تحليل/د.ميخائيل عوض/وكالة الصحافة اليمنية/
أَن يتجاهل ترامب في زيارته الخليجية، وشفطه الأموال، ذكر السيسي، وإدارة الظهر كلياً لمصر البهية، ليس بأمرٍ عادي.
ليس أمراً عابراً أن يعلن ترامب، بعد أن قبض على قناة بنما سعيه للقبض على قناة السويس، وطالب مصر برفع أية رسوم عن السفن التجارية والعسكرية الأمريكية العابرة للقناة.
ولا هو شأن بلا استهداف إشارات ترامب إلى ترحيل فلسطينيي غزة لمصر، ومطالبتها بتنفيذ أوامره.
أما الجاري من مذبحة، وتدمير، وتصفية للقضية الفلسطينية، ابتداءً من غزة، فأول ما يستهدف مصر بوحدتها واستقرارها. وكانت عند غزو بغداد الجائزة الكبرى، بحسب الوثائق والإعلانات عن الشرق الأوسط الجديد.
وما أعدَّ وأعلن من مشاريع، كقناة بن غوريون والطريق الهندي وغزة ريفيرا الشرق، أول ما تستهدف مصر. فبعد تعطيشها من سد النهضة بحماية إسرائيلية، ودعم أمريكي وتمويل إماراتي، تُستهدَف قناة السويس لتجويعها، وزيادة أعبائها الاقتصادية والاجتماعية، وهي أصلاً تنوء تحت أحمالٍ ثقيلة من الديون والغلاء، والأزمات الاجتماعية والسياسية.
زيارة ترامب الخليجية، وشفطه الأموال يصيب مصر، ورهاناتها على العطايا والاستثمارات الخليجية، ويعزز حالة الجفاء بينها وأسر الخليج، وتؤشر إلى تخليهم عنها. فقد لاذوا بترامب لتأمينهم وحمايتهم، ولم يعد لهم أموال لمصر أو غيرها.
وبمصالحة ترامب للجولاني، بطلب ووساطة وكرمال تريليونات الخليج، وعقد اجتماع ثلاثي مع إردوغان، ترتسم ملامح سياسة أمريكية، مفادها إدارة الظهر لمصر وللسيسي، والاستغناء عن الخدمات. وبدائل ترامب تفويض السعودية وإردوغان، وانتزاع الإقليم الشمالي لمصر.
فسورية منذ الفراعنة ومعركة قادش مع الحثيين ١٢٦٨ ق م وعقد الصلح، وإلى محمد علي وعبد الناصر، كانت عمق الأمن القومي لمصر، وجيشها هو الأول، ولهذا مصر تملك الجيش الثاني والثالث.
قد يكون تجاهل ترامب للسيسي ومصر، بنتيجة رفض السيسي الاستدعاء إلى المكتب البيضاوي، وبسبب ممانعتها خطة غزة ريفييرا الشرق، ومحاولاتها عرض وتقديم خطط بديلة، وأيضاً بسبب رفض تهجير غزة. وقد قالها السيسي من اليوم الأول؛ إن كان لابد من التهجير، فليكن إلى النقب وليس إلى سيناء، وأكدَّ أنَّ ذلك يفجر مصر، ويزيد من الأزمات والجبهات.
أياً كانت أسباب ودوافع ترامب وأمراء الخليج، فالمعطيات الواقعية والمُعاشة تقدم إشارات غير مريحة عما يُعَد لمصر ومستقبلها، ومن بينها؛ فبعد تدمير ليبيا وجيشها، والسودان واليمن والعراق، وسورية وجيشها ودولتها، لم يبقى دولة ولا جيش إلا في مصر. ومصر بحكم الجغرافية دولة مواجهة، وموقع حاكم جيوبوليتكياً، ومكانتها تقرر مسارات الشرق وتوازناته، بل أبعد بما يقرر التوازنات العالمية، ودول عدم الانحياز، ودور ناصر ومكانة مصر في زمنه شواهد ناطقات.
قد يقبل البعض حجة أنَّ السيسي تسلَّم مصر دولةً كهلة، مُكلفة، وأزمتها وأعباؤها ثقيلة.
قد يقبل البعض مقولة أنَّ السيسي والجيش يستفيدان من خطأ محمد علي وعبد الناصر، حيث أنهما ذهبا إلى دور عربي وإقليمي وعالمي، قبل تأمين مصر فخسرا وخسرت مصر.
وقد يقبل البعض ذريعة أنها عارضت تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وعارضت خطة ترمب لغزة ريفييرا، وتعاون حماس في المفاوضات، وربما تؤمن غزة ببعض الاحتياجات، وأنها لم تقبل سفيراً جديداً لإسرائيل. وقد يكون لافتاً الحملات الإسرائيلية عليها، بسبب إقامة قواعد وتحشيدات، وبنى تحتية عسكرية في سيناء، متجاوزةً اتفاقات كامب ديفيد. إلا أنَّ كل ذلك لم يعد مقنعاً ولا مجدياً، ولم يلجم إسرائيل، ولا أسقط مخططات استهداف مصر في استقرارها وسلمِها الأهلي، ومياهها، وخبزها، بل وبوحدتها وسلمها الأهلي.
تَعتدُّ مصر أنها أسقطت مبارك، وانتزع الجيش السلطة من يد الإخوان، وبذلك أفشلوا خطة “الإخوان-إسرائيل-لوبي العولمة” لتمكين الإخوان من مصر والعرب والمسلمين، ولتأمين إسرائيل، وقرن أمريكي.
ويَعتدَّ المصريون بما أُنفِق على الجيش، وتحديثه وبناء القواعد، وامتلاك حاملات طائرات، وبتنويعها مصادر السلاح، والتحول إلى الروسي والصيني، وقد أثبت أنه أفضل من الغربي والأمريكي بيد الحوثيين وباكستان وقد تكون المناورات المصرية الصينية على مقربة من زيارة ترمب الخليجية تحمل رسائل ذات مغزى
يصبح السؤال؛ وما الفائدة إن لم يُستخدم السلاح والجيوش في الزمان والمكان المناسبين، وبإزاء أقدس القضايا، ولردع استهداف مصر ولتأمينها وحمايتها، والحرب جارية في عمق أَمنها الوطني، وقد خسرت أمنها القومي في الشام والسودان والبحر الأحمر وليبيا فمتى يُستخدم؟ أم مصيره كترسانة الاتحاد السوفيتي، التي كانت متفوقة لثلاثة عقود عن الغرب؟ وكذا مصير سلاح والجيش العربي السوري؟
السلاح في غزة واليمن، والرجال يصنعون المستحيل، وكلاهما يبعدان عن مصر بوصة وأقل.
فما يوشوش به الغزاوي واليمني، تسمعه الأذن المصرية وتراه العين. فكيف تستوي الأمور أَنَّ غزة تصمد، وتنهك إسرائيل وحلفها العالمي، واليمن يهزم أمريكا وعالمها، ومصر تعجز عن قول كلمة الحق، وإلغاء التطبيع، وإسقاط كامب ديفيد؟!.
بل اعلان الحدود مع غزة سيادة مصرية وان تبادر لإطعام غزة وارواء اطفالها؟ وقد تكون خطوة كافية لوقف حرب غزة، وعودة مصر إلى الصدارة، وبعودتها وإمساكها الملف القومي وقضيته، تُخضِع ابن سلمان وقطر وابن زايد، وتضطرهم لتحويل المليارات عن إنقاذ أمريكا وتسليح ترامب وتستعجل رحيل الجولاني ومعه اردوغان والاخوان.
وتتساند، بل تحتضن يمن العزة والكرامة، واشتقاق الانتصارات وسيد البحار، ومعاً يُخضعان الخليج والسودان وليبيا وأمريكا، فتروي مصر عطشها وتشبع شعبها، وتعود سيدة الإقليم.
هل سيفعلها السيسي؟
الرهان على الجيش، فقد كان ومازال ويستطيع أن يجسد روح مصر وكرامتها، منذ الفراعنة ومحمد علي وعبد الناصر، وفي انتزاع السلطة من الإخوان، وتأمين مصر، وحمايتها من مشروعهم لتفكيكها، وإهداء سيناء دولة فلسطينية كان التزمها علناً الرئيس الإخونجي” مرسي” قبل إسقاطه، وأسقطه الجيش لأنه أعلن الجهاد في سورية، بخطابه في استاد القاهرة.
غنَّاها الشيخ إمام وصَدَق؛
“مصر يما يا بهيه يم طرحة وغلابية الزمن راح وانتي جايه”
إننا في زمن أن تروح مصر أو أن تأتي.
الأمل والتحول الفرط استراتيجي أن تأتي لا أن تروح، وتعود شابة ولو شاب الزمن.
كاتب ومحلل سياسي لبناني.