المصدر الأول لاخبار اليمن

الطفولة في غزة لا تكبر بل تذبل.. مأساة طفلة يقتلها الجوع بصمت

عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//

في أحد أزقة مخيم البريج وسط قطاع غزة، تجلس الطفلة رهف عياد (12) عاما، على قطعة إسفنج مهترئة في زاوية منزل يكاد يخلو من كل شيء.. لا ألعاب، لا طعام، و لا حتى فرشاة تمشط بها شعرها المتساقط.. جسدها النحيل يتحدث عن معركة من نوع آخر، معركة تُخاض بلا سلاح، ضد الجوع والهزال وسوء التغذية.

رهف تحارب هي الأخرى… لكن ليس بالقصف، بل تُصارع الجوع، وتحاول بأطرافها النحيلة أن تتشبث بالحياة، بعدما أنهك سوء التغذية جسدها الذي يتحدث عن حصار لا يقل خطورة عن القصف بالصواريخ.. حوّل الأطفال إلى أشباح تبحث عن كسرة خبز.. لا عن لعب أو مدارس.

فقدت رهف جزءًا كبيرًا من وزنها، وشُخّصت بحالة متقدمة من سوء التغذية، بعدما أصبح تأمين الغذاء مهمة شبه مستحيلة لعائلتها المحاصرة خلف أبواب مغلقة، ومعابر مقفلة، وصمت عربي ودولي مطبق.

طفولة تُقصف بالجوع

منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، لم تتوقف الغارات، لكن ما توقف فعلاً هو كل ما يُبقي الحياة ممكنة.. الغذاء، المياه، الرعاية الطبية.. كلها باتت نادرة، الحصار اشتد.. والجوع تسلل إلى البيوت مثل دخان، لا يُرى لكنه يخنق.

رهف ليست حالة استثنائية، بل واحدة من آلاف الأطفال الذين سحقهم الجوع، والذي اشتدّت قسوته مع استئناف العدوان منتصف مارس الماضي.. الحصار لم يترك للطفولة سوى الرماد، وصادر من الصغار أحلامهم، بل وحتى احتياجاتهم البسيطة.

الطفلة رهف مثال مؤلم على هذا الواقع.. كانت فتاةً نشيطةً تحب اللعب والضحك، لكنها اليوم بالكاد تقوى على الوقوف.. تقول والدتها بصوت مثقل باليأس: “رهف تغيّرت كثير.. ما بتقدر توقف، وجهها صار شاحب، وشعرها تساقط وبطنها تنتفخ أحيانًا من قلة الأكل.. بنخاف عليها كل يوم يمرّ.”

معابر مغلقة.. وأفواه مفتوحة

الحصار لم يعد فقط من الاحتلال الإسرائيلي، بل تشارك فيه دول عربية.. المعابر مغلقة، والمساعدات محاصرة، والعالم يشاهد من بعيد، المواد الغذائية لا تدخل، والإغاثة تُمنع، ورفوف المتاجر فارغة إلا من الغبار.

العدوان على غزة لم يعد مجرد قصف ومجازر، بل تحوّل إلى حرب تجويع مُمَنهجة، تُمارَس بدم بارد.. ليس فقط من الاحتلال الإسرائيلي، بل تشارك فيه دول عربية.. المعابر مغلقة، والمساعدات محاصرة، المواد الغذائية لا تدخل، والإغاثة تُمنع، ورفوف المتاجر فارغة إلا من الغبار.

وبحسب تقارير أممية، فإن أكثر من نصف أطفال القطاع يعانون من سوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي، ونحو 80% من السكان يعتمدون كليًا على مساعدات إنسانية شبه معدومة حاليًا بفعل الحصار ومنع دخول الشحنات الإغاثية.

أما الجهات الطبية، فتقرع نواقيس الخطر، تقف عاجزة أمام تصاعد حالات سوء التغذية الحاد، لا سيما بين الأطفال، في ظل شُحّ الإمكانيات وانعدام الوقود والمستلزمات الطبية.

رهف لا تطلب الكثير

رهف لا تفهم شيئًا في السياسة ولا في خرائط المعابر المغلقة، ولا تدري من يمنع دخول الطعام أو من يغلق الحدود، ولا تعرف عن “فيتو” دولي.. لكنها تدرك جيدًا ماذا يعني أن يقرصك الجوع كل ليلة، وتعرف كيف يبدو الليل حين تنام على معدة خاوية، وأن تستيقظ وأنت تبحث عن وجبة فلا تجد.

بعينيها الغائرتين بدموع الحسرة والألم ووجهها الشاحب، تهمس بصوت مرتجف: “أنا مش زي الأطفال برا.. بس بدي أكل.. بدي ألعب واقفة مع إخوتي… وبدي أمشط شعري.”

كلماتها البسيطة تختصر مأساة جيل بأكمله، جيل يُولد ويكبر في سجن مفتوح، وسط حرب لا تميز بين صغير وكبير، لا تُترك فيه فرصة للنمو أو الفرح، ولا مكان للطفولة أن تعيش في غزة، حيث لا تكبر الطفولة.. بل تتقلّص وتذبل.

الطفولة التي تُنسى

في غزة، الطفل لا يحلم بدراجة أو لعبة إلكترونية.. بل يبحث عن الرغيف، الأطفال هناك لا يشكون من الملل.. بل من الجوع.

وبينما يستمر القصف وتشتد المجاعة، لا تزال رهف تنتظر.. لا قرارًا أمميًا، ولا تصريحًا بالدخول… بل كسرة خبز تصنعها والدتها من طحين المعكرونة والفاصوليا اليابسة.

وفي ظل صمت عربي ودولي مخزٍ، تتآكل أجساد الأطفال في غزة بصمت، وتُخنق الطفولة في قطاع منكوب، يُحاصر بالحرب، ويُدفن بالجوع.

قد يعجبك ايضا