة غزة، التي تقلصت مساحتها إلى الثلث باكتظاظٍ بشري غير مسبوق، والأفواه جائعة وعطشى لا تنشد ماء وطعاماً إلا من السماء.

لكم أن تصدقوا عيونكم وآذانكم، وما ترون وتسمعون.
هذه الغزة أبدعت، وتقدم فصولاً مذهلة من أسطورتها العجائبية، فقد ثبتت وثبت أهلها، وصبروا ورفضوا كل الاغراءات، ولم يتخلوا عن المقاومة وخيارها. وقد أوفاها جنود الله في الميدان حقها، وعوضوا صبرها، وتضحياتها الهائلة. ويقاتلون بحكمة ودراية وبسالة ووعي ومعرفة وتنظيم مذهل، لم يسبقهم إلى هكذا أفعال مجيدة شعب أو جيش أو مقاومة على مدى الدهور.
صَدِّقوا بذهول، وانظروا إلى أبطال غزة الاستشهاديين، كيف يقاتلون، وبأية أسلحة وثياب، وأجساد مصقولة لا تُنشد إلا النصر أو الشهادة.
احسبوها وأنتم في حياة النعيم والرغد، من أين وكيف لهم الصبر والجلد، ويجمعون الصور والفيديوهات، والتصوير والبث المباشر، لترون وتسمعون وتعرفون أنها واقعات حقيقية جارية، لا فبركات هوليودية.

هذه غزة “المعمداني وهاشم”، كُتِب لها أن تكون عصيةً مقاتلة مثابرة، تلقن الغزاة الدروس، وتصنع الواقع لتمهر المستقبل بسماتها وطبائعها. مجددةً في فهم الحياة وقواعدها، وفي تعليم الأمم والشعوب كيف يُنتزع الحق الوطني والقومي، وكيف يُصنع المستقبل، وتُبنى أساساته لبنة لبنة ،وعملية صمود وقتال إثر أخرى.
في غزة كما في اليمن يصح القول؛ يضع الله سره في أعظم وأشرف خلقه، لا في أضعفهم.
فبين غزة واليمن ألف حبل سري، وسر إلهي، وأصول خلقٍ وتأسيسه. وبين ساحل الشام وجنوبه تكتب مرة جديدة، وأخرى بعد الألف قصة الخلق والإبداع، وتروى قصص نهوض وسقوط الامبراطوريات والحضارات.
غزة انتصرت، غزة تصنع نصراً كريماً عزيزاً ثميناً. أولى ثمراته؛ بداية انهيار المشروع الصهيوني، بصفته مشروعاً استعمارياً غربياً، انجلو ساكسونياً غاشماً ومتوحشاً.
في غزة ومنها بدأت علامات فك العلاقة بين أمريكا الترامبية وإسرائيل التلمودية والليكودية، والآتي أعظم.

كاتب ومحلل سياسي لبناني.

قد يعجبك ايضا