المصدر الأول لاخبار اليمن

حين تُؤكل البيتزا بالدم.. قصة من تحت ركام مجزرة المطعم التايلندي في غزة

عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//

اصطحبت الفتاة لين محمد محيسن (16 عاماً) الأربعاء الماضي، صديقتها إلى المطعم التايلندي، أحد الأماكن القليلة التي ما زالت تقاوم رائحة الموت برائحة الطعام، أرادتا فقط أن تسرقا لحظة فرح من تحت سماء تغلي بالطائرات وصدى الانفجارات.. أرادتا أن تفعلا شيئاً بسيطاً، لكنه في غزة، التي لا تُقاس فيها الأحلام بالحجم، بل بالقدرة على النجاة، يعد ضرباً من الأحلام الكبيرة.. أرادتا تناول قطعة بيتزا.

لحظة فرح مؤجلة

جلستا إلى طاولة صغيرة معاً تحاولان التمسك بالحياة، وقبل دقائق من المجزرة، مازحت صديقة لين قائلة: “ولك، البيتزا غالية غالية!”

فضحكت لين وأجابتها بجملة اختزلت مشهداً مروعاً واختصرت مأساة جيلٍ كامل: “شو يعني! خلينا نحقق حلمنا ونأكل بيتزا قبل ما نموت، محدش عارف”.. لم تكن تعلم أن كلمتها تلك ستكون نبوءتها الأخيرة.

صاروخ يسبق اليد

بينما كانت لين تمد يدها لالتقاط قطعة من البيتزا، هوى صاروخ إسرائيلي على المطعم، فسبق يدها إلى الطاولة، وسقطت على الطاولة.. غارقة بدمها، وقبل أن تصل يدها إلى حلمها الصغير تحولت اللحظة إلى مجزرة.

استُشهدت لين على الفور، وجُرفت أحلامها الصغيرة وسط ركام الطاولات ودماء الزبائن، الطاولة التي جمعت ضحكات الفتاتين، أصبحت غارقةً بدماء لين..  وتحوّلت إلى شاهد صامت على المجزرة، أما صديقتها.. اختفت وسط الركام، ولا يزال مصيرها مجهولاً حتى الآن.

ركام ودماء وضحكات مبتورة

مجزرة المطعم التايلندي في حي الرمال غرب مدينة غزة، لم تكن مجرد استهداف عسكري، بل كانت ذبحاً جماعياً للحياة اليومية.

أكثر من 30 شهيداً سقطوا في تلك الغارة، بينهم أطفال ونساء وشباب، وعشرات الجرحى غادروا المكان على حمالات الإسعاف، بعضهم بلا أطراف، وبعضهم بلا وعي.

وتُعد هذه الجريمة واحدة من أكثر الهجمات وحشية في سياق العدوان المتواصل على غزة، حيث تحوّل المطعم إلى كومة من الأنقاض المختلطة بأشلاء الزبائن والعاملين.

مشهد لين لم يكن عادياً بالنسبة للمسعفين الذين انتشلوا جثمانها.. قال أحدهم: “وجدناها مستلقية على جنبها، يدها ممدودة نحو قطعة بيتزا، ووجهها ما زال يحتفظ بابتسامة طفولية… كأنها لم تدرك بعد أنها رحلت.”

موت بطعم الطفولة

في غزة، لم تعد الأحلام مؤجلة، بل تُقتل في مهدها.. حتى البيتزا تصبح حلماً مؤجلاً بالموت، وتتحوّل الطاولات إلى نعوش، والضحكات إلى شهادات دامغة على جريمة لم يتوقف العالم عندها بما يكفي.

لم تكن لين تحمل سلاحاً، لم تكن في نفق، ولا في موقع عسكري.. كانت فقط فتاة تحلم بوجبة ساخنة، ربما لتنسى برد الحرب ورعب الطائرات.

لم تعرف أن حلمها الصغير سيُروى لاحقاً كـ”قصة استشهاد”، وأن الطاولة التي جلست عليها ستتحول إلى مزار للدم.

رحلت لين، لكن كلمتها الأخيرة تبقى محفورة في ذاكرة كل من سمع قصتها: “خلينا نحقق حلمنا قبل ما نموت”

قد يعجبك ايضا